واصلت محكمة جنايات القاهرة التى تنظر قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها رئيس الجمهورية الأسبق ووزير الداخلية الأسبق وعدد من قيادات الوزارة اليوم الخميس، الاستماع إلى مرافعات دفاع المتهمين. حيث ترافع الدكتور نبيل مدحت سالم المحامي عن اللواء أحمد رمزي مساعد وزير الداخلية الأسبق للأمن المركزي وأحد المتهمين في قضية قتل المتظاهرين فى أحداث 25 يناير 2011 قائلا: "إن عبارات "تذخير الأسلحة" التي وردت بتحقيقات النيابة، واستخصلت منها النيابة أنها تقطع بصدور تعليمات بإطلاق النيران على المتظاهرين، يقصد بها تسليح القوات التي تكلف بالتعامل مع التظاهرات وفقًا لما هو متبع قانوناً، مؤكدا أن جميع القوانين المنظمة لفض الشغب والتظاهرات، تحظر مطلقا استخدام السلاح الناري والذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين. وأضاف الدفاع، أن مدلول عبارة تذخير الأسلحة، تعني الاستعداد والجهوزية وتنشيط الخدمة "الاستنفار" والتدرج في استخدام القوة، مؤكدا أن الأسلحة النارية والذخيرة، لا تستخدم في التعامل مع التظاهرات، وإنما في الخدمات الثابتة وهي التي يقتصر عملها في حماية المنشآت الثابتة كالبنوك وسفارات الدولة الأجنبية والوزارات. وأشار سالم إلى انتفاء نية القتل المسبقة لدى أحمد رمزي وبقية المتهمين، حيث خلت أوراق القضية جميعها من ثمة دليل قاطع على أن المتهمين من قيادات الداخلية دبروا وخططوا لقتل المتظاهرين، معتبرا أن النيابة استخلصت هذا الافتراض دون أن يسانده دليل مادي في الأوراق. وأكد سالم أن جميع حالات الوفاة التي وقعت يوم 28 يناير، كانت في محيط أقسام الشرطة التي كانت مستهدفة بالأسلحة ومحاولات الاقتحام، في حين أن ميدان التحرير لم يشهد سقوط قتيل واحد، وأن اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية العسكرية السابق شهد بذلك أمام المحكمة. وقال الدفاع إن المتظاهرين في الوقت الذي كانوا يقومون فيه بحرق المدرعات والمركبات الشرطية، كانوا يرددون هتاف "سلمية سلمية"، معتبرا أن أحداث العنف التي شهدتها البلاد "دبرت وفقا لمخطط أجنبي خارجي لإسقاط الدولة". وأشار إلى أن أحداث العنف التي جرت في شارع مجلس الشعب والمجمع العلمي، كان الهدف الحقيقي من ورائها، اقتحام ديوان عام وزارة الداخلية وكسر جهاز الشرطة، مؤكدا أن العديد ممن قيل بأن الشرطة قتلتهم، تبين أنهم سقطوا قتلى في أحداث جنائية بمبعد تماما عن وقائع التصدي للمتظاهرين في ميدان التحرير. وأكد الدكتور نبيل سالم أن النيابة العامة لم تتحر الدقة في وصف حقيقة البيانات الواردة بدفاتر الأمن المركزي المتعلقة بتسليح القوات، مشيرا إلى أن النيابة قررت وصفا لطبيعة البيانات على نحو مغاير لحقيقتها، حيث أثبتت خروج طلقات وأسلحة نارية لتسليح القوات، في حين أن الذخيرة التي استخدمت كانت قاصرة على الطلقات الدافعة "الصوتية" وقنابل الغاز المسيل للدموع، وأن القوات التي كانت تتعامل مع المتظاهرين لم يدخل في تسليحها قط أية أسلحة نارية أو ذخيرة حية. وأضاف أن كافة الشهود من الضباط وقيادات الأمن المركزي الذين تم الاستماع إلى أقوالهم وشهاداتهم سواء بالنيابة أو في المحاكمة، قالوا إن تسليح قوات الأمن المركزي كان قاصرا على استخدام الدروع والهراوات وقنابل الغاز والمياه، دون أن يشمل التسليح أية أسلحة نارية من أي نوع، خاصة وأن حبيب العادلي كان قد أصدر تعليمات واضحة لمرؤوسيه بعدم حمل القوات لأسلحة نارية أو خرطوش. وقال الدفاع بوجود تناقض يستعصي على المواءمة والتصديق في أقوال شهود الإثبات الذين استندت إليهم النيابة العامة في تقرير الاتهام، حيث جاءت شهاداتهم إما نقلا عن أشخاص مجهولين أو نتيجة استنتاجات أو افتراضات في شأن وقائع سقوط القتلى وتسليح القوات، دون أن يكون لديهم ثمة معلومات مؤكدة في هذا الصدد. وأضاف الدفاع أن النيابة قالت بقرار الاتهام إن المتهمين من قيادات وزارة الداخلية في ذلك الوقت قاموا بتحريض ضباط شرطة مجهولين على ارتكاب جرائم قتل المتظاهرين، وهو ما لا يتسق مع المنطق والفهم الجنائي السليم لواقعات الدعوى، باعتبار أن عملية التحريض تتطلب اتصالا مباشر بين المحرض والمنفذ، وهو الأمر الذي لم تشر إليه النيابة بالتحقيقات ولم تقل بهوية من تم تحريضهم وكيفية وزمن وآليات التواصل معهم لارتكاب الجرائم موضوع القضية، وهو ما يقتضى معه عدم التعويل على ما جاء من اتهامات بهذا الشأن. أكد الدفاع اللواء أحمد رمزى قائد الأمن المركزي السابق، والمتهم فى أن النيابة أسندت اتهامات مرسلة دون أدلة إلى المتهمين باتخاذ القرار لقتل المتظاهرين خلال اجتماع لهم، متسائلًا أين هو هذا القرار ومتى جرى الاجتماع الذي اتخذ فيه مثل هذا القرار، مؤكدًا أنه كانت هناك اجتماعات رسمية وقانونية بين العادلي ومساعديه داخل وزارة الداخلية لبحث كيفية التعامل مع المتظاهرين وفقا لصحيح أحكام القانون، وأنها لم تكن "لقاءات لعصابة في وكر سري". وأوضح أن النيابة لم تشر إلى كيفية قيام موكله أحمد رمزي وبقية المتهمين بتحريض ضباط الشرطة على قتل المتظاهرين وعلم الضباط بهذه الأوامر، مشددا على أن القانون ينص صراحة أن على فعل التحريض على القتل يتم في ضوء علاقة شخصية ووثيقة ما بين المحرض ومن تم تحريضه، لافتا إلى انه من غير المتصور أن يكون المتهمين قاموا بالاتصال المباشر بكل ضابط بصورة شخصية خلسة لتحريضه على عملية القتل، علاوة على أنه لم يتم أيضا إصدار أوامر بأي من وسائل العلانية للضباط بقتل المتظاهرين. واعتبر أنه من بين الاف الصفحات التي تحتويها القضية، فإنه لا توجد قرينة واحدة على قيام المتهمين بالتحريض على قتل المتظاهرين والشروع في قتلهم، واصفا ما أوردته النيابة بشأن صدور أوامر لقتل المتظاهرين بأنه بمثابة "أمر وهمي" وليس له وجود ولم يصدر عن أي من قيادات الداخلية كما أن أيا من الشهود لم يقل به صراحة. وأشار إلى أن ما أوردته النيابة من تحقيقات وما جاء بأمر الإحالة وقرار الاتهام في شأن المتهمين "يصور الأمر على أننا لسنا أمام جهاز شرطي وإنما عصابة"، مؤكدا أن جهاز الشرطة له قوانين تنظم عمله وتنشر بالجريدة الرسمية، وأن من بينها قانون يتعلق بتسليح قوات الأمن المركزي. وأكد أن كافة مخازن السلاح لقوات الأمن المركزي لم يخرج منها إبان أحداث الثورة إلا الأسلحة الفنية المعدة لإطلاق الغازات المسيلة للدموع مشددا على أن كافة أوراق القضية خلت تماما من أية أوامر أو تعليمات تفيد بتسليح الأمن المركزي بأسلحة نارية وخرطوش أو خروجهم للانتشار بذلك النوع من السلاح خلال الفترة محل الاتهام (25 إلى 31 يناير 2011)، وأن على العكس من تلك الاتهامات، فإن تعليمات أحمد رمزي لمرؤوسيه بالأمن المركزي كانت بمنع خروج أي تسليح ناري مع التشكيلات المنوط بها التعامل مع المتظاهرين. وقال الدكتور نبيل سالم إن أمر الإحالة الصادر من النيابة العامة أشار إلى مخالفة المتهمين ومن بينهم موكله أحمد رمزي للتعليمات والقواعد المنظمة لتسليح القوات في شأن المظاهرات، غير أن النيابة لم توضح تحديدا طبيعة هذه القواعد والتعليمات أو أن ترفقها ضمن الأوراق بالقضية. وذكر أن هناك قانون خاص ينظم تسليح قوات الأمن المركزي منشور بالجريدة الرسمية، مؤكدا أنه بالعودة للقانون ومطالعته فإن القوات المكلفة بالتعامل في أحداث الشغب والتظاهرات وأعمال التجمهر لا يدخل في أي منها السلاح الناري على الإطلاق، وأن اللواء أحمد رمزي لا يملك أن يخالف أو يخرج على هذه القواعد القانونية الصريحة أو حتى أن يعدل عليها. وأضاف أن القانون نص على وحدات العمليات الخاصة التي تضطلع بالخدمات الثابتة بحماية المنشآت الحيوية والهامة في الدولة ومن بينها البنوك والوزارات والسفارات، وأن السلاح الناري يدخل في تسليح هذا النوع من القوات، غير أنها لا تشارك مطلقا في أعمال المظاهرات، فضلا عن وجود قرار وزاري نص على اختصاصاتها. واستعرض سالم أقوال عددا من الشهود من ضباط الشرطة أمام النيابة والذين كانوا قد أجمعوا على عدم خروج أية طلقات خرطوش مع قوات الانتشار التي شاركت في تأمين المظاهرات. وأشار نبيل مدحت سالم إلى عدم صحة الوصف القانوني الذي أسندته النيابة العامة إلى أحمد رمزي والمتعلق بسبق الإصرار من جانبه وبقية المتهمين على قتل المتظاهرين، موضحا أن سبق الإصرار طبقا للفقه الجنائي لا يمكن لأحد أن يشهد به مباشرة، حيث إنه يستدل عليه من مظاهر وأفعال الجاني (المتهم) باعتبار أن سبق الإصرار هو حالة داخل نفس المتهم وحده. وفى آخر الجلسة أصدرت محكمة جنايات القاهرة قرارها اليوم الخميس، برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدي، بتأجيل إعادة محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك، ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و 6 من كبار مساعديه، إلى جلسة 26 أبريل الجاري. وجاء قرار التأجيل، لاستكمال الاستماع إلى مرافعة هيئة الدفاع عن اللواء أحمد رمزي مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع قوات الأمن المركزي، والمتهم في القضية.