أكد كتاب جديد أن الأدباء العرب أسهموا أكثر من الباحثين الأكاديميين في تقديم صور هادفة تعكس مواقف التفاعل اليومية بين العرب وإسرائيل. ورأى محمد سعيد فرح مؤلف كتاب "تغير صورة اليهود في الأدب العربي" أن جهود علماء الاجتماع والنفس العرب في دراسة عالم اليهود وعلاقتهم بالعرب وظاهرة العدوان الاسرائيلي كانت شحيحة ونادرة. ويعرض الكتاب الذي صدر مؤخرا عن دار العين صورا للحياة الاجتماعية اليومية والتي انبثقت من تفاعل العرب مع اليهود ثم تفاعلهم مع الصهاينة كما صورتها الأعمال الأدبية. ويدرس الكتاب أعمالا لعدد كبير من الكتاب العرب أبرزهم: الياس خوري، الكاتب السوري إبراهيم الجبين ومن فلسطين صبحي فحماوي وسحرخليفة وسميح القاسم، ومن مصر فتحي غانم، أحسان عبد القدوس، صنع الله إبراهيم، إدوارد الخراط، الفريد فرج، أهداف سويف، ابراهيم عبدالمجيد، ورضوى عاشور وعمرو عافية. واعتمدت الدراسة المعدة في الكتاب من منظور علم اجتماع الأدب على مسح لعدد من النصوص الادبية قدمت صورة اليهودي في الأدب العربي الحديث والمعاصر من خلال دراسة تحليل المضمون، ويكشف الكتاب أن مواقف التفاعل بين العرب واليهود ثم بين العرب والإسرائيليين لم تكن عشوائية، بل توجهها وتحكمها معان وقيم وأغراض ورموز. ويشمل الكتاب 9 فصول تعالج، المجتمع والأدب، الصور الاجتماعية ودلالاتها، صورة اليهود في الثقافة الشعبية العربية، بعض سمات الشخصية اليهودية، صور متباينة للعنف والعدوان، صور ما بعد السلام الأعرج. ولاحظ الكتاب أن الأعمال الأدبية العربية عكست كل الصور المتغيرة بصدق وبلا زيف وكانت الصور الادبية في البداية قليلة العدد، ولها صوت خافت ولكن مع تزايد الوعي بالخطر الصهيوني والتوسعات الاسرائيلية في الوطن العربي بعد نكبة 1948 تزايدات أشكال وأعداد تلك الصور الأدبية. وتحلل الدراسة التي يتضمنها الكتاب الروايات والأعمال المسرحية والأمثال الشعبية والنكات التي عرضت صورة اليهودي وترصد كيف أن الأخر اليهودي كان جارًا صديقًا في حالة " أمينة " في رواية "أنا حرة "لاحسان عبد القدوس ثم " فتاة " يمكن أن تكون موضوعًا للنزوة كما في رواية " سارة " للعقاد ثم تحولت هذه الصورة الإنسانية إلى " الأخر " الصهيوني الذي يمارس العنف والعدوان ويقيم المستوطنات ويطرد الفلسطينيين من بيوتهم ومزارعهم كما في رواية " ربيع حار " لسحر خليفة. أو رواية " أحمد وداود " لفتحي غانم. ويرى المؤلف ان هذا التحول لا يمكن النظر اليه بمعزل عن تحولات الصراع العربي الإسرائيلي ، فالادب ظل يعكس صورًا متناقضة وتختلف في رؤاها، ويلفت الى أن شخصية اليهودي في الادب العربي كانت هامشية وثانوية باستثناءات قليلة قدمها أحسان عبد القدوس ومحمد سلماوي والفريد فرج وفتحي غانم. وتكشف الدراسة أن الهم السياسي طغى على الرواية الفلسطينية التي سعت إلى إبراز صور نضال الشعب الفلسطيني في وجه الاضطهاد العنصري والقهر الاجتماعي وفضح أساليب الاحتلال ومن ناحيتهم سعى كتاب مصريون إلى معالجة الموضوع عن بعد كما سعى كتاب أخرون من بينهم رضوى عاشور والفريد فرج الى معايشة الفدائيين الفلسطينيين ومقاربة موضوع المقاومة الفلسطينية عن قرب. ويشدد الكتاب الذي صدر في308 صفحة من القطع الكبير على أن الصورة النمطية لليهود لم تمح من ذاكرة المجتمع تماما لكن مع تحول واضح بشأن التفرقة بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كعقيدة قومية استعمارية وفي ظل هذه التحولات نضجت " الأنا " العربية فلم تعد " أنا " ثابتة جامدة.