رحل الأوروغوياني السيديس غيغيا الذي حرم البرازيل من كأس العالم 1950 على أرضها بتسجيله هدفا حاسما في ملعب ماراكانا في ريو دي جانيرو، عن 88 عامًا الخميس إثر أزمة قلبية بعد 65 عامًا بالتمام والكمال على تسجيله هدف الفوز، حسب ما ذكرت زوجته بياتريز لوكالة "فرانس برس". وقال غيغيا مازحا في ستينيات القرن الماضي: "ثلاثة أشخاص فرضوا الصمت في ملعب ماراكانا هم البابا وفرانك سيناترا وانا". وكان الرجل الصغير القامة الوحيد الباقي على قيد الحياة من أفراد المنتخب الذي حقق إنجازًا رياضيًا كبيرًا للأوروغواي، البلد الصغير الذي يبلغ عدد سكانه 4ر3 مليون نسمة، والمتوج منتخبه أيضًا بطلا للعالم عام 1930 عندما استضاف النسخة الأولى على أرضه. وكان منتخب البرازيل بحاجة إلى التعادل فقط ليتوج بطلًا على أرضه، بما أن الدور نصف النهائي كان يقام بنظام المجموعات في تلك الفترة، حتى أن الصحف المحلية كانت عنونت بالفعل "البرازيل بطلة العالم"، وكان المسئولون عن منتخب الاوروغواي يعتقدون أن الخسارة حاصلة قبل خوض المباراة الختامية. وأضاف غيغيا "أتذكر أنه في عشية المباراة، توجه ثلاثة أو أربعة مسئولين في منتخب الأوروغواي إلى اللاعبين الأكثر خبرة قائلين، لقد حققنا هدفنا ويجب الآن أن نخرج مرفوعي الرأس بعدم تلقي أكثر من أربعة أهداف... اخبرنا قائد المنتخب اوبدوليو فاريلا بهذا الموضوع ونحن في النفق المؤدي إلى أرض الملعب". وانفجر حماس الجمهور لدى افتتاح فرياسا التسجيل للبرازيل في الدقيقة 47، لكن وقع عليه تأثير هدف التعادل عبر سكيافينو في الدقيقة 66 ثم وقع الزلزال وكان الصمت المطلق بعد هدف التقدم لغيغيا في الدقيقة 79. ولم يكن غيغيا يفضل التحدث كثيرًا عن هذا الفوز "احتراما لرفاقي الذين لم يعودوا موجودين معنا"، وهو يتذكر بشكل جيد تلك المباراة التي اقيمت في 16 يوليو 1950 أمام 174 ألف متفرج (يقول البعض 200 ألف متفرج) جاؤوا لرؤية منتخب البرازيل يحرز أول ألقابه في كأس العالم. وتحدث غيغيا عن هدفه قائلا "كان شبيها بالهدف الأول، فالحارس فتح لي ثغرة معتقدًا إنني سأمرر الكرة لكنني وجدت الفرصة متاحة بجانب القائم ونجحت في التسجيل ... لقد جعلوا الحارس المسئول الوحيد عن الخسارة". ويتذكر الجناح الاوروغوياني الوضع الهستيري بعد المباراة التي عرفت باسم "ماراكانازو" بقوله "لقد كانت الفرحة كبيرة، لكن عندما ترى الناس على المدرجات يبكون فانك تصبح حزينًا". وصدمت البرازيل بأكملها عندما كان رئيس الاتحاد الدولي آنذاك الفرنسي جول ريميه يمنح اللقب لقائد الاوروغواي فاريلا. ويلخص غيغيا ما حدث بقوله "أيقنت وقع ما حدث بعد سنوات عندما بدأ بعض الأشخاص يصدرون كتبًا حول هذا الموضوع". واتهم حارس البرازيل باربوسا بأنه لم يكن متمركزًا بشكل جيد عندما نجح غيغيا في خداعه وقبل وفاته بأيام قليلة اشتكى بأنه البرازيلي الوحيد الذي حكم عليه بالمؤبد مع أن العقوبات القصوى للتشريعات البرازيلية هي 30 عامًا. وكان الظهير الأيسر للمنتخب البرازيلي بيغودي كبش فداء للصحافة البرازيلية بعد ان راوغه غيغيا مرتين قبل تسجيل الأوروغواي هدفيها وقال "فكرت بالانتحار، كان هذا الخيار الأنسب لي. ثم قلت في نفسي، حتى في مماتي، فان الناس ستبقى تكرهني إلى الأبد". وتحولت المباراة إلى فيلم يظهر فيها غيغيا يتقدم من مسافة 40 ياردة باتجاه المرمى، وتردد باربوسا في الخروج من مرماه قبل أن يقوم غيغيا بالتسديد داخل شباكه. ووصف أحد المؤرخين البرازيلي ويدعى روبرتو دي ماتا تلك الخسارة بأنها "ربما تكون اكبر مأساة في تاريخ البرازيل لأنها حصلت في الوقت التي كانت فيها البرازيل تسعى إلى إثبات أنها دولة تريد تحقيق أمور عظيمة". ففي الوقت التي كانت فيها أوروبا تخرج من الحرب العالمية الثانية وتواجه مشكلات للنهوض من ذيولها، رأت البرازيل في استضافة كأس العالم وبناء أضخم ملعب في العالم فرصة لها لكي تضرب بقوة على الساحة الرياضية، لكن الخسارة وجهت ضربة كبيرة لكبريائها. وكانت الصحف البرازيلية أبرزت يوم المباراة النهائية صورة لمنتخب البرازيل تحت عنوان عريض كتب عليه "هؤلاء هم أبطال العالم! لكن عندما أطلق الحكم الانكليزي جورج ريدر صافرته معلنا انتهاء المباراة، كانت الصدمة بادية تماما على معظم جمهور ماراكانا المذهول مما حصل. انتظرت البرازيل 8 أعوام وقدوم الظاهرة بيليه لكي تحرز كاس العالم في السويد عام 1958 قبل ان تفوز بها خمس مرات (رقم قياسي). واعتبر المدرب السابق للمنتخب البرازيلي لويز فيليبي سكولاري بأن اللاعبين الذين عانوا من خسارة عام 1950 هم الذين دفعوا من خلفهم ليحرزوا الألقاب الخمسة. النجاح في كأس العالم قاد غيغيا، المولود في 22 ديسمبر 1926 والذي استهل مسيرته مع بينارول واحرز معه لقب الدوري في 1949 و1951، إلى الاحتراف في ناديي روما الايطالي ثم لفترة وجيزة مع مواطنه ميلان، قبل ان ينهي مشواره مع دانوبيو المحلي، كما انه ارتدى قميص المنتخب الايطالي لفترة اذ كان يحق للاعبين اختيار منتخب ثان في تلك الحقبة. وبعد عودته الى بلاده، حيث انهى مسيرته في سن الثانية والأربعين، عمل غيغيا في كازينو ثم انشأ مدرسة لقيادة السيارات، قبل ان يستفيد من المنحة الخاصة لأبطال العالم. البرازيليون لم ينسوا أبدا ما فعله غيغيا بهم، واحدهم الذي صادف وجوده معه لدى زيارة متحف لكرة القدم في مونتيفديو قال ضاحكًا "لا تتركوني مع جلاد البرازيليين".