المصريون العائذون من ليبيا تقسمهم المناطق القادمون منها فهناك من نجا بالملابس التي عليه وهناك من استطاع ان يأتى بنصف متاعه على الاقل من بيته وهناك من حملوا متاعا غريبة وطريفة. أصناف العائدين من ليبيا تظهر أن العائد من المناطق التي يسكنها الموالون للزعيم الليبي معمر القذافى هم من كان حظهم عثر ربما لم يستطع البعض منهم دخول أرض مصر حتي بالملابس التى خرج بها من ليبيا ، لكنهم يعتبرون أنفسهم انهم افضل حالا من غيرهم بأنهم استطاعوا العودة سالمين الى مصر. على النقيض من هؤلاء يوجد مواطنون عائدون من ليبيا يحملون أمتعة بالجملة ومن كل الاصناف فهؤلاء كانوا مقيمون فى المناطق التى سيطر عليها الثوار واستطاع العائدون منها ان يحملوا كل ما استطاعوا حمله وهم يسيرون في الشوارع في حماية اللجان الشعبية والثوار الأحرار. أمام معبر السلوم البرى تتراكم كميات هائلة من الأمتعة مع مجموعة من المصريين العائدين وتنوعت هذه الأمتعة بين بطاطين وتليفزيون وأطباق دش وآلات عمل وتعد هذه الأشياء من الأساسيات التى قرر المصريون العودة بها خاصة الذين كانوا مقيمون فى منطقة الثوار. وسط الحزن الذى يخيم على بعض العائدين بسبب ماتعرضوا له فى ليبيا تتخلل المشاهد الغريبة حيث تجد من يحمل ثلاجة أو باب شقة أو شباك أو "معزة صغيرة" او مرتبة او مروحة او مواسير حديد أو لفافة من خراطيم المياه. الغريب أنه عندما سألنا أصحاب هذه الأمتعة عن سبب اصطحابهم لمثل هذه الأمتعة كان تبريرهم بأنهم سيحتفظون بها ذكرى تفكرهم بالايام التى قضونها فى ليبيا. لم تكن صدمة خسارة تحويشة العمر فقط هي من تتحكم في متاع المصريين القادمين من ليبيا ، فبجانب محاولة حصد أكثر المكاسب ، نازعت المواطنين المصريين العاطفة فحاولوا جمع أشياء ومقتنيات من بيتهم تشهد علي ذكرياتهم وأيامهم التي قضوها في ليبيا المتاع تحددت اهميتها وفقا لرؤية كل شخص، وإن اتفقوا علي حمل البطاطين والتليفزيونات والمراتب فتجد حسين طفل صغير يحمل كتاب مبادئ اللغة الانجليزية وهو يطأ بقدمه اولي الخطوات علي أرض الوطن ، وتجد رجل عجوز وهو يجلس علي الرصيف في المعبر وبجانبه وابور الجاز وقد لاتفهم ماهية العلاقة بينه وبين وابور الجاز ، وثلاثة آخرين يعانون كثيرا وهم ينقلون ثلاجتهم علي حامل يجرونه ليدخلوا به الى موقف الاتوبيسات الموجود بميناء السلوم البرى ، وآخر يدخل من الاراضي الليبية بثلاث كراتين شيبسي مخبرا إياك انها باقي تجارته التي تم تدميرها من المرتزقة هناك. لوزة محمد جاءت من بني غازي -تلك الأرض التي سيطر عليها الثوار - جلست هي وأولادها الاثنين علي أحد الأرصفة بمعبر السلوم في انتظار زوجها حتي ينتهي من تخليص أوراقهم، لوزة قررت ان تستغني عن نصف متاعهم لأنهم لم يستطيعوا أن يحملوا الكثير معهم وإن كان لها حرية الاختيار لتأخذ معها الدش والتليفزيون وعجلة طفلتها الصغيرة. سيتبدد اندهاشك واستغرابك ليتحول للشعور بالآسي حين تعرف أن الكفيل الليبي أخبر المواطن المصري مصطفى محمود أن البنوك مغلقة ولم يعطه نقوده ، لتجد المصري أمام خيارين. الأول صعب والثاني أصعب منه إما أن ينتظر تحت القصف الجوي والاستهداف من المرتزقة أو يرحل خاسرا كل تحويشة العمر، الأغلب الاعم اختار الرحيل خاسرا تحويشة العمر وتاركا حقوقه عند الكفيل ومحاولا التشبث بأي شئ قد يحمله معه ويستطيع بيعه إذا استطاع أن يصل الي أرض الوطن بسلام. سعي فتحي محمود أن يحضر معه آلات العمل التى تتكون من "البلطة والساطور والمنشار" ، أتي من ليبيا حاملا هذه الآلات فقط ، فهي الشىء الذي تبقي له من تحويشة العمر وهو الشىء الذي لن يطمع فيه مرتزقة، ستجد عائلة تدخل وتحمل معها مساحات للنظافة وآخرين يحملون علب سجائر وكانت البطاطين هي العامل المشترك بينهم جميعا. يتحدث أحمد همام وهو يحتضن بعض مواسير الحديد وتقع منه ثم ينزل ليحضرها مرة أخري وهو يخبرنا أنها ستكون لها سعر وسيستطيع بيعها ، يتحدث أحمد الذي لم يعد يملك شيئا سوي ثلاث مواسير حديد تساوي أقل القليل ولكن هذا كل مااستطاع أحمد أن يحضره معه.