أنشدت الفرقة كلمات الشاعر زين العابدين فؤاد وألحان الشيخ إمام ما كان ممنوعا إذاعته من النظام الفاسد المخلوع، لأنه يكشف حقيقته. وما ردده أيضا الشيخ إمام بغنائه وتم قهره وإبعاده وعادت أغانيه بفضل ثورة 25 يناير. مازلنا نعيش في أجواء ثورة 25 يناير ونستنشق عبق الحرية التي حرمنا منها أكثر من ستين عاما وها هي مصر بين أحضان شبابها الذين أيقظوها من رقدتها والذين توجوا ثورتهم بأشعارهم وألحانهم وغنائهم ومن وسط هذه الفعاليات الفنية الوطنية كانت فرقة «إسكندريلا» هذه الفرقة التي رفضت منذ بداية مشوارها ألا تتلمذ أو تقدم غناء أو عزفا إلا علي أيدي عمالقة الفن الذين قدموا الكلمة المغناة كرسالة وهدف يعبر عن الواقع ويشحذ الهمم، وحازم شاهين مدرب هذه الفرقة وملحن كلمات أغانيها خريج الموسيقي العربية عام 1999 وقد تتلمذ منذ طفولته علي سماع أعمال سيد درويش وتأثر بالعزف علي العود بالأستاذ عبدالمنعم عرفة ولحق بالشيخ إمام قبل وفاته في التسعينات وتعرف منه علي المقامات كما درس علي يد عازف الكمان الملحن عبده داغر ومحمد عفيفي بالإسكندرية. ويقول حازم: كنا قد بدأنا عام 2005 نلتقي في بيوتنا وكان معي أشرف نجاتي وشادي مؤنس ونوار عباس ثم كانت هناك فترات ركود وازدهار وانطلقنا وصار عدد الفرقة ثلاثة عشر عضوا ما بين مؤد وعازف وهم سامية جاهين ابنة شاعر العامية صلاح جاهين فهي تغني وتلقي أشعارا ما بين الأغنيات وآية حميدة ومي وسلمي حفيدتا الشاعر فؤاد حداد واستمر معنا من الأعضاء القدامي أشرف نجاتي، وهو من الدارسين علي يد الشيخ إمام ثم العازفين. وقد أطلق اسم «إسكندريلا» علي هذه الفرقة الشاعر خميس عز العرب باعتبار أن هذا الاسم له دلالته في المزج ما بين جمال الإسكندرية وروعة سندريلا وقبل ثورة 25 يناير كانت للفرقة جولات قدمت أعمالها في نقابة الصحفيين والمركز الثقافي الفرنسي ومسرح جنينة الأزهر وأماكن ثقافية متعددة ثم جاءتهم الدعوة لتقديم أعمالهم في البحرين ولبنان. تدربت الفرقة علي سماع وعزف وغناء لعمالقة اللحن والغناء الذين ارتبطوا بالثورات علي مدي التاريخ، سيد درويش وزياد رحباني ولحقواالتدريب علي يد الشيخ سيد إمام عيسي هذه هي الشخصيات الموسيقية الثلاث التي شرفت الفرقة بحفظ ألحانهم وأغانيهم ثم غنت للشعراء فؤاد ونجيب شهاب الدين وفؤاد قاعود وأحمد فؤاد نجم وأمين حداد وأحمد حداد وما تقدمه الفرقة هو رسالة الهدف منها أن تصل إلي أذن المستمع من خلال التعبير عن الواقع وتقوم هذه الرسالة علي احترام الناس والعقول فالفن يجب أن يغير الناس ويشعرهم بواقعهم وهذه هي أصالة الموسيقي والغناء التي رسخت في عقول وقلوب الناس منذ بدايات القرن العشرين. وعندما اكتملت الفرقة بأعضائها كانت تبحث عن هوية تثبت وجودها وكانت الهوية هي أرض التحرير، ففي الميدان بدءًا من 25 يناير ولمدة ثمانية عشر يوما قامت الفرقة ونامت وغنت وثارت وبمجرد سماع بيان الرئيس المخلوع أحست الفرقة أن هويتها المفقودة قد عادت إليها فبدأت تعيد صفوفها وتنطلق ومن بين انطلاقاتها حفل المسرح المكشوف بدار الأوبرا انطلقت الفرقة تغني بكل جديد وجمعت فيما اختارته من كلماته وصاغته من ألحان نبضات الثورة وحلم مصر. وعلي خشبة المسرح اصطفت الفرقة جالسة بزي يحمل اللونين الراسخين الأبيض والأسود وكبداية استنهضتنا الفرقة لنقوم من رقدتنا وننهض ونتكلم بعد سكوت يقترب من المائة عام لنثور وكأننا نلبي نداء سيد درويش لثورة 1919 وشدت الفرقة: قوم يا مصري/ مصر ديما بتناديك/ خد بنصري/ نصري دين واجب عليك هذه الأغنية ذكرتنا بمجد مصر الذي ضاع والثورة ضد الظلم هكذا كان الشعب المصري طوال عمره. ويكمل سيد درويش غناءه وأداءه الثوري ليبين لنا لماذا يستحث الهمم ولماذا يطالبنا بالقيام ويكمل: يوم ما سعدي هدر قدام عنيك/ عيد لي مجدي اللي ضيعته بايديك/ شوف جدودك في قبورك ليل نهار/ من جمودك كل عظمة بتستجار/ فين آثارك ياللي ونست الآثار/ دول فاتولك مجد وانت فوت عار/قوم يا مصري. هذه الأغنية أثارت الهمة وتوجت ثورة الشعب المصري من 1919وحتي 25 يناير 2011 وكأن الثورة ولدت مع سيد درويش أو كان هو بيننا سيد درويش رجل المقاومة الشعبية المصرية الذي لعب دورا عظيما علي أوتار عوده وبأداء ثوري لكل ما كانت تعج به الحياة السياسية في مصر.. ومنعت ألحانه وأغانيه إلا أنه لم يمتنع وبدأ يتخفي بالكلمات والألحان وغني لسعد زغلول في منفاه «يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح». فنان توهج وعمره ستة عشر عاما ولم يعش طويلا فقد ولد عام 1892 وغني منذ صباه للفلاحين والعمال الفقراء المطحونين ورحل عن دنيانا عام 1923 وعمره واحد وثلاثون عاما، فما بالنا لو أن الله سبحانه كان قد مد في عمره كم كان سيعطي لمصر ألم يغن الشعب المصري بلادي بلادي/ لك حبي وفؤادي منذ حياته وحتي اليوم بل وصارت هذه الأغنية هي السلام الوطني لمصر توج بها السادات انتصارات أكتوبر. هكذا اختارت فرقة «إسكندريلا» عباقرة الغناء والألحان لتتتلمذ علي إبداعاتهم. وبعد أن أثبتت ثورة 25 يناير قدرة شباب مصر علي التغيير أنشدت الفرقة للشاعر زين العابدين فؤاد: نقدر/ نقطف أبعد نجمة/ ننطق أصعب كلمة/ نمسك بكره في ايدينا/ نقدر/ لو تعرف عينا المفتوحة/ ازاي نحلم وتتواصل إبداعات الفرقة علي خشبة ا لمسرح لتحقق رسالتها وتنقل واقعا مريرا عاشه الثوار الأحرار طوال ستين عاما خلف القضبان وأبدعت الفرقة بلحن الشيخ إمام وأشعار زين العابدين ما كان ممنوعا غناءه، لأن غناءه كان يصفع الحكام علي وجوههم بأوجاع الشرفاء الثائرين المعتقلين في سجن القلعة وغيره في الزمن البائد والذي كان آخر يوم فيه 24 يناير 2001. غنت الفرقة عن سجن القلعة: يتجمعوا العشاق في سجن القلعة/ يتجمعوا العشاق في باب الخلق/ والشمس غنوة م الزنازين طالعة/ ومصر غنوة مفرعة م الخلق/ يتجمعوا العشاق في الزنزانة/ مهما يطول السجن/ مهما يطول القهر/ مهما يزيد الفجر م السجانة/ مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر/ يتجمعوا والعشق نار في الدم/ نار تحرق الجوع والدموع والهم/ نار تشتعل لما القدم ينضم/ لما الأيادي تفور تلم اللحم/ واللحم متنتور في رملة سينا/ والكدب بيحجز علي ايادينا/ قدم العدو غارسه في لحم ترابي/ والكدب عشش مخبرين علي بابي/ والمخبرين جايين كلاب سعرانة/ يتجمعوا العشاق في الزنزانة. وتتواصل سهرة الفرقة علي خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا لتشدوا لنا من أشعار فؤاد حداد اكبر ياليل تدعو هذه الأغنية للتماسك والروح الاجتماعية التي يجب أن تسود بين المصريين بعد ثورة 25 يناير: ايدك تكون اخشن وقلبك أرق/ ونعيش لبعض مقدرين الواجب/ مش حلوة بين لخوات يا كلمة لأ. وغنت الفرقة لنفس الشاعر: يا خضر يا طير الجنة/ احضر يا رح الشهيد/ ما جيت ليناش من بعيد/ في كل بيت النشيد/ صادق من القلب غني. وغنت لفؤاد حداد أيضا: خليك فاكر مصر جميلة/ كان علي راسها ولفة راسي/ شمس العصر مع البلاصي/اخلاصها طرود اخلاص/ كل الزرع حافظ لي منابي/ كل الأرض بساط الخبابي/ عقد الحلو خرز عنابي/ شفت الحلو عطف ولغاني/ من بحر المواويل والأغاني. هكذا مصر في عطائها وهكذا نحن في انتمائنا إليها. وتعود الفرقة للشيخ إمام رحمه الله وكلمات نجيب شهاب الدين التي تعيدنا لخصوبة إبداعات بيرم التونسي ومع أنه كان تونسيا إلا أنه ذاب عشقا وحبا مع خصوبة مصر وامتزج معها وكان ثائرا في مقدمة ثوارها.. هذه الأغنية تذكرنا به: يا مصر قومي وشدي الحيل/ كل اللي تتمنيه عندي لا القهر يطويني ولا الليل/ أمان أمان بيرم افندي رافعين جباه حرة شريفة/ باسطين ايادي تأدي الفرض ناقصين مؤذن وخليفه/ ونور ما بين السما والأرض يا مصر عودي زي زمان/ ندهه من الأزهر وأمان وتتفاعل فعاليات فرقة إسكندريلا.. لتلقي سامية جاهين ابنة الراحل صاحب المدرسة الواقعية الفلسفية المصرية لشعر العامية صلاح جاهين وتلقي ابنته أشعارا كتبها أمين حداد بصوت مفعم بالثورة والأمان والحب لكل الناس. الثورة عيد وادي الورق ألف وبه/ نبدأ بلأ للي سلق واللي سرق/ واللي صرف تلت لأ أت/ والرابع لأ للي ملا قلبي بآهات/ والخامسة لأ للتعديلات والترقيعات/ والسادسة لأ للي بكي ثم اشتكي ثم هرب/ واحنا في وسط المعركة/ والسابعة لأ للي يحط الحلم في مجال الخطر/ الثورة هي المبتدأ/ ولسة ماوصلش الخبر/ واحنا هنا ع المفترق/ وأي واحد مننا/ عايز يسيب ا للي انبني/ بنقوله لأ علي الملأ.. أما كلمات أحمد حداد التي تصف لنا مصر الثورة وغنتها الفرقة فكانت.. هات لي بكرة صفحة جديدة/ حط لي مصر في جملة مفيدة/ مصر بتصحا وتسقي الورد/ وتصبح علي شعب عنيد/ تديه شمس في عز البرد/ وتبوسه وتقوله تسلم/ يا مرجع لي شبابي احلم/ ببيوت ساكنة في دنيا سعيدة/ مصر حبيبة كل الشعرا/ ابنها شهم ودمه خفيف/ توجها محبوبة الفقرا/ شجرة بتطرح شعب شريف/ هي كل قصايد الحب/ هي ضحكة فيها صبح/ صبحها مغني وليلها قصيدة/ مصر شوارعها بتنادي/ وتصحي الكورة الأرضية/ الله أكبر تحيا الثورة/ محلي طعم النصر يا سمرة وغنت «إسكندريلا» للشهيد من كلمات أحمد حداد: مانتاش اخويا يا شهيد انت انا انا اللي مت بصلي في بداية السنة وفي الجراح المؤلمة مانتاش لوحدك دي مظلمة وحزينة حياتنا كلنا مانتاش اخويا يا شهيد انت أنا ولم تنس فرقة اسكندريلا محافظة الإسكندرية فغنت كلمات ماجد يوسف بداية من لزمة الأغنية الشهيرة اقروا الفاتحة لأبوالعباس لكن بشكل وعهد جديد لمصر بعد الثورة. اقروا الفاتحة/ لابوالعباس/ يا إسكندرية يا اجدع ناس/ اقروا الفتحة لعهد جديد/ دي مصر قايمة الفجر وعيد/ مافيهوش خلاص اسياد وعبيد/ لكن عدالة لكل الناس/ حركتوا بالوطنية جموع/ بإراد لها شكل وموضوع/ من النهاردة مفيش ممنوع/ ولا حق للشعب حينداس.. القبطي والمسلم أخين/ ملو الأمل والروح والعين/ دفعوا التمن همالتنين/ فتح شهيدنا بدمه طريق/ وبتحيا مصر تبل الريق. هكذا تفاعلت الثورة وتوجها شبابها بألحانهم وكلماتهم.. ومازلنا نتواصل مع ثورة 25 يناير.