هذه القضية نضعها أمام محافظ الإسكندرية الجديد، هانى المسيري، ليكتب لها النهاية «الصحيحة» التى ينتظرها المواطنون الذين يجتاحهم غضب عارم بسبب المهزلة التى تشهدها المدينة منذ عدةأيام. بل تعد جريمة وللأسف بلا عقاب الجانى فيها «مسئول» بعيد كل البعد عن المسئولية بعد أن ألغى القانون وتغاضى عن الصرخات والاعتراضات من أصحاب الرأي.. أما المجنى عليه فهو الميناء الشرقى بمنطقة المنشية.. ذلك الميناء الذى يعد الشاهد الوحيد على تاريخ الاسكندرية منذ العصر البطلمى وحتى الآن. هذا الميناء تحتوى مياهه على آثار غارقة تحكى تاريخ الإسكندرية على مر العصور وكان الأمل المعقود عليه بتحويله إلى متحف مائى للأثار الغارقة، ولأن منطق مسئولى محافظة الإسكندرية أن التاريخ ليس له أهمية ولا مكانة فى عصرنا هذا، كان القرار باغتيال التاريخ بالميناء الشرقى الأثرى بتحويله إلى مكان انتظار للسيارات للسادة رواد المحكمة !! فى البداية توجهنا إلى الدكتور إبراهيم درويش، الخبير الأثرى ومؤسس إدارة الأثار الغارقة بالإسكندرية وسألناه: ما أهمية الميناء الشرقى ؟ يجيب :هو الأثر الوحيد الباقى من تاريخ الحكم البطلمى فى مصر بدءا من سور السلسلة وحتى قلعة قايتباي.. وهذه المنطقة مليئة بالمواقع الأثرية التى تحكى تاريخ الإسكندرية منذ بداية نشأتها على يد الإسكندر الأكبر، فمياه الميناء تحتوى على آثار ثابتة مثل أساسات قصر كليوباترا ولسان التيمينيوم الذى كان مشيدا عليه قصر انطونيو، وأيضا يحتوى على بقايا الحى الملكى لمدينة الإسكندرية، ولذلك نقول إن الميناء منطقة زاخرة بالآثار الغارقة. إلى جانب أنه يعد من أهم وأعظم موانئ العالم على مدى ألف عام وهو الميناء الذى كان يتم من خلاله التبادل الثقافى والتجارى على حد سواء بدول العالم.. وهناك مشروع لتحويله لمتحف للاثار الغارقة، لذلك نحن الأثريين نرفض هذا المشروع «القبيح» ونناشد المسئولين بوزارة الأثار الإسراع بانقاذ الميناء التاريخى من هذا العبث. الحل موجود ويضيف إذا كان المبرر لهذه الجريمة فك الأزمة المرورية كما يدعى بعض المسئولين فإنى أتساءل: ألا يعلم أحد أنه يوجد جراج مكون من أربعة طوابق أسفل مبنى جامعة سنجور قصر القطن- وهو ملك للمحافظة والذى لايبعد سوى عدة أمتار من أبواب المحكمة.. فلماذا لم يستغل هذا الجراج لحل أزمة المرور؟ أم أن أسلوب الاستسهال فى حل المشكلات هو الانسب ولو كان باغتيال جزء من تاريخ الاسكندرية. ويقول الدكتور محمد مصطفى، رئيس الإادارة المركزية للأثار الغارقة، حقا هى كارثة بكل المقاييس.. كارثة لها شقان، الأول من الناحية القانونية لم يتم التعدى على مياه الميناء والذى يعد تحت ولاية الإدارة.. أما الشق الثانى فيتعلق بإزالة جزء من سور الكورنيش الذى يعد تراثا من أجل دخول السيارات، فإن هذا الأمر قد أثير من قبل بعد أن تلقت منطقة اثار الاسكندرية عام 2013 مخاطبات من نائب محافظ الإسكندرية الأسبق بعمل فتحتين بسور الكورنيش بالمنطقة المحصورة بين المحكمة القديمة ومجمع المحاكم الجديد، وذلك بغرض انشاء موقف انتظار للسيارات. وكان الرد أنه ليس للمنطقة ولاية على السور، بل ان الولاية تقع على اللجنة الفنية للحفاظ على التراث بمحافظة الاسكندرية، وقد علمنا أن المشروع لم يدخل حيز التنفيذ بعد رفض لجنة الحفاظ على التراث. جريمه اغتيال ويضيف بقوله: منذ عده أيام فوجئ المجتمع السكندرى بأكمله وليس الأثريون فقط بازالةأجزاء من السور وانشاء موقف السيارات على مياه البحر مباشرة وهذا يعد اهدارا للثروة التراثية فى المدينة الى جانب تشويه الشكل الجمالى للميناء الشرقي...بل جريمة يغتال فيها تاريخ الميناء وضياع لملامح تاريخية اشتهرت بها عروس البحر. ويتساءل : حتى الآن لانعلم سبب موافقة اللجنة الفنية للحفاظ على التراث على هذا المشروع فى الوقت الحالي؟ لم نوافق السؤال توجهنا به الى الدكتور محمد عوض رئيس اللجنة الفنية للحفاظ على التراث والذى ثار واجاب بسرعة، لم يوافق احد على الاطلاق بل لم يعرض الامر على اللجنة حيث فوجئنا بازالة اجزاء من سور الكورنيش التراثى والعمل يجرى على قدم وساق من اجل انشاء ساحة لانتظار السيارات داخل الميناء الشرقى ويعد هذا تعديا على منطقة تراثية لذلك قامت اللجنة بمخاطبة اللواء طارق مهدى عندما كان محافظا للاسكندرية وأصدر القرار بتحويل الميناء الى جراج مطالبين بضرورة ايقاف العمل فورا واعادة الحال الى ما كان عليه. ويؤكد الدكتور عوض أن ما يدعو للأسف أن جميع مناطق التراث على مستوى الاسكندرية تم التعدى عليها من قبل الادارات المعنية بالاحياء والمركز الذى يصدر تراخيص هدم وبناء بالمخالفة للقانون والاشتراطات الصادرة من جهاز التنسيق الحضاري ويتساءل : كيف يتم اغتيال وتشويه ميناء تاريخى بهذا الشكل؟ فهو يعتبر السبب الرئيسى لاختيار الاسكندر لموقع الاسكندرية والذى تحتوى مياهه على بقايا الفنار الى جانب القصور الملكية وميناء تفريغ البضائع القديم ، وقد أنشيء رصيف الميناء الشرقى وطريق الكورنيش بواسطة مجلس البلدية عام 1905 وقامت بانشائه شركة ايطالية (الماجا) والتى استخدمت الاحجار المتميزة بالقطع الضخمة كما استخدم فى انشاء الرصيف الخاص بالميناء الرخام الايطالى المستورد من نوع(الترايستا) والذى سبق نزعه واستبداله بالبلاط الحالي. صاحب الاقتراح وبسؤال اللواء احمد ابو طالب رئيس حى الجمرك عن حقيقة ما يحدث ومن المتسبب فى تشويه هذا الميناء التراثى التاريخى وانشاء موقف لانتظار السيارات فى البداية بادرنى بقوله: أنا صاحب الاقتراح من أجل حل أزمة التكدس المرورى أمام المحكمة بمنطقة المنشية، حيث الشلل التام بسبب وقوف سيارات المترددين على المحكمة إلى جانب سيارات السادة المستشارين وأعضاء النيابة لعدة صفوف أمام أبواب المحكمة فكان التفكير بعمل موقف خاص بالميناء. وللعلم هذا الموقع كان يحتوى على أكوام من القمامة والمخلفات لذلك كان تفكيرى بتنظيفه واستغلاله.. ولكن طالما تعالت الصرخات والاعتراضات خاصة من الاثريين فمن الممكن التوقف عن التنفيذ وتحويل الموقع الى منتزه للمواطنين بعد تشجيره وزراعته. وبسؤال اللواء طارق مهدى، محافظ الإسكندرية السابق، أكد أنه صاحب الاقتراح حيث أصدر توجيهاته بعمل موقف السيارات داخل الميناء لأجل حل الأزمة المرورية بالمنطقة، مؤكدا أن هناك قرارا صادرا بعمل الموقف من اللواء محمد عبد السلام المحجوب، محافظ الاسكندرية الاسبق!! وبسؤال اللواء محمد عبد السلام المحجوب، محافظ الاسكندرية الأسبق، أكد بقوله: "لم يحدث على الإطلاق أن قمت بإصدار مثل هذا القرار أثناء تولى مسئولية المحافظة لأنى أعلم أهمية الميناء الشرقي". وفى النهاية.. الحقيقة ضائعة وسط تصريحات متضاربة من مسئولى المحافظة والنتيجة الاصرار على تحويل جزء من تاريخ الاسكندرية بل أهم وأعظم ميناء فى العالم الى موقف للسيارات تحديا لاعتراضات أهالى الاسكندرية، ونحن بدورنا نتساءل: لماذا الاصرار على اغتيال تاريخنا وتدمير مدينة بأكملها كانت يطلق عليها فى السابق... عروس البحر . . لمصلحة من؟ لا ندري؟!