270 خيمة يسكنها لاجئون من السودان ونيجيريا وإثيوبيا وغانا وتشاد والعراق وجزائرى وحيد أعمال الشغب والنهب والبلطجة تتزايد فى ظل غياب الأمن بالقرب من منفذ السلوم الحدودى مع ليبيا، وعلى بعد مئات الأمتار، تبدو الخيام الكثيفة، وكأنها تشير إلى قرية صحراوية مستحدثة. ومع كل خطوة كنت أقترب فيها من المكان أكتشف أننى على شفا مأساة ستطالعها عيناى. وشيئا فشيئا تتكشف ملامح وتفاصيل الصورة البعيدة كلما اقتربت، فهنا يقيم آلاف اللاجئين الأفارقة النازحون من ليبيا، وقد طال بقاؤهم فى هذا المكان لأنهم يرفضون العودة إلى بلادهم، ويفضلون اللجوء إلى أى دولة أخرى، ورغم حصار العزلة التى فرضوها على أنفسهم، إلا أنها لم تمنع أهل السلوم من النظر إليهم باعتبارهم مصدرًا للمتاعب والأوبئة، خصوصا مع التأكيد الرسمى على انتشار عدوى الإيدز بينهم، وظهور حالات نزاع فيما بينهم بصورة مستمرة، وأعمال شغب كانوا هم أبطالها، أدت فى النهاية إلى إحراق مبنى المفوضية اعتراضا منهم على سوء معاملة المفوضية السامية لشئون اللاجئين مما تسبب فى وفاة أحدهم. البداية مع أهالى السلوم الذين يحذرون بعضهم البعض من الاختلاط المباشر مع العالقين لانتشار الأمراض المعدية بينهم بسبب سوء النظافة، فضلا على اكتشاف وزارة الصحة 3 حالات إصابة بمرض الإيدز بينهم. يقول باسط محمد، من أهالى مدينة السلوم: إن تواجد العالقين بدأ عقب الثورة الليبية فى 17 فبراير قبل الماضى، حيث نزحت أعداد كبيرة جدا من الأفارقة الذين كانوا يعملون فى ليبيا، ومع اتهام الثوار الليبيين لأعوان القذافى بالاستعانة ببعض الأفارقة المرتزقة لقتل الشعب الليبى، أصبح هناك عداء كبير بين هؤلاء الأفارقة والمواطنين الليبيين الذين كانوا يعتدون عليهم بصورة مستمرة، لإجبارهم على مغادرة ليبيا. ويؤكد باسط محمد، أن منفذ السلوم البرى استقبل الآلاف من الآفارقة الفارين من ليبيا عقب الثورة، ورفض عدد كبير منهم العودة لبلادهم، وطالبوا باللجوء إلى أمريكا والاتحاد الأوروبى وكندا، ورغم أن الحكومة المصرية قامت بإجلاء آلاف منهم إلى بلادهم، إلا أنه بقى عدد آخر فشلت الحكومة المصرية وسلطات المنفذ فى إجلائهم. ويطالب سلومة عبدالقادر من أهالى السلوم بسرعة إجلاء هؤلاء العالقين بالمنفذ، خاصة بعد تزايد مشكلاتهم، حيث لا يمر يوم إلا وتقع اشتباكات بينهم باستخدام الأسلحة البيضاء بسبب خلافات قبلية، وقد شهد المخيم جريمة قتل ارتكبها أحد السودانيين عندما ذبح زميلًا له من قبيلة أخرى، إضافة إلى تعديهم المستمر على المسافرين عبر منفذ السلوم، إذا حاول أحد الحديث معهم أو التقاط صور لهم. وتساءل عبدالقادر: ما ذنب أهالى السلوم المرعوبين من تفشى الأمراض المعدية بين العالقين، والتى تهدد أبناء المدينة فضلا على أنهم يشكلون أعباء إضافية على موارد المدينة، فهناك سيارات تنقل المياه إليهم يوميا، وهناك سيارت المجارى وغيرها من الخدمات التى تقدم لهم من أطعمة ومشروبات. ويضيف مستنكرا: هل أصبح اللاجئون يمثلون دولة داخل دولة مصر؟ وهل ليست لدينا من القوة ما يمكننا من السيطرة عليهم وترحيلهم لبلادهم؟ علاء عبدالشكور، رئيس مدينة السلوم، يؤكد أنه يوجد حاليا بالمنفذ 1769 لاجئا أغلبهم من السودان، ويبلغ عددهم 1654، إضافة إلى 35 إريتريا و2 من غانا و6 من ساحل العاج و8 من نيجيريا و18 من تشاد، و61 من إثيوبيا و12 من العراق ومواطن من الجزائر ومواطن من ليبيريا. ويضيف: هناك تنسيق مستمر ما بين الحكومة المصرية والمفوضية السامية لشئون اللاجئين، لإجلاء هؤلاء العالقين، خاصة بعد رفض عدد كبير منهم العودة لبلادهم، وطلبوا اللجوء إلى أمريكا والاتحاد الأوروبى وكندا، كما أنهم مصدر قلق حقيقى بعد تحويل المنطقة بين المنفذين إلى منطقة تجارة حرة لهم. رئيس مدينة السلوم لم ينف إصابة عدد من هؤلاء بالإيدز، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة هى التى أكدت ذلك فى تقارير رسمية، لافتا إلى أن المحافظة تقدم كل أنواع الدعم لهؤلاء اللاجئين من أغذية ومياه. ويشير إلى أنه رغم تأكيد مسئولة الحماية بالمفوضية السامية لشئون اللاجئين على حل مشكلة العالقين بالمنفذ ونقلهم إلى بلادهم، بعدما تقطعت بهم السبل فى مخيمات مؤقتة عند نقطة السلوم الحدودية بمصر، وانتشار الأمراض المعدية بينهم، إلا أنه حتى الآن وعلى الرغم من مرور أكثر من عام و10 أشهر لم يتم حل مشكلة العالقين الذين يرفضون العودة إلى بلادهم. لكنه يلفت إلى أن مشكلة بعض السوريين الذين يرغبون فى دخول الأراضى الليبية مجددا تمثل عبئا كبيرا على مسئولى المنفذ، وتظهر من حين لآخر، حيث عبر موخرا الحدود المصرية الليبية من مصر إلى ليبيا ما يقرب من 350 عالقا سوريا من النازحين جراء الثورة السورية، بعدما تدخلت الخارجية المصرية. مؤكدا أن السطات الليبية، لا تسمح أحيانا بدخول السوريين بسبب المشاكل الداخلية هناك، والتى كان آخرها ما أثير حول تقسيم ليبيا الى أقاليم، مما ادى الى منعهم من الدخول، فنظموا وقفات احتجاجية امام المنفذين المصرى والليبى، حتى تحسنت الاوضاع وسمحوا لهم بالدخول. ويؤكد عبدالشكور أن أسر وأهالى السلوم استضافوا العديد من الاسر السورية بمنازلهم لأكثر من شهر وشاركوهم الأكل والشرب والغرف والأسرة، رغم حالة الفقر المدقع، التى يعانى منها ابناء السلوم لعدم وجود مصانع او شركات ووجود 36% من اهالى السلوم تحت خط الفقر. من جهته، يطالب العمدة طربان، عمدة مدينة السلوم، بضرورة التكثيف والزيادة الامنية فوق هضبة السلوم لمواجهة أعمال الشغب والنهب والبلطجة التى يمارسها بعض اللاجئين الافارقة وغيرهم من العالقين بمنفذ السلوم، خصوصا مع تزايد اعداد اللاجئين ونقص اعداد القوة الأمنية، التى لا تستطيع مواجهتهم فى أغلب الاوقات هناك، مشددا على ضرورة مقاومة أعمال السلب والنهب وترويع اهالى السلوم من حين لآخر. كاميرا «الصباح» تمكنت من اختراق عزلة هؤلاء العالقين التى فرضوها على انفسهم ضد الغرباء، ورصدت من داخل مخيماتهم العشرات من الخيام الصغيرة التى يعيشون فيها، بينما بعضهم نائم، وآخرون يتسامرون، ونفر منهم يعرض بضائعهم على المتنقلين بين المنفذين، بينما يتزاحمون على دورات المياه طوال الوقت لعدم وجود سوى 7 دورات مياه فقط، كما أن أسلاك الكهرباء تظهر بوضوح بعد أن قاموا بتوصيلها بشكل عشوائى، فيما يوجد تليفزيونات وأطباق ستالايت داخل المخيمات. المعسكر الخاص بهؤلاء اللاجئين الافارقة بداخله 4 مخيمات كبيرة عبارة عن هناجر اقامتها مفوضية شئون اللاجئين ونحو 270 خيمة صغيرة تعيش فى كل منها اسرة واحدة، حيث اقاموها بانفسهم من القماش والمشمع وقاموا بتوصيل التيار الكهبائى بشكل عشوائى من الاعمدة المجاورة مما تسببب فى اندلاع حريق بالمخيمات لاكثر من مرة. كما ان منطقة اقامتهم اصبحت مكانا للتجارة وللصفقات التجارية سواء للملابس او البطاطين او السجائر. «المنطقة المحيطة بمنفذ السلوم البرى كانت قد شهدت أحداثا ساخنة خلال الايام الماضية بسبب احتجاج اللاجئين السودانين على وفاة احد زملائهم بسبب اهمال المسئولين بالمفوضية السامية لشئون اللاجئين بالمنفذ، حيث أحرقوا مكتب المفوضية وقطعوا الطريق الدولى، فيما تدخل اهالى السلوم لمنع اللاجئين من قطع الطريق الدولى وتيسير عبور السيارات، وهو ما ادى لاشتباكات بين اللاجئين والأهالى ادت الى اصابة 9 من السودانيين و2 من الامن المركزى المصري».. هذا ما اكده عمدة السلوم، موضحا ان مديرية امن مطروح نجحت فى حل هذا المشكلة بالتنسيق ما بين اهالى السلوم واللاجئين وسلطات المنفذ، محذرا فى الوقت نفسه من طول بقائهم، خصوصا أن المنطقة التى يقيمون فيها تعد معبرا للمسافرين وليست مكانا للإقامة، بالإضافة الى المشكلات العديدة سواء فى فصل الصيف او فى الشتاء، ففى الصيف يؤدى ارتفاع درجة الحرارة الى انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، اما فى فصل الشتاء فتسقط الامطار الغزيرة التى تعد سببا رئيسيا فى تعرض هذه الخيام للتدمير. ويشير طربان إلى أن الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق كان مهتما بمشكلة هؤلاء اللاجئين حيث قرر تشكيل لجنة دائمة تضم وزارات الخارجية والداخلية والدفاع والأمن القومى ومحافظة مطروح لمتابعة أزماتهم بشكل يومى، كما قرر ايضا عقد اجتماع بمقر الخارجية المصرية لسفراء الدول التى وافقت على استقبال العالقين فى منفذ السلوم، وإعادة توطينهم فيها مع التنسيق مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين فى جنيف وذلك فى إطار زمنى محدد حتى لا تصبح قضية العالقين مفتوحة. لكن طربان يؤكد أنه مع رحيل الجنزورى وتغير القيادة السياسية توقف الاهتمام بهؤلاء، لافتا إلى أن اللواء طه محمد السيد، محافظ مطروح الاسبق، صرف مبلغ 100 الف جنيه لرفع كفاءة 7 دورات مياه بمنفذ السلوم البرى والتى يقوم اللاجئون والعالقون بالمنفذ باستخدامها بعد تزايد الشكاوى من عدم صلاحية الدورات الحالية الموجودة بالمنفذ، وتأكيد مفوضية الصحة وحقوق الانسان على أنها تؤدى لانتشار الامراض. من بين هؤلاء اللاجئين العالقين تحدث معنا عدد منهم، فيقول جورج موتينى، من دولة تشاد، والذى يطلب اللجوء السياسى لمصر: أرفض العودة الى تشاد مرة اخرى لعدم وجود أى موارد للدخل وأفضل اللجوء لمصر أو للولايات المتحدة. ويضيف: مفوضية شئون اللاجئين وعدتنى أنها ستسرع فى حل المشكلة بسرعة، لكن لم يحدث شىء. ويتذكر كيف تعرض للموت على ايدى الثوار هو وجميع الافارقة الذين كان ينظر اليهم الثوار على انهم من المرتزقة الموالين للقذافى، حيث لم ينجِه من ايديهم الا قيام احد الليبيين الذى كان يعمل لديه، بضمانه والتأكيد على أنه ليس من المرتزقة إلى حين غادر ليبيا. ويقول محمد رزاق من دولة السودان: كنت اعمل بليبيا فى بيع بعض البضائع البسيطة مثل السبح والعطور والروائح والمسك، إلى ان قامت الثورة الليبية، وحكم الثوار علينا بالطرد، خاصة بعد ان اصبح الليبيون ينظرون لكل من هو افريقى كأنه عدو. ويضيف: كنت أدخر 10 آلاف جنيه ليبيى بمنزلى، الا اننى تركتها وهربت الى الحدود المصرية خوفا من القتل، وفور وصولى لمصر طلبت اللجوء السياسى. أما ممدوح عجب، سودانى الجنسية، فيؤكد أنه فرّ من ليبيا إلى مصر هو وأسرته المكونة من 4 أفراد ولا يستطيع العودة إلى بلده مرة اخرى بسبب مشكلات قبلية، مشيرا إلى ان المشكلة الكبرى التى يواجهونها فى فترة بقائهم بالمعسكر، هى قدوم فصل الشتاء الذى يشهد امطارا غزيرة تصل الى حد السيول الجارفة التى لا تترك شيئا أمامها من الخيم والأمتعة وتحوّل حياة اللاجئين المؤقته فى السلوم إلى مأساة. الدكتور محمود زهران، وكيل وزارة الصحة بمطروح، يؤكد من جهته أن مديرية الصحة تقوم بتسيير قوافل لعلاج اللاجئين الأفارقة بمدينة السلوم على حدود مصر لمنع انتشار الامراض والأوبئة والامراض المعدية بين العالقين بالمنفذ، بالتعاون مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة. من جانبه يؤكد محافظ مطروح اللواء أحمد حلمى الهياتمى أنه تفقد الاسبوع الماضى مدينة السلوم ومخيمات العالقين. موضحا أن حل هذه المشكلة يكون بالتعاون مع مفوضية شئون اللاجئين. ويضيف: حتى هذه اللحظة تظل مشكلة العالقين بالمنفذ قائمة نظرا لوجود طالبى اللجوء السياسى إلى دول أخرى مثل سويسرا والولايات المتحدة ومصر أو العودة الى ليبيا مما يتطلب إجراءات أخرى تتوقف على مدى سرعة موافقة الدول المطلوب اللجوء إليها. ويؤكد المحافظ أن الطب الوقائى بالمنفذ يمارس عمله من خلال مديرية الشئون الصحية بمطروح ومجلس مدينة السلوم، عن طريق الاهتمام بالنظافة ورش المبيدات منعا لتفشى أى أوبئة مع انتشار الحشرات ومتابعة ومراقبة سلامة الأغذية وتحليل مياه الشرب بالمعامل. ويشير إلى أن محافظة مطروح بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لعبت دورا كبيرا ومهما خلال أحداث ليبيا فى استقبال العائدين من الاراضى الليبية وتوفير الأغذية والمشروبات لهم بالإضافة الى وسائل النقل التى كانت تقوم بتوصيلهم مجانا كما تم توفير جميع الأطباء والأدوية اللازمة بمستشفى السلوم والمستشفيين الميدانيين اعلى الهضبة وتم خلالها علاج 12 الفا و554، كما تم عمل جميع مخابز السلوم خلال ال24 الساعة يوميا دون اى راحة لتوفير الخبز للعائدين.