أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ عندما تقع عينه على اسم الكاتب الراحل أنيس منصور "أديب البسطاء"، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم (21 من أكتوبر 2011)، هو ذلك اللقب الذي التصق به حتى كاد يقتصر عليه وحده حديثا، وهو لقب "عدو المرأة". "عدو المرأة" لقب أطلقه قراء منصور عليه بعد كتاباته المتعدة التي تتناول المرأة بشيء من السخرية، لا الهجوم، والتي رغم أن غالبيتها كان يبدو أشبه بتلك النكات التي تتبادلها الأفواه في مجتمعنا المصري، فإن القراء استقبلوها على أنها فلسفة اتخذها منهاجا لحياته. لكن المطلع على حياة أنيس منصور يعرف جيدا أنه لم يعاد المرأة يوما، وأن هذا اللقب كان من قبيل الألقاب التي لا يتنصل صاحبها منها لأنه تعطيه من الشهرة والرواج أكثر مما توجه له من اتهامات. تروي زوجته أنهما عاشا قصة حب قوية للغاية، استمرت بعد الزواج، حتى وفاة الزوجة، التي بكاها منصور بكاء لم يجربه منذ وفاة والدته، التي تعلق بها أيضا تعلقا شديدا، وظن، كما قال بعد ذلك، أنه لن يبكي يوما كما بكى يوم وفاتها، على الرغم من أنه من المعروف عن أعداء المرأة أن عداءهم لها يبدأ من أمهاتهم! ومما يعزز من قوة هذا اللقب والتصاقه بأذهان الجمهور اهتمام أنيس منصور بالتأريخ لأعداء المرأة، أو من نعتوا بهذا اللقب، من الأدباء الذين عاصرهم. أحد هؤلاء الأدباء، أعداء المرأة، كان توفيق الحكيم الذي اشتهر، بجانب بخله، بعدائه للمرأة، حتى أنه عاش فترة طويلة دون زواج، ودون أي علاقات نسائية تذكر. ولكن النصف الثاني من حياة الحكيم يدلنا على أنه كان يسير على الطريق نفسه التي سار عليها أنيس منصور، وأنه استفاد كثيرا من هذا اللقب كما استفاد أنيس منصور، بيد أن السحر انقلب على الساحر كما يقول المثل، ولم ينج من شره كما نجا منصور. الحكيم الذي رفض أن ينكر عداءه للمرأة التصق به اللقب حتى صار صفة ملازمة لها، وعرف بين الأسر بكراهيته للمرأة. عندما أراد توفيق الحكيم أن يخرج من تلك العزلة التي فرضها على نفسه، وأن يطرق باب النساء، كان الباب قد أغلق بسلاسل حديدية من الرفض والإشفاق. محاولات عديدة للزواج باءت بالفشل بعد رفض الأسر لأن تتزوج بناتها من رجل يكره المرأة، جعلته يشفى على اليأس، لدرجة أنه قابل السيدة هدى شعراوي لتتوسط له عند إحدى الأسر ليتزوج من ابنتهم، ولكن محاولاتها أيضا باءت بالفشل. وانتهى الحال بالحكيم بعد كاد ييأس بأن تزوج زواجا وصفه بالعقلي، وضع أسسه هو وزوجته حسب احتياجات كل طرف، وهدفه من الزواج! أما الذي يمكن وصفه بأنه كان عدوا حقيقيا للمرأة فهو الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، الذي مات دون أن يتزوج، وكرس حياته لتناول المرأة بالنقد والهجوم اللاذعين، حتى أنه وصف بأنه شوبنهور الشرق. والحق أنه يمكن للقارئ أن يستشف من كتابات العقاد تأثره الشديد بفلسفة شوبنهور التشاؤمية، المعادية للمرأة، هذا الفيلسوف الذي كان يكره أمه لاضطهادها إياه، وراح يهاجم المرأة واصفا إياها بأنها تأتي من جنس أدنى من جنس الرجل. ولكن على عكس شوبنهور، كان العقاد يتحدث عن والدته في كتاباته بشكل أشبه بالتقديس، في حين تأتي كراهيته للمرأة من علاقات عاطفية فاشلة. المعلومات التي يمكن لنا الحصول عليها حول العلاقات العاطفية للعقاد تأتي كلها تقريبا من مصدر واحد، وهو كتابات أنيس منصور. ومن كتابات أنيس منصور نعرف أن في حياة العقاد ثلاث نساء، أو اثنتين فقط على وجه الدقة. أما عن الترتيب الزمني لظهورهن فلسنا نملك تأريخا دقيقا، ولكن الأرجح أن العلاقة الأولى للعقاد كانت مع فنانة مشهورة، أحبها العقاد في شبابها، ونشأت بينها علاقة سرعان ما انتهت بعد دخولها عالم النجومية، لينهال العقاد عليها بهجوم عنيف. وكان أقسى من قصيدته التي كتبها فيها، لوحة للفنان صلاح طاهر، صديق العقاد، طلب منه العقاد أن يرسمها، تصور فطيرة بها عسل، ويتراكم الذباب عليها، في رسالة لتلك السيدة بأنه ابتعد عنها لكثرة الرجال حولها. ورغم أن أنيس منصور رفض في كتابه "في صالون العقاد كانت لنا أيام" أن يصرح باسم هذه السيدة، فإنه عاد ليصرح باسمها فجأة في كتابه "شارع التنهدات" ليذكر أنها كانت الفنانة مديحة يسري! علاقة أخرى في حياة العقاد سجلها هو بنفسه في كتابه "سارة"، هذه الشخصية التي لطالما خلط الناس بينها وبين الفنانة الشهيرة، والحق أنها كانت سيدة لبنانية على الأرجح، تزوجت قبل العقاد، وأنجبت ابنة، وانتهت علاقته بها بعد أن اكتشف خيانتها أيضا! أما العلاقة الثالثة فمن الصعب وصفها بالعلاقة، ذلك أن كثيرا من الغموض يشوبها، وهي علاقة الأستاذ بالأديبة الشهيرة مي زيادة، فرغم تلميحات أنيس منصور في كتاب صالون العقاد إلى أن علاقة قامت بينهما، فإنه نفى بعد ذلك وجود أية علاقة، واصفا الأمر برمته بأنه علاقة صداقة. لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :