لكل مجتمع عاداته وتقاليده الخاصة التي يمارسها في المناسبات الدينية والاجتماعية والثقافية المختلفة، والتي يعبر بها عن فرحته وسعادته أو حزنه في بعض الأحيان، وتختلف هذه العادات والتقاليد من مكان إلى آخر ولكنها تظل تراثًا يتوارثه الأبناء وتحمل تفاصيله الأجيال المتعاقبة .. فبالرغم من وحدة الأعياد والمناسبات المصرية التي يحتفل بها جميع أفراد الشعب المصري، إلا أن مظاهر الاحتفال تختلف من مدينة إلى أخرى. وتذخر البادية العربية، وبادية سيناء بصفة خاصة، بالعديد من العادات والتقاليد المتوارثة في مختلف المناسبات، ومنها عيد الأضحى المبارك الذي يحظى بمكانة خاصة في قلوب أبناء سيناء. ويحرص بدو سيناء .. بل وكل أبناء سيناء.. على إحياء مظاهر العيد بما فيها من طقوس دينية وعادات وتقاليد، حيث يعتبر أبناء سيناء أن السيدة هاجر زوجة الخليل إبراهيم أبو الأنبياء وأم سيدنا إسماعيل عليهما السلام كانت مصرية من سيناء، ومن هنا يحرصون على إحياء السنة النبوية بالتضحية في عيد الأضحى المبارك من جهة .. وعلى تكريم موقف السيدة هاجر من جهة أخرى .. ويسمون عيد الأضحى بعيد التضحية أو عيد الضحية. ويبدأ أبناء سيناء يوم عيد الأضحى المبارك بصلاة العيد في الخلاء وتبادل التهاني مع المصلين .. وعقب الصلاة يتجهون إلى منازلهم لنحر الذبائح، ويحرص كل منهم على ذبح أضحيته بنفسه.. تمشيًا مع السنة النبوية .. فكل منهم يجيد الذبح وسلخ وتقطيع الأضحية وباقي الذبائح. وعقب الانتهاء من الذبح وتجهيز الأضحية يتجه كل فرد من الرجال إلى مقعد أو ديوان العائلة .. فلكل عائلة أو فرع داخل القبيلة مقعد أو ديوان للالتقاء به في مختلف المناسبات .. حيث ينتظرهم هناك المشايخ والعواقل من كبار العائلة، ويتناولون طعام الإفطار من اللحوم والكبد سويا، ثم يخرجون لزيارة الأهل والأقارب من آباء وأبناء وأعمام وعمات وأخوال وخالات وغيرهم .. سواء من المتزوجين والمتزوجات من أبناء نفس القبيلة أو القبائل المجاورة، ويتم تبادل التهاني وتقديم هدايا العيد .. ومن المتبع منح الأخوات أو البنات المتزوجات ربع الضحية .. وتقسيم الباقي بين بيته والأصدقاء والفقراء. وبعد الظهر يلتقى أبناء القبيلة الواحدة أوالعائلة داخل المقعد الرئيسي بالمدينة أو القرية أو التجمع لاستقبال جيرانهم وأقاربهم الذين يأتون لتقديم التهنئة بعيد الأضحى، وعندما يحل موعد الغذاء تكون الوليمة قد تم تقديمها بمشاركة المنازل المشاركة في المقعد .. وهي في الغالب عبارة عن الفتة والأرز .. وهناك من يفضل تناول اللحوم المشوية بعد دفنها في حفر من الرمل أو داخل براميل بعد إخماد النيران (وهي ما تسمى بالمندي). ولا ينسى شباب البادية في يوم العيد أن يتسابقون على الإبل للتعبير عن فرحتهم، فيما تمرح الفتيات باللعب أسفل أشجار الزيتون والخوخ بالقرب من المنزل مع أقرانهن من الأقارب والجيران.. وفي بعض الأماكن تتجمع الفتيات لمشاهدة سباقات الإبل وألعاب الشباب عن بعد. وفي حين تفضل بعض الأسر قضاء يوم العيد في المزارع أوالأماكن الخالية للتمتع بمباهج الطبيعة ومقومات البيئة الصحراوية في سيناء، يفضل البعض الآخر ممن يعيشون في الحضر الذهاب إلى حديقة الحيوان والحدائق العامة أو إلى شاطئ البحر وإقامة حفلات السمر للشباب، بينما يبقى التجمع الأسري في بيت الجد أو الجدة بعد عودة المسافرين خارج المحافظة أو خارج مصر، هو المناخ العام الذي يجتمع عليه كل أبناء سيناء لقضاء إجازة عيد الأضحى المبارك، حيث يعتبر الجميع يوم العيد يوما للتسامح والصفح ونسيان أي خلافات سابقة بينهم .. وتقام الأفراح وتزداد حالات الزواج والخصوبة يوم العيد. ويقول مسلم الحوص خبير التراث البدوي إن الأفراح تزداد في مثل هذه الأيام السعيدة.. وهناك احتفالات سنوية تقام في عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك.. من خلال الآلات الشعبية السائدة في سيناء وهي الربابة السيناوية والشبابة (المضباحة) والمقرون .. أما أهم الأغاني فهي القصيدة والمويلي والحداء (الحدي) .. كذلك السامر، وهو من السمر .. ويطلق على جميع الاحتفالات الليلية، وأن هناك اختلافات طفيفة في السامر من قبيلة إلى أخرى، ولكنها تكون في الشكل والأداء وليس في المضمون. وأضاف أن السمر يبدأ بتجمع الفتيات الصغيرات في مكان مرتفع بعد صلاة العشاء، حيث يبدأن الزغاريد إشارة ودعوة لبدء السامر، ثم تأتي الشابات والنساء والشباب والرجال حيث تجلس النساء بجوار بعضهن ويجلس الرجال أمامهن على بعد لا يقل عن عشرين مترا، ويتكون السامر من كل أو بعض الأشكال الفنية السيناوية. ومن الأشكال الفنية السيناوية التي تستخدم في السامر (الرزعة) ويجلس فيها الرجال في مجموعتين وبكل مجموعة شاعر يسمى الرزيع، ويكون التنافس كبير بين المجموعتين .. يبدأ الرزيع في ذكر الشطر الأول من أي بيت شعري تجود به قريحته الفطرية وتكرر مجموعته ما قاله بلحن وأداء مميز .. بعدها يرد عليهم رزيع المجموعة الثانية مكملا الشطر الثاني لنفس البيت الشعري الذي قاله الرزيع الأول وبنفس الوزن والمضمون ثم تتبعه مجموعته بترديد ما قاله، ثم يبدأ الرزيع الأول بتأليف شطر جديد وتردده مجموعته ويرد عليهم الرزيع الثاني بالشطر الثاني يتبعه مجموعته مرددة ما قاله .. وهكذا .. أما النساء والفتيات فيجلسن منصتات لما يقال في الرزعة .. وهذا يسمى التحري أي معرفة المضامين والمقاصد التي يتحدث عنها الشاعرين المتنافسين .. لأن الشعراء قد يتناولون في أشعارهم مشاكل وأماني وطموحات والعلاقات العاطفية بين الحاضرين والحاضرات من الجنسين وأنهم قد يقترحون حلولا لها من خلال أشعارهم. أما (الدحية) فقد يبدأ بها السامر مباشرة أو قد تأتي بعد الرزعة .. وفيها يبدأ الرجال في الوقوف صفا واحدا وهم يقولون دحييه دحييه ويكررونها ، وهي كلمة تقال وتردد لضبط الحركة وحتى يكتمل الصف، وتخرج حاشية (راقصة) أو أكثر من بين النساء الجالسات ويتحرك الصف إلى الأمام والخلف، وقد يجلسون ساجدين والراقصة تتبعهم وتقلدهم في الجلوس وهي ترقص وتحمل بيدها سيفا يلمع على ضوء القمر تحركه وتشير به لتمنع أحدهم من الاقتراب منها، ثم يبدأ (البدع) حيث يقول (البداع) بيتا من الشعر وتليه المجموعة بقولها (حان قول الريداه) بمعنى أنه حان وقت الرد على هذا القول الجميل .. فينبري له بداع (شاعر) آخر بقوله بيتا من الشعر على نفس الوزن وفي ذات الموضوع، ثم تتبعه المجموعة قائلة (حان قول الريداه) فيرد (البداع) الأول .. وهكذا يستمر البدع وتستمر الحاشية الى أن يتوقف أحد الشاعرين أو ينتهى السامر .. ويتناول الشعراء في بدعهم أخبار المجتمع ويومياته، وقد يمدحون قبائلهم والمشاهير من بين رجالهم وقد يمتدحون الحاشية وقد يتناولون في بدعهم بعض قيم الصحراء النبيلة مثل الكرم والوفاء والشجاعة ونجدة الجار والطنيب. ومن العادات الفنية السيناوية نجد (المربوعة) التي تنتشر لدى بعض القبائل ومعدل الكلام والحركة فيها أسرع منه في الدحية والبدع، وفيها يقول المغني بيتا من الشعر الغنائي ثم تليه المجموعة بقولها (هولا هولا بك يا هلالا يا حليفي يالوالد) وهي تعني أهلا بك أيها الصديق العزيز، فيرد المغني الثاني ثم تليه المجموعة قائلة (هولا بك ياهلالا يا حليفى يالوالد) فيرد البداع الأول ثم المجموعة .. وهكذا. كما أن هناك الحداء (الحدي) الذي يتم غناءه للإبل حيث يغني الرجال أثناء رفعهم الماء من الآبار ووضعه في الحياض لتشرب إبلهم وأغنامهم، وكذلك فن المويلى (الموال) الذي قد يغنيه الرجل وهو سائر وحيدا ممتطيا جمله، وقد تغنيه المرأة أيضا وهي جالسة مع أغنامها. ومن مظاهر الاحتفال بالعيد وباقي المناسبات السعيدة في سيناء .. يتم تعليق رايات بيضاء.. ويرفع هذا النوع من الرايات في المناسبات الطيبة مثل الأعياد (عيد الفطر والأضحى).. وهو غير مرتبط بفترة زمنية محددة فقد يبقى مرفوعا الى أن يبلى فيتم استبداله بقماش جديد، ولكن هذه الرايات قد تختفي من مكانها عند حدوث وفاة كنوع من الحداد على المتوفي.