نفى الكاتب التركي أورهان باموق، الحائز على نوبل، في حديث خاص ل"بوابة الأهرام"، أن يكون قد تنبأ بالأحداث السياسية الحالية، مؤكدًا أن وجهة نظره تلك، مبنية على قراءة عميقة للتاريخ، لأن التاريخ يعيد نفسه، كظهور الليبرالين والإسلاميين وتدخل الجيش والاصطدام بينهما. وقال صاحب "الكتاب الأسود" إنه يؤمن بمقولة الأديب الروسي فيكتور شكلوفسكي التي تقول إن "الرواية هي قصة تربط وتصل الأفكار التي تريد أن تتحدث عنها"، مؤكدًا أنه يتفق مع الأفكار التي تتضمنها رواياته، وأنها تعبر عنه، لأن الرواية "وسيلة للتعبير عن أفكاري"، بحسب قوله. وعانى باموق بسبب كتاباته التي تتضمن آراءه السياسية من مشاكل عدة، ففي عام 2005 تمت ملاحقته قضائيا بتهمة "الإساءة للهوية التركية" ولشخصية شبه مقدسة عند الأتراك، وهو "مصطفى كمال أتاتورك"، وهما جريمتان يعاقب عليهما القانون بحسب الفقرة 301، لكن تم إعفاؤه من الملاحقة القضائية عام 2006، وفي عام 2007 تلقى تهديدات بالقتل إثر الكتابات حول مذابح الآرمن، كما أنه كان أول كاتب في العالم الإسلامي يدين الفتاوى الإيرانية، التي تبيح دم الكاتب البريطاني ذي الأصول الهندية "سلمان رشدي"، بعد روايته "آيات شيطانية". وتعتبر "ثلج" هي الرواية الوحيدة لباموق التي يمكن للقارئ أن يعتبرها رواية سياسية بالمقام الأول، وليس ذلك عجيبا على صاحب نوبل، الذي تشغله الحياة الاجتماعية بكل ما تضمه والتاريخ الشخصي للأفراد، حيث يقول: تشغلني الحياة الاجتماعية في أعمالي وتحول حياتي العائلية من الألفة والتماسك إلى الفردية وتفتيت الأسرة. ويضيف: كانت الأسرة في الماضي تجتمع حول طاولة طعام يضحكون ويتسامرون، حتى المسكن تغير وتحول إلى مسكن فردي في عمارة، وأنا نشأت في أسرة كبيرة في منزل كبير، والآن أسكن في منزل في عمارة حيث يأكل الكل طعامه بمفرده. ويرى صاحب "الحياة الجديدة" أن الوحدة والعزلة هما الضريبة والثمن للحداثة والعولمة، ولكنه يعول ذلك أيضًا على الأفراد أنفسهم، ويقول: رغم ذلك من الصعب التعميم لأننا جميعًا نبحث عن الجديد، ونسعى لهدم القديم ثم نبكي بعد زواله، ثم نعود ونطالب بعودة هويتنا النابعة من الماضي، هذه مشكلة أزلية لا يوجد لها حلول، لكن ما يخفف ذلك علينا أننا نطرحها للنقاش. ورغم ذلك يرى صاحب "ورد في دمشق"، أن العيش في القاهرة أو اسطنبول، بالرغم من الحداثة، يعتبر ميزة، ويقول: أن أكون أديبًا في اسطنبول أو القاهرة يعتبر مصدر ثراء للكتابة والأدب، ليس لتصوير الوضع السياسي لكن لتجسيد الحالة ككل، والكاتب يعبر عن مشاكل ورغبات مجتمعه. وزار باموق القاهرة حديثًا، حيث كان يشارك في مهرجان القاهرة الأدبي، الذي استضافته أماكن عدة بالعاصمة، وشارك به نحو أكثر من 30 أديبًا من 16 بلدًا، ونظمته مؤسسة صفصافة للثقافة. وقد تبدو النوستالجيًا (الحنين إلى الماضي)، هاجسًا يشغل رأس باموق، في حين يجدها بعض الكتاب شيئًا مكروها، وهو ما ينفيه صاحب "القلعة البيضاء"، قائلًا: فكرة الحنين للماضي ليست منبوذة، بالعكس، لكنها تعطي أحيانا انطباعًا بالتشاؤم لأنها توحي بفقدان الأمل في المستقبل والبكاء على الأطلال، وإذا وُظفت أدبيًا بطريقة صحيحة في الكتابة ستكون جيدة، لأنها أيضا تحمل جانبًا يثور على الحاضر متمسكًا بالماضي، فهي ليست مرفوضة بالنسبة لي، وكلنا متفقون أن الحياة السياسية والدينية والكرامة الإنسانية كانت أفضل في الماضي. مما سبق، تظهر العديد من المتشابهات بين فكر باموق عن المدينة، والفكر الذي صدره عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، عن المدينة أيضًا، والذي تبدو أعماله كلها بمثابة تأريخ حقيقي للقاهرة.. وهناك تشابه كذلك بين روايتي "جودت بك وأبناؤه" لباموق، وثلاثية القاهرة لمحفوظ، وهو مايؤكده الأول، قائلا: "أحببت الثلاثية وتأثرت بها، وأظن أن التشابه قد يتمثل في الشخصيات وعلاقاتها بالمكان والأحياء والشوارع وحكايات النساء، لكن رواياتي تحمل أوجه التناقض بين التراث الديني والثقافي والرغبة في التجديد". وعن حصوله على نوبل وترجمة أعماله إلى 63 لغة حية حتى الآن، يؤكد صاحب "متحف البراءة"، أنه على الرغم من سعادته فإنه خائف من المسئولية الملقاة على عاتقه، ويقول: سعيد لكنني خائف جدًا من المسئولية الكبيرة والشهرة، بخاصة في بلد مثل تركيا به انقسامات، فلا يمكن أن تتحدث بدون حساب أو بعفوية، بل يجب أن أفكر ألف مرة قبل أن أكتب، وهذا يقتل روح الطفل الذي بداخلي، الطفل العفوي التلقائي. ويضيف أديب نوبل ل"بوابة الأهرام": أعاني في كتابة أعمالي، فكل عمل يأخذ مني كثيرًا من الوقت والترتيب والتخطيط، وأبذل فيه مجهودا كبيرا. لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :