بقلم : رضا سليمان موضوعات مقترحة الأهلى يخطط لصدمة الجيش الملكى منتخب مصر.. "الخطة البديلة" الزمالك فوق صفيح ساخن
فى زمنٍ تتسارع فيه الحياة، وتتراكم فيه الهموم والمتطلبات، ينسى كثير منا أن يتوقف لحظة وينظر إلى ما يملك بدلاً من ما ينقصه. هنا يأتى دور الامتنان اليومى، تلك العادة البسيطة التى تبدو صغيرة، لكن تأثيرها على النفس والجسد والعلاقات يفوق الخيال. منذ فترة مررت بتجربة صعبة جعلتنى أتوقف كى أعاود النظر وأتأمل ما كان بين يدى، وهذه التجربة أو المرحلة الصعبة كانت بالتفصيل كما يلي: استيقظت فجرًا من نومى على آلام رهيبة فى الكتف اليمنى، لدرجة لا تمنعنى من حركة ذراعى فقط، بل ينتفض جسدى كله ألمًا حد الصراخ المكتوم. ومع أشعة الشمس الأولى بدأت رحلة علاجية صعبة؛ صعبة لأننى لا أتحمل الألم، صعبة لأننى لا أستطيع تحريك ذراعى، وهذا يجعلنى لا أستطيع فتح صنبور المياه، أو رفع الماء لغسل وجهى. لا أستطيع استبدال ملابسى، لا أستطيع الإمساك بلقيمات إفطارى ورفعها إلى فمى، لا أستطيع قيادة سيارتي. واستمرت المعاناة عدة أيام للكشف والتحاليل والأشعة، والتى كشفت عن تيبُّس حاد فى الكتف والتهاب الأعصاب، ومن ثم بدأت مرحلة العلاج بالأدوية مع العلاج الطبيعي. فرصة للتفكُّر والتقدير وكانت هذه الأيام والفترة التى تلتها فرصة للتفكُّر والتقدير، فإذا بى أتأمل ما كنت أقوم به من قبل، ثم إذ بى لا أستطيع القيام بأى منها، لدرجة أنه قد أتى عليَّ الوقت الذى أقول فيه لنفسي: مجرد القدرة على استبدال ملابسى، أو مجرد القدرة على الإمساك بملعقة الطعام ورفعها إلى فمى، هى أمور لا تُقارن بالأموال الكثيرة، لا تُقابل بامتلاك الكنوز، فهى إذن أمور تساوى أكثر من الكنوز، أو هى كنوز فى حد ذاتها.
حينها أدركت كم أمتلك من الكنوز التى لا تُقدَّر ولم أكن أدرك قيمتها إلا حين فقدت القدرة على القيام بها، بل وتمنيت عودتها مقابل كل ما أملك، ولو كنت أملك كنوز الأرض لقدَّمتها. ففى هذه الفترة كان فتح الصنبور أو استخدام يدى فى تناول الطعام، أو غيرها من الأمور التى أستخدم فيها يدى، مجرد أمنيات بعيدة المنال، وأنا لم أتحدث عن القدرة على العمل بعد ومواجهة تحديات الحياة...!!.
التعافى أنا فقط أتحدث عن كنوز كنت أمتلكها ولم أكن أعلم أنى أمتلكها، لكنى علمت حين افتقدتها، وحينما مرت مرحلة العلاج والتعافى – مرت بصعوبة بالغة – بدأت أتعامل مع كنوزى بشكل جديد، فأنا ممتن للأيدى وهى تقوم بمهامها فى يسر، وأنظر إلى كل فعل تقوم به بإعجاب شديد. الأحباب والأصدقاء ومن الكنوز التى نمتلكها ولا نشعر بوجودها فى حياتنا إلا بعد فقدها: الأحباب والأصدقاء. فوجودهم فى حياتنا بشكل سلس هادئ يجعلنا لا نشعر بأنهم كنوز حقيقية، لكن حينما نفتقدهم نشعر بأنهم كانوا بالفعل كنوزًا فقدت. والفقد هنا – مع الأحباب والأصدقاء – هو فقد لسببين: إما مفارقة بسبب الوفاة، وهو فقد صعب لأننا لن نستطيع إصلاح الأمر والذهاب إليهم لنخبرهم كم كنا مخطئين حينما تساهلنا فى علاقتنا بهم وارتضينا الفراق، أو على الأقل لم نشعرهم بقيمتهم فى حياتنا. أما السبب الثانى فالفقد يكون لفراق وجميعنا على قيد الحياة، لكنها الظروف صوَّرت لنا أن وجودهم فى حياتنا هو مجرد وجود تقليدى فارتضينا بالفراق عند أول العقبات، لم نقدِّر قيمتهم ككنوز فى حياتنا. لكن بعد الفراق شعرنا بقيمتهم، وهنا بالتحديد يمكننا العودة – ما دمنا على قيد الحياة – والاعتراف بقيمة وأهمية وجودهم فى حياتنا أحبابًا أو أصدقاء، بل والامتنان لأن وجودهم كنز حقيقى لا يجب التنازل عنه، لذا لابد من إظهار الامتنان لوجودهم فى حياتنا. الامتنان الحقيقى والامتنان الحقيقى ليس مجرد كلمة نرددها على عجل، إنما هو شعور عميق بالرضا والتقدير لما لدينا من نعم، سواء كانت كبيرة (الصحة، الأهل، الحبيب، العمل) أو صغيرة جدًا (كوب القهوة الصباحى، ابتسامة عابرة، شمس دافئة فى يوم شتاء، التنفس، القدرة على المشى، شرب الماء، مضغ الطعام، رؤية الطريق والأشجار والسماء... إلخ) كلها تستحق الامتنان، وغير ما سبق من أمثلة للتدليل، فكل تفاصيل حياتنا الطبيعة هى فى حد ذاتها كنوز تستحق التقدير والامتنان.