للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية تكسر ألمانيا إحدى أكبر المحرمات, والأمور المثيرة للجدل في المجتمع الألماني, وذلك بالاستعداد لافتتاح معرض للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر -الجمعة- في برلين, على الرغم من قلق المنظمين من أن يتم استغلال هذا المعرض من جانب النازيين الجدد, للترويج لأفكارهم..أوأن يثير هذا الحدث الفريد انتقادات واسعة وغضبا عارما من اليهود الناجين من المحرقة, أو ما يعرف بالهولوكوست, التي نفذها هتلر ضد اليهود. وعلى الرغم من ذلك فإن الأوصياء على متحف التاريخ الألماني في برلين, لا يرغبون في إظهار الزعيم النازي بشكل دائم في صورة سلبية, ويريدون إقامة معرض يلتزم الحياد التاريخي ويعرض المقتنيات دون التحيز لهتلر أو ضده. وفي محاولة للحد من الجدل حول هذا المعرض, استبعد القائمون عليه أن يحمل اسما بسيطا, أو عنوانا غامضا مثل "هتلر" وإنما سيطلق على المعرض "هتلر والألمان .. المجتمع القومي والعنف". يقدم هذا المعرض مقتنيات ألمانيا النازية والعشرات من البطاقات البريدية, الخاصة بهتلر وتماثيل نصفية له من البرونز ولوحات وأباجورات وسجاد, عليها شعار النازية الصليب المعقوف. ويعرب البروفيسور أولريش تامير -أحد الأوصياء على متحف التاريخ الألماني- عن مخاوفه من إمكانية أن يساء فهم المعرض أو يبعث برسالة خاطئة.. مشيرا إلى أن الفكرة برزت للمرة الأولى للنقاش والبحث قبل ست سنوات. ويصر على أن المعرض ليس سياقا لتمجيد الزعيم النازي هتلر, قائلا "إننا يجب أن نتجنب أي فرصة للتعاطف معه.. مشيرا إلى أنه محاولة للتعريف بالحقبة النازية من تاريخ ألمانيا. على الرغم من انطلاق المعرض من هذا المفهوم التاريخي, فإن الزوار لن يستمعوا إلى أى من التسجيلات أو الخطب الخاصة بهتلر, ولكنهم سيشاهدون الكثير من صوره وبورتريهاته, وحتى تلك البورتريهات لن تعرض بالكامل, فذلك البورتريه للزعيم النازي, الذي يعود لعام 1939 والموجود حاليا ضمن مقتنيات الجيش الأمريكي, والذي يصور هتلر في صورة زعيم ملهم, لن يتم عرضه ضمن ذلك المعرض. ويرى البروفيسور تامير أن عرض مثل تلك المقتنيات التاريخية, سيكون بمثابة تجاوز الخط الأحمر. ويتزامن ذلك المعرض مع استطلاع للرأي -نشر أمس الأربعاء- كشف عن أن واحدا من بين كل 10 ألمان يرغب في رؤية زعيم وطني قوي مثل ال"فورار" يتولى مقاليد السلطة في ألمانيا. وقد عكس هذا الاستطلاع نوعا من النزعة النازية, أو قدرا من العداء للأجانب.. حيث أبدى 35 % ممن تم استطلاع آرائهم شعورا بأن "ألمانيا أصبحت مفعمة بالأجانب بشكل يوحي بالخطورة ". وعند دخول المتحف تستقبل زواره ثلاثة بورتريهات تصور هتلر كناشط في الحزب النازي, ورجل سياسة, وتوحي تلك البورتريهات منذ الوهلة الأولى بأنها على صورة جمجمة, في شكل مونتاج الصور. وتعرض أيضا صور العمال العاطلين وحشد من المؤيدين للنازية.. والجنود يمرون أمام أحد المنازل المحترقة, والتي ستعرض على شاشة كجزء من الجهد الدائم لعرض الزعيم النازي في سياق الأحداث. سيتمكن زوار المعرض من قراءة بعض السجلات التاريخية القوية, مثلما كتبه كاتب السيرة الذاتية البريطاني آيان كيرشو عن هتلر, والذي يثير مشاعر شبه دينية وصوفية عن هتلر, عندما تحدث مخاطبا الملايين في حشد ضم نحو 140 ألفا من مؤيديه بمدينة نورمبرج الألمانية في عام 1936 "إنها معجزة في زمننا أن أكون بينكم". هذا المعرض كما يرى المراقبون هو المحاولة الأولى من جانب ألمانيا للتصالح مع هتلر, وذلك على الرغم من استمرار حظر الحزب النازي في ألمانيا, ومنع عرض رمزه "الصليب المعقوف" إلا أن هناك العشرات من السير الذاتية والبرامج الوثائقية التليفزيونية عن الزعيم النازي هتلر, وكذلك عشرات الآلاف من المقالات التي تناولته من جوانب مختلفة في المجلات والصحف. كانت ألمانيا قد كسرت المحرم أو "التابو" الخاص بهتلر في عام 2004 عندما فاز فيلم "السقوط" بجائزة ألمانية وهو فيلم سينمائي يركز ويصور عن كثب, الأيام الأخيرة لحصار هتلر في أحد الخنادق في برلين, وتم الاعتراف بهذا الإنتاج ومكافآته لتصوير الجانب الإنساني الشخصي وتصوير هتلر كإنسان وليس كزعيم نازي متوحش. وقد أثار الموقف الحذر المتحفظ والمتخوف للأوصياء, انتقادات من مجلة "دير شبيجل" الألمانية الواسعة الانتشار في البلاد, والتي رأت أن منظمي المعرض -وبعد 65 عاما من نهاية الحرب العالمية- مازالوا يتعاملون بعقلية الخوف مع هتلر, وكأنهم يعرضون فيلما إباحيا للبورنو على حد قول المجلة. على الرغم من ذلك فإن المخاوف وهواجس الحذر, لا تخيم على المنظمين للمعرض فقط, إنما تمتد إلى حزب الخضر الألماني.. حيث يقول السياسي بنديكت لوكس بحزب الخضر في برلين,إن المعرض ربما يستخدم كنقطة حشد للنازيين الجدد, مطالبا بخضوع المتحف خلال فترة المعرض للرقابة الأمنية الصارمة إذا اقتضى الأمر. من جانبه، يرى ليفي سالومون الخبير في العداء ضد السامية في المجلس المركزي لليهود بألمانيا, أنه لا يشعر بالقلق من فكرة إقامة هذا المعرض, موضحا أنه يجب أن يتم التعامل مع الحقبة النازية من جوانب مختلفة.