"موسيقى.. حرية.. عدالة اجتماعية"، تحت هذا العنوان بدأ أمس افتتاح الموسم الصيفي لمسرح الجنينة بحديقة الأزهر، والذي يستمر من 24 أبريل وحتي 9 مايو المقبل والمقرر له إرساء احتفالية مثالية لكل الثورات التي تتمخض في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه. وقد شملت الاحتفالية أصواتا مبدعة من المغرب والجزائر وتونس ولبنان. ولعل أكثر ما لفت الانتباه في هذه الاحتفالية هو جمهورها الذي تتراوح أعمار الحاضرين فيه ما بين الثامنة عشر والأربعين أو حتى الخمسين. وليس السبب في تفاوت هذه السنوات هو مصدر الاحتفالية بل هو وعي من نوع خاص. إنه وعي من يبحثون عن الكلمة الرصينة والأداء الجيد وهو ما يثبت أن بين هذا الجيل الناشئ من ينصرفون عن الأغنيات التي تملأ زخم مفردات الحياة اليومية بتأوهاتها وإباحيتها. إنها شريحة من جيل ينصت إلى أغان ثورية تشعل حماسه ووطنيته. وكان نجاح فرقة تاكسي في بداية الاحتفال بشرة خير ولا يعيب هذه الفرقة في مجملها إلا مظهر أفرادها البوهيمي الذي لا يتفق مع رصانة الكلمات وجلال الموضوع الذي يتغنون به. أما مريم علي فكان إبداعها الصوتي الدافئ محل إشادة من جميع شرائح الجمهور إذ استطاعت من خلال المزج بين الأداء العربي والإنجليزي بتناغم وكأن فن نظم الكلمات لا يعرف حدود اللغة وهو ما استطاعت مريم بحرفية فطرية أن تؤكده بصوتها. اسكندريلا .. مسك الختام.. هاتلي يا بكرة صفحة جديدة..حطلي مصر في جملة مفيدة.. كانت هذه أولى ما غنت فرقة اسكندريلا؛ فمن أشعار أحمد حداد وتلحين حازم جاهين، غرق جمهور المسرح في صمت مطبق ليستمع إلى هذه الكلمات وهذه الفرقة الموغلة في شرقيتها التي تتمثل في عزف العود وأصوات رخيمة حرمنا الزمن الغابر من الإنصات لجمالها وعبقرية أدائها.. مصر بتصحى وتسقي الورد..وتصبح على شعب عنيد ..تدي الشمس في عز البرد..ويغنيلها تقوله عيد... هكذا كانت بداية الفرقة قوية وكانت مسك الختام وتتويجا لاحتفالية غنائية ثقافية تثبت أن تلك الشريحة من الشباب التي تعرف كيف تبحث عن الكنوز المخبأة أو المهمشة قادرة على تحمل ثقل تراث شعري مثل أشعار صلاح جاهين وفؤاد حداد وأحمد حداد وأمين حداد وأغنيات سيد درويش والشيخ إمام واستلهام حب مصر من حبهم جميعا لهذه البلد. ولعل الحضور البارز للأديبة الشابة غادة شريف كان أحد ملامح نجاح هذا الحفل، فهي واحدة من الجنود المجهولين وراء إبداعات فرقة اسكندريلا. أما حازم شاهين نجم فرقة اسكندريلا والذي لا يستقيم أداء الفرقة دون نغمات عوده وصوته الرخيم، فيصعب تخيل الفرقة بدون أدائه المفعم بإيمانه بكل ما ينطق به من كلمات وأشعار ولعل قيادته الصوتية والأدائية لهذه الفرقة هو ما يلهب أدائهم سواء في قيامهم بدور المرددين أو حتى في انفراد أحدهم بالغناء لمقطع أو اثنين وسواء كان هذا المقطع يؤديه صوت رجولي أو أنثوي...فرقة اسكندريلا تحرص على تكامل عناصر الإبداع في كل ما تؤديه، فالموسيقى شرقية بكل تفصيلاتها والآلات لا تتعدى سوى العود والإيقاع والبيانو والجيتار ، ملابسهم بين اللون الأبيض للرجال واللون الأسود للسيدات يبدو المشهد وكأنها أصابع بيانو في جلستهم على المسرح وهو، في أغلب الظن، تقليد مقصود، حيث لا يسمح وضع الجلوس باهتزاز المطربين يمنة ويسارا أو التمايل اندماجا مع الألحان، كما أنهم يقصدون توصيل رسالة معينة وهي المساواة بين كل أعضاء الفريق. فإذا تصورنا مثلا أن عازفي العود جالسين فستقف السيدات سواء أمامهم أو ورائهم، وفي كل موضع تمييز ما قد لا يرتضيه أعضاء الفريق فيما بينهم. نجاح جديد وانتصار مؤزر لأصوات لا تعرف الرقص إلا بين عذوبة وعفة الكلمات في حب هذا الوطن.