مع مرارة نكسة يونيو، انطلقت كلمات حزينة في لحن حزين بصوت عبد الحليم حافظ وكلمات عبد الرحمن الأبنودي، ولم يكن سوى الأبنودي بالذي يحول الأحزان إلى أغنيات، فوراءه تراث ضخم من العديد "رثاء الموتى" ليتحول فيه الموت إلى أغنيات وهذه صنعة النسوة المجللات بسواد الحداد. وهؤلاء اللاتى استقى منهن الأبنودي شعره كن مجهولات الأسماء ولكن شعرهن ولحنهن شكل الخلفية الحزينة لقدرة عبد الرحمن الأبنودي على تحويل حال الحزن إلى حال الطرب، فيتبدل اليأس أملا والضعف قوة والهزيمة نصرا. ففي عز المرار واليأس والإحباط، انطلقت كلمات الأبنودي بصوت عبد الحليم وألحان بليغ حمدي وجاءت "عدى النهار" ترطب القلوب بين البيانات العسكرية وأخبار الهزائم في أسود أيام مرت على مصر. مثل الأبنودي بخلفيته الجنوبية المتحالفة والمتآلفة مع الأحزان، لا يهزه الحزن ولا تكسره الهزيمة، فانطلقت الكلمات مع دموع الملايين المحتبسة، وأبناء البيئات الشعبية يعرفون أن البكاء يفرغ طاقات اليأس وافحباط، كان سرا أم علنا، فتقول لك المرأة المتلحفة بالسواد أو ذلك الرجل ذو التعاريج الحادة على وجهه: يا ولدي ابكي علشان تفوق". وأصر الأبنودي أن يبكي مصر لتفوق وهي تغسل شعرها على الترعة تنتظر نهارا ليس أمامه سوى أن يعدي ولو لم يدفع مهرها. وليس معنى أن ردد المصريون أغنية "عدى النهار" وهم يبكون أو يحبسون الدمع، أنهم انشغلوا بالغناء عن واقع مؤلم لا مثيل لمرارته، ولكنهم هزمو الأحزان، بأن حولوها إلى أغنيات وهي صنعة يجيدها المصريون منذ آلاف السنين، فقد نهض الجيش المصري وأعاد بناء نفسه بعد كارثة يونيو وفي شهور عديدة انطلقت المدافع المصرية والأبنودي يصرخ على الجبهة حالفا بسماها وبترابها وهو يشعل حماس جنود الجيش المتأهب للعبور: ابنك يقولك يا بطل هات لي لي نهار" فكما عدى نهار أسود كالح طفح فيه المرار، جاء البطل بنهار مصحوبا بالانتصار. فلأن النهار الأول عدى، جاء النهار الثاني، فما كان الأبنودي أن يجعل نهار الهزيمة يعدي إلا ليأتى وراءه نهار الانتصار. فذاك البنودي قد هزم الحزن واليأس والإحباط وغنى بآلام الهزيمة، حتى عادت كلماته بالنصر وذلك هو الدور الحقيقي للفن والشعر، كيف يخرج النور من قلب الظلام والنهار من قلب الليل. لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :