نميل في غالب الأحوال إلي نقد الذات ومحاولة وضع النفس أمام مرآة النقد العجيبة التي تعاني من كسر في بعض جوانبها, فلا يري الانسان إلا صورة معوجة وتكوين متكسر غير متوافق. ومثل هذا الشعور الغريب قد رأي بعض المتخصصين في مجال تأصيل الخصائص النفسية للشعوب بأن الروح العامة التي تميزنا هي روح الفكاهة والدعابة والبهجة, إلا أن هذا الشعور يواكبه ضرب من ضروب العكننة أو الميل إلي إيذاء النفس وتغليفها بغلاف قاتم رهيب من العكننة والذي يحيل هذه البهجة إلي شعور قاتم وتعاسة وحزن. والأيام المباركة تمر بنا ونعيش بين لياليها... ويحتضننا شهر رمضان المبارك وفي هذا الشهر الكريم نعيش فرحة الإيمان وفرحة التعامل مع الأيام والليالي المباركة لهذا الشهر الكريم الذي يهذب النفوس ويصفو بالأفئدة... إلا أنها في ظل المتغيرات والعوامل التي ظهرت في حيتنا قد أفقدتنا الشعور ببهجة رمضان وطغي العنف الذي شاهدناه من بعض الذين لا يعرفون معني الحياة الروحية ولا يقدرون المعايشة الروحية فطغت عليهم المصالح الشخصية والانتهازية فنسوا قيمة الشهر الكريم, وطغوا في الأرض وتطلعوا لمصالحهم فقط وغلبهم شعورهم بالعنف وإيذاء الآخرين فنشروا من خلال أحقادهم وقصور فكرهم التوتر والاضطراب... فضيعوا بهجة رمضان وأفسدوا لياليه الروحانية, وبهجة ونشوة التعامل مع مقتضياته فغابت نتيجة لهذه السلوكيات التي أظهرها من يدعون الدين ولا يعرفون إلا مصالحهم... غابت البهجة والفرحة الرمضانية... فلم يعد الأطفال يمسكون الفوانيس ويمرحون في الشوارع والحارات والأزقة والنجوع بل خاف الأهل من سلوكيات أهل العنف والاعتداء فحبسوا الأطفال تجنبا للأضرار وحماية لأولادهم وأطفالهم من خطر الأشرار الذين يتوعدون الأبرياء ولا يسمحون بنشر البهجة والسعادة بين الآخرين بل يتجهون فقط إلي العنف والفوضي وإشاعة الذعر لتحقيق مصالحهم وتنفيذ مخططاتهم غير المشروعة... فأفسدوا بهجة ليالي رمضان!! ورمضان الشهر الكريم الفضيل كان ينتظر المناخ الملائم الذي يعطي الأفراد الفرصة من خلال صيامهم أن يتجهوا إلي الله إلا أن هؤلاء الذين يفكرون في إيذاء الآخرين يفسدون كل عوامل البهجة وينشرون العكننة من خلال تصرفاتهم غير المسئولة ودعوتهم بالباطل إلي ما يحقق مصالحهم ولأننا مقبلون علي انتظار العيد... بعد انتهاء شهر رمضان والعيد يمثل فرحة لكل من أدي فريضة الصوم, وهو يمثل خاتمة الشهر النبيل الذي يكرم صاحبه ويدفعه إلي الارتقاء وصفاء النفس إلا أن الظروف الراهنة المحيطة بنا, وحرص بعض الأفراد غير الأسوياء أن ينشروا العنف والبطش بالآخرين وهم لا يحترمون قواعد أو أصول بل يتطلعون إلي مصالحهم ويسعون إلي تحقيق هذه المصالح مهما أدي بهم سلوكهم العنيف, فهم لا يفكرون إلا في مصالحهم فقط ومصلحتهم الواهمة تدفعهم إلي نشر العكننة وإشاعة الفوضي والفزع بين الأفراد ولكي نحرص علي بهجتنا وابتساماتنا علينا أن نتجنب عوامل العكننة تلك التي تتبلور في: * عندما يصير حديث الأفراد عن انتشار ظاهرة عدم الاهتمام بالمصلحة العامة للمجتمع الذي نعيش بين جوانبه, وهذا الوطن الغالي الذي يظلنا بسماؤه ويروينا بنيله العذب. * تزداد العكننة عندما يري الأفراد أن قدرا غير قليل من عيوبنا الأخلاقية راجع إلي انتقال عددي القدوة السيئة بحيث تتسلل هذه العدوي تدريجيا إلي المستويات العليا في المجتمع مرورا بالمستويات الدنيا فتجمع بين هذا وذاك. * تتجلي العكننة في أبشع صورها من خلال أسلوب النفاق والمجاملة والتطرف في إظهار المحاسن من خلال هذا السلوك المنزلف والذي يظن البعض وهم واهمون أن هذا السلوك سوف يعود عليهم بالمنفعة ويجلب لهم البهجة, إلا أن هذا السلوك يؤدي إلي عكننة المنافق وعكننة الآخرين الذين يتعامل معهم والذي يشاهدون نفاقه ويراقبونه بعين النقد والاستهجان. * وتستمر العكننة في الظهور كملمح من ملامح الانفعال الذي يعبر عن عدم الارتياح وانعدام البهجة عند البعض, أو عندما يشيع سلوك قلة الذوق وانعدام الشهامة والفهومية, وينحسر سلوك الأدب والخشية والحياء, ذلك الذي تحاول مجموعة العلاقات الاجتماعية الجديدة أن تطيح به وتقضي عليه من خلال تبادل المنفعة والغابة تبرر الوسيلة واللي تغلب به العب به و اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي. * وتتلاشي البهجة أيضا في مواجهة العكننة التي تأتي من عدم قدرتنا في بعض الأحوال والظروف والملابسات علي أن نفصل بين الأهداف الشخصية بما فيها من أطماع وجشع مهين العمل الذي يفترض أن تقوم به ابتغاء مرضاه الله بموضوعية وأمانة بعيدا عن المصلحة الشخصية من عوامل ذاتية... دون أن نضع في اعتبارنا أن هذا البلد الذي نعيش فيه, وهذاالوطن الذي يحتضنا بين جوانبه, ليس ملكا لفرد أو مجموعة أفراد, ولكنه وطن الجميع, وأن الذي يعمل بجد واجتهاد وأمانة وموضوعية وكفاءة هو ذلك الذي يرعي مصلحة الآخرين قبل أن يحقق مصلحته الشخصية. * وتظهر ملامح العكننة بجلاء ووضوح من خلال هذا السلوك السلبي الذي يجعل صاحب العكننة( إذا صح هذا التعبير) يميل إلي الانسحاب وعدم المشاركة الفعالة, ويصاب بضرب من ضروب الاهمال المتعمد والمقصود, لأنه يري أن الذي يعمل بجد هو نفسه الذي لا يقدر, وأن الذي لا يعمل ولكنه يستخدم أسلوب التزلف للوصول يرقي ويتقدم. ومن هنا لا يهتم بمصالح وطنه ولا يكترث بمشكلاته ولا يتعاون في حلها لأنه لا يري البهجة إلا في عيون وقحة سمحت لنفسها أن تأكل هي فقطو دون مراعاة لعيون الآخرين التي تلمع فيها دموع الحرمان!! والذي يمكن أن يقال في أمر العكننة التي انتشرت بين جوانبنا من خلال ظهور بعض الأفراد والجماعات التي تسلح نفسها لإيذاء الآخرين, ولا تراعي الله في أفعالهم, وينسون في زحمة صراعاتهم ما نسميه الخلق الرفيع والمبادئ الأصيلة وإذا انتشرت العكننة بهذا الأمر فإن قضاء ليالي رمضان تشعرنا بالحزن علي الضغوط النفسية التي نعاني منها من شدة التوتر الذي بدأ ينتشر بين الأفراد والأطفال والنساء... ومن أجل هذا الأمر المؤلم شعرت بعض القلوب الصافية الصائمة التي تتجه من خلال صيامها إلي المولي عز وجل أن يرحمنا ويحمينا من شر هذه الأفراد والجماعات التي تحاول أن تقضي علي بهجتنا وسعادتنا وراحتنا في شهر رمضان الكريم... والعيد ينتظر نهاية الصوم ليعلن عن فرحته ويساعد كل صائم أن يتناول إفطاره في أيام العيد... ولكن العيد يشعر بقسوة سلوكيات أهل العدوان والقسوة الذين يحاولون أن يفسدوا بهجة العبد وفرحته بالصائمين الأبرار. ويا أيها العيد المبارك وأنت تتوج شهر رمضان لاتحزن كثيرا علي ما حدث من أهل الضلال والفسوق والعصيان.. فهم لن يحصلوا علي شيء, في الدنيا أو في الآخرة... لأن الله لا يعطي إلا الأبرار ولا يبارك إلا حركة النبلاء الذي يحبون أوطانهم ويسعون إلي تقدمها بعيدا عن العنف والقسوة وسلوك الضلال. أستاذ الصحة النفسية والعلاج النفسي بكلية التربية جامعة عين شمس رابط دائم :