دفعت أحداث الفتنة الطائفية، التى شهدتها منطقة إمبابة السبت الماضى شارع الأقصر إلى صدارة الأحداث. واكتسب خلال الأيام الماضية شهرة أوسع وتصدر وسائل الإعلام المحلية والعالمية فضلا عن بعض مواقع الإنترنت وأصبح متداولا على لسان كل المصريين. ولما لا ؟.. وقد سالت على ترابه دماء بعدما تأججت نار الفرقة بين جناحى الأمة وطغى على مصر غلو فى الفكر، بعدما عرف عنها من وسطية اكتسبتها خلال تاريخها. "بوابة الأهرام" قامت بزيارة لشارع الأقصر للوقوف على طبيعة المكان ورصد ما طرأ عليه بعد وقوع الأحداث والوقوف على ما شهده الشارع من تغيرات بعد أحداث كنيسة مارمينا. من يحل على شارع الأقصر زائرا للمرة الأولى لايكاد يرى تباينا بينه وكثير من شوارع القاهرة خاصة فى المناطق الشعبية والعشوائية التى تتشابه فى طبيعتها وخصائصها. يمتد "الأقصر" من شارع بشتيل العمومى إلى شارع البوهى الرئيسى، الذى بدأت منه جولتنا برفقة دليل من أبناء المنطقة ويصل طوله حوالى 3 كيلو مترات وعرضه مابين 20 إلى 25 مترا مقسما إلى حارتين وملىء بالتعرجات وتنتشر الحفر فى الطريق الأسفلتى. كما تظهر به آثار حفر لمرافق لم تتم إعادة رصفها بعدها على جانبى الطريق كالعادة. العمائر السكنية أهلية وتختلف فى تصميماتها وأشكالها ولا تجد بينها أى تناسق فيختفى الطابع الجمالى فيها وتتساوى غالبيتها فى الارتفاع ولا تزيد على 5 أدوار مع بروز لقليل من الأبراج السكنية المكونة من 12 طابقا شقت طريقها إلى السماء فى ظل غيبة القانون وتفشى الفساد. ويعتبر شارعا تجاريا حيويا وهو من أكثر الشوارع ازدحاما فى المنطقة اكتسب هذه الحيوية بصفته امتدادا طبيعا لشارع الجامع أكبر سوق متخصصة فى تجارة الملابس الجاهزة والأحذية فى إمبابة. كما تتنوع فيه الأنشطة التجارية. فلا تكاد ترى أى نشاط تجارى غائب عن الشارع مع انتشار لأنشطة محلات الاتصالات والمطاعم المتنوعة ومحال الملابس الجاهزة وبيع الموبيليا. أما من الناحية السكانية فمثله مثل عديد من شوارع إمبابة الملقبة وكثير من الأحياء المكتظة بالصين الشعبية - كما يحب أبناء إمبابة أن يسموها - يعانى من كثافة سكانية عالية مع أكثرية قبطية ملحوظة يصل بها البعض من الأهالي هناك إلى 70%. قطعنا فى الشارع مسافة كبيرة سيرا على الأقدام ونصحنى خلالها دليلى ألا أبوح لأحد بأنى صحفى وألا أخرج الكاميرا حتى لا أثير شكوك من فى الشارع بعدما أصبحت لديهم حساسية شديدة فى التحدث إلى سائل الإعلام. قطعنا مسافة كبيرة فى الشارع تمتد حوالى 2 كيلو متر، لاحظت خلالها أن الحياة تبدو شبه طبيعية فى هذا الجزء فالمقاهى مكتظة بالرواد والمحال التجارية تمارس نشاطها مع وجود عدد كبير من المحال مغلقة فى وقت مبكر من الليل "9 مساء" وقبل أن أسأل عن هذه المحال، بادرنى دليلى بالقول إن المحال المغلقة غالبيتها لأقباط لا يزال القلق يساورهم. وعند وصولنا إلى تقاطع شارع الأقصر مع شارع الغزالى لم نستطع أن نكمل السير، حيث تضرب القوات المسلحة طوقا أمنيا باالمدرعات مع انتشار لعدد كبير من قوات الشرطة والقوات المسلحة معا لتطبيق حظر التجوال على ما تبقى من الشارع، بداية من تقاطع شارع الغزالى وحتى نهاية شارع الأقصر مع شارع بشتيل العمومى لمسافة تمتد حوالى كيلو متر. كما تم فرض حظر تام على شارع المشروع المتفرع من شارع الأقصر حيث تقع كنيسة مار مينا مسرح الأحداث. طوال 5 ساعات لم تفلح المحاولات العديدة التى قام بها من يرافقنى للدخول إلى شارع المشروع هدفى الرئسيى من هذه الجولة لا من الطرق الرئيسة أو الجانبية بسبب انتشار القوات على مداخل كل الطرق الجانبية. حاولنا الدخول لشارع المشروع من ناحية منطقة سور الشركة الشهيرة وفشلنا ثم توجهنا إلى شارع بشتيل العمومى علنا نجد طريقة للدخول من هناك وعند تقاطع شارع بشتيل مع شارع الأقصر سرنا فى حارة جانبية عند مستشفى سانت تريزا، لكن المحاولة فشلت نظرا لتواجد عناصر القوات المسلحة بكثافة. ولاحظت أن عدد القوات التى تقف على مدخل كل شارع لا يقل عن 6 أفراد تزيد مع اتساع حجم الشارع وكلما اقتربنا من موقع كنيسة مار مينا. طلبت من دليلى أن يتركنى أتعامل بمفردى واقتربت من أحد الأكمنة عند مدخل شارع المشروع وتوجهت إلى ضابط برتبة نقيب وطلبت السماح بالمرور لأننا لسنا من أبناء المنطقة ونريد الذهاب إلى شارع الغزالى، فقال لى بأدب جم إن السير فى الطريق ممنوع. قلت له نحن غريبان عن المكان ولا نعلم شيئا، وسألته لماذا لا نسير على أقدامنا وإذا أراد أن يفتشنا فليفعل، فرد بأن هناك حظرا للتجوال هم يقومون بتطبيقه ومن المستحيل أن يسمح لنا بالمرور فى الشارع. سألت الضابط ماذا لو أننى من سكان الشارع وأريد العودة الى منزلى أجابنى أن أحد افراد الأمن سوف يصطحبنى بنفسه حتى محل سكنى، وإذا أراد أحد السكان أن يخرج لقضاء حاجة فبالطريقة نفسها، فيخرج معى أحد العناصر من منزلى حتى أخرج من المنطقة المحظورة وعند العودة يصطحبنى مرة أخرى، ثم تابع: نحن هنا لتأمين الشارع وليس لسجن الناس أو معاقبتهم إنما وقائع الأحداث هى التى فرضت ذلك على الجميع ثم طلب من أحد السكان أن يدلنا على أقرب طريق يوصلنا إلى ما نريد أشار علينا الرجل ركوب توك توك لأن المسافة طويلة وكان الإجهاد قد بلغ منا مبلغه ولم نجد صعوبة فى العثور على توك توك فى إمبابة مهد التوك توك. سرنا فى طريق مجاور لشارع الأقصر وطلبت من سائق التوك توك أن يعيدنا إلى شارع الغزالى مرة أخرى حتى أجلس على أحد المقاهى المنتشرة هناك لأنخرط بين الناس واستمع إلى أحاديثهم ونقاشاتهم. خلال سيرنا لاحظت قهوة مكتظة بالرواد بجوار منزل يجلس أمامه عدد كبير من الرجال فقلت لسائق التوك توك أريد أن أجلس على هذه القهوة، فأجابنى أن هذا عزاء لضحية فى أحداث السبت لأسرة قبطية وبعض منهم يجلسون على المقهى المجاورة للبيت ونظرا لفداحة الحدث وحرمته آثرت أن أجلس على قهوة أخرى لا تبعد عنها أكثر من 100 متر وعندما جلسنا عليها أنا ورفيقى طلبت منه ألا نتحدث ونريد فقط أن نستمع لما يدور من أحاديث جانبية تدرور بين الرواد. الحدث يفرض نفسه على الجميع الكل يتحدث عن واقعة السبت وكل فرد يتحدث من زاوية مختلفة لكن أكثر ما طغى على الحديث هو استغراب الناس لكل هذا الكم الغريب من الغرباء على المنطقة يوم السبت ووصفهم أحد الجالسين بأنهم ليسوا من أبناء الشارع أو أبناء المنطقة ولم أستطع أن ألتزم الصمت وسألته كيف عرفت أنهم غرباء أجابنى بالقول: "يا أستاذ نحن جميعا أبناء منطقة واحدة نعيش مع بعض منذ سنوات وشارع الأقصر وكل الشوارع المحيطة عائلات تعرف بعض كويس وبيننا نسب ومعاملات تجارية نقدر نفرق بين الغريب وبين ابن المكان " ثم قال لى : أنت مثلا مش ابن المنطقة واللى معاك كمان وهنا بادر رفيقى بالقول: "أنا من شارع البوهى وعرف نفسه لهم ونحن هنا بانتظار أحد الأصدقاء" ثم استكمل حديثه واصفا ماحدث بالمؤامرة ومخطط لها وتابع "طول عمرنا عايشين فى حالنا وعمرنا ماشفنا مشاكل فى منطقتنا بالشكل ده". وهنا دخل فى الحوار شخص آخر مؤيدا وجهة نظره عن الغرباء واستشهد بالقول: " فاكرين يوم السبت بعد صلاة المغرب عندما فتح جميع أئمة المساجد المحيطة الميكروفونات ودعوا الناس بالانصراف وإعمال العقل وعدم السماح للفتنة أن تحرق المنطقة "ثم أقسم بأن كل أبناء المنطقة غادرو بعدها ومن بقى كلهم من خارج المنطقة. أخذ الحديث يتعالى من مجموعة أخرى مجاورة كانت تتحدث عن عادل لبيب صاحب القهوة الذى بدأ بإطلاق النار على المحتجين، فالتفت إليهم وأجمع عدد كبير منهم على أن لبيب هو من بادر بإطلاق النيران لكن شخصا آخر قال إن إطلاق النار بدأ من منزل "زكة" وهو تاجر مواد بناء مشهور فى المنطقة فقلت له لكن الكل يقول إن عادل لبيب هو الاسم الذى تتداوله كل وسائل الإعلام على أنه من بادر بإطلاق الرصاص، أجابنى بنعم هو من أطلق النيران ولكن زكة أيضا أطلق النار هو الآخر وتابع: علشان كده المشايخ حرقوا بيته بالكامل وأظهر لنا مقطع فيديو على موبايله يظهر قيام عدد من الناس بإلقاء محتويات منزل فى الشارع ثم قاموا بحرقها بالكامل وبالرغم من إجماعهم جميعا على صدق الفيديو، فلا نستطيع الجزم بصحته. قاطع شخص آخر الحديث وأقسم بأن من أطلق النيران هو عادل لبيب وأحد الأفراد الذين يعملون معه. واستمر الحديث بعد ذلك عن عادل لبيب ففضلت الصمت لنستمع إلى ما يقال عن الرجل وبعدما يقرب من ساعة لم أستطع الجزم بصحة ما قالوه، نظرا لاختلاف الروايات التى ما إن تسمعها حتى تتأكد أن بعضها يدخل فى طور الإشاعات. فمنهم من قال إنه تاجر سلاح سبق وباع منذ عامين أرضا قال أحدهم ب 5 ملايين جنيه وقال آخر ب 10 ملايين وأصبح تاجر سلاح وأنه يستعمل قهوته الشهيرة فى شارع المشروع غطاء لتجارته. ومنهم من قال إن الرجل لا يعمل فى تجارة السلاح ولكن فى تجارة العقارات وقاطعه هنا أحد الحضور متسائلا: "طيب ليه كان محبوسا ؟ هو فى حد بيتاجر فى العقارات بيتحبس "وتابع مؤكدا أن عادل لبيب كان يعمل مرشدا للشرطة وأن المنطقة كلها تعرف ذلك. وأضاف آخر أنه سمع أن عبير بطلة الأحداث بنت أخت عادل لبيب ولذلك كان منفعلا وغاضبا وبدأ بإطلاق النيران وسألت الحضور جميعا عن هذا الرجل هل هو مثير للمشاكل كما سمعنا وأن هذه ليست المرة الأولى التى يتهم فيها، أكد البعض أنه شخص دائم المشاكل ولكن منهم من نفى ذلك. ثم تابع الحضور حديثهم عن شارعهم والحسرة ظاهرة فى نبرة صوتهم على ما آل إليه الوضع بعد سنوات طويلة من السلام والسكينة، لكن أكثر ما بدا واضحا فى كلامهم ذلك الخوف من تكرار أحداث مشابهة مرة أخرى وألا ينتهى الأمر عند هذا الحد.