يبدو أنه لا مجال أمام مصر لتجاوز هذه الأزمة المتصاعدة الخاصة بسد النهضة الإثيوبي دون التوصل إلى تفاهمات مشتركة بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم – لا سيما أن كلا الدولتين مصر وإثيوبيا تعتبران موضوع السد مسألة "حياة أو موت". وظهر حفل مراسم توقيع الاتفاقية في الخرطوم بمثابة إعلان "نوايا حسنة" لاسيما أن هناك العديد من التفاصيل الخاصة بملف السد لم يتم الإفصاح عنها حتي الآن واكتفي المسئولون بتطمين الرأي العام في بلدان دول حوض النيل ثم تأجيل الحديث عن التفاصيل إلي الغرف المغلقة. وأقيمت في الخرطوم مراسم توقيع الاتفاقية بين مصر وإثيوبيا والسودان، بحضور ممثلين عن بقية دول حوض النيل ومنها أوغندا ورواندا وبعض الأطراف التي وقعت من قبل علي اتفاقية "مبادرة حوض النيل". الدكتور حلمي شعراوي الرئيس السابق لمركز الدراسات الإفريقية رأى أن عدم نشر بنود الاتفاق حتي الآن بشكل رسمي يؤشر إلي أن هناك شيئا ما يجري خلف الكواليس ويطلق العنان لأي تفسيرات، مشيرا إلي أنه مهما كان النص فهو مصاغ كأنه إعلان نوايا حسنة لأنه مرتبط بحضور رؤساء وإلقاء السيسي خطابا في البرلمان الإثيوبي. ونقلت تقارير إعلامية عديدة معلومات ليست موثقة عن تفاصيل وبنود الاتفاقية تتحدث عن خلافات مصرية- إثيوبية حول عدد من النقاط منها رفض إثيوبيا لمقترح مصري بحصة في التمويل يمكن علي أساسه أن تكون مصر شريكا في مسألة الربح والخسارة، بالإضافة إلي إشراك القاهرة في إدارة سد النهضة وخلاف حول موضوع ملء الخزان. واستبعدت السفيرة مني عمر مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية، هذه الاجتهادات متسائلة: كيف يمكن لمصر أن تساوم علي سد النهضة، في حين أنه لم يتأكد بعد إذا كان سيكون له أضرار سلبية علي مصر أم لا؟.. مستبعدة فكرة عرض مصر تمويل جزئي للمشروع. وأثار عدم الإعلان حتي الآن، عن بنود الاتفاقية، العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول جدية الإعلان عن التوصل لاتفاق مرضي بين مصر وإثيوبيا –لاسيما- أن هناك العديد من الملاحظات التي التقطها محللون واعتبروها ذات دلاله ومؤشر علي أن هناك شيئا يدبر في الخفاء. وأبدت مني عمر استغرابها من مسألة عدم الإعلان حتي الآن عن بنود الاتفاقية، مرجحة أنه لا يوجد شيء تم الاتفاق عليه وإنما كان الإعلان مجرد إعلان "حسن نوايا" بينما باقي التفاصل لاتزال رهن التفاوض. بينما رأي شعراوي أن مسألة عدم الإعلان عن بنود الاتفاقية، يعطي انطباعا بأنه من الممكن أن يكون هناك تطويل من الجانب الإثيوبي رغم تأكيده"كإعلان حسن نوايا" أنه متفهم لاحتياجات مصر، مشيرا إلي أن السودان قلل من الشكوك حول موقفه بأنه منحاز لإثيوبيا بحضوره الاتفاق، لافتا إلي الخطاب السوداني الذي اهتم بحضور ممثلي دول حوض النيل بينما لم ينتبه الجانب المصري وهو ما يرتبط بفكرة "الحقوق التاريخية" للدول في مياه حوض النيل ولم يتم الإشارة إلي اتفاقية "عنتيبي" رغم حضور رواندا وأوغندا، هذا بالإضافة إلي حضور مندوب من البنك الدولي. واقترح شعراوي أن تعمل القاهرة مع دول حوض النيل علي تكوين تجمع سياسي إقليمي يكون خاص بدول حوض النيل ويمكن العمل من خلاله علي إيجاد حل لتلك المشاكل، مشيرا إلي أنه كان من الأفضل لمصر أن تعمل علي التوصل لاتفاق مع إثيوبيا والسودان لزيادة حصة مصر من مياه النيل أفضل من الدخول في جدال مع إثيوبيا في الأغلب لن يؤدي لحل. ويري بعض المحللين أن الرابح الوحيد من هذه المراسم وهذا الإعلان هو إثيوبيا، أما مصر فلم تحصل علي أية مكاسب وأنها كانت حسنة النية لأبعد الحدود. يقول الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات: هذا الاتفاق تم بشكل متعجل ولم يضيف شيئا للطرف المصري وكان في صالح الجانب الأثيوبي الذي حصل علي موافقة رسمية من مصر وتستطيع إثيوبيا من خلالها الحصول علي تمويل من البنك الدولي لاستكمال السد. وأضاف: الاتفاق لايحمل أي التزام من جانب إثيوبيا بل هو تعهد بالمفاوضات معتبرا أنه مجرد تعبير عن حسن النوايا لكن العلاقات الدولية لا تدار "بحسن النوايا".