مع أن النظام الدستوري المصري من أقدم الأنظمة في الشرق الأوسط وكان المفترض فيه تاريخيا أن يتطور مع الزمن ووفقا للمتغيرات ويحقق الديمقراطية للشعب، إلا أن الدستور المصري كان يسير عكس قاعدة التطور والنضج خاصة آخر الدساتير وهو دستور 1971، الذي عطل المجلس الأعلى للقوات المسلحة العمل به وحتى حين. كان كلما تقدم به الزمن أدخلت عليه تعديلات تكرس للديكتاتورية لا للديمقراطية التى وضع من أجلها. وتاريخيا صدر أول دستور مصري في عام 1882 بعد نضال شعبي لمدة 77 عاما من أجل إصدار هذا الدستور في عهد الخديو توفيق وألغاه الاحتلال الإنجليزي حتى صدر دستور سنة 1923 وظل قائما حتى ألغي عام 1930 وجاء دستور 30 الأسوأ في تاريخ الدساتير، ولكن في عام 1932 عاد العمل بدستور 1923 واستمر حتى ثورة 23 يوليو 1952، حيث تم عمل لجنة لإنشاء دستور جديد صدر في 1956، وبعدها أعلن دستور الوحدة في 1958 بعد وحدة مصر مع سوريا وسقط في عام 1964 بعد انتهاء الوحدة بين مصر وسوريا بأكثر من ثلاث سنوات، وفي 11 سيتمبر 1971 تم إعلان الدستور المعمول به في مصر منذ ثلاثين عاما وعطله المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تنحي مبارك بإرادة الشعب الثائر في 25 يناير. ودستور 1971 المعطل بقرار الشعب والمنطوق به على لسان القوات المسلحة ثار حوله الكثير من المشاكل ورغبت جميع طوائف الشعب في إلغائه إلا أن النظام الحاكم - سواء السابق أو الأسبق- دائما ما كان يتحايل على المطالب الشعبية ويواجهها بالقوة أحيانا كثيرة ولكن تم تعديل هذا الدستور في 30 أبريل عام 1980 بقرار من مجلس الشعب في 20 أبريل 1980. وحدث تعديل ثان على دستور 1971 في عام 2005 بهدف تنظيم عملية انتخاب رئيس الجمهورية بانتخابات مباشرة، فيما عرف بتعديل المادة 76 والتي جرت على أثرها أول انتخابات رئاسية في مصر انتهت باستمرار مبارك في رئاسة مصر أيضا ونتجت عنها أيضا محاكمة أيمن نور وهو ممن نافسوه في تلك الانتخابات بتهمة تزوير توكيلات من أعضاء حزب الغد الذي كان يرأسه نور. وحسب التعديل الذي تم على المادة 76 من الدستور المعطل ظل يضيق نطاق المنافسة الشريفة وكان يسمح فقط لعدد محدود من المرشحين بخوض انتخابات الرئاسة التي كانت ستتم في سبتمبر المقبل لو لم تنجح ثورة 25 يناير في الإطاحة بمبارك الذي كان يرجح كل رجال نظامه ترشحه لولاية جديدة من الرئاسة أو على الأقل الدفع بابنه جمال لتلك الانتخابات. وكانت تشترط المادة 76 المعدلة أن يكون مرشح الرئاسة عضوا بحزب سياسي شرعي وبالتالي كانت ستقتصر المنافسة المقبلة على أحد المرشحين من الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يرأسه مبارك ومرشحون آخرون من عدد قليل من الأحزاب المعترف بها والتي طالما حسبها الشعب أحزابا فرعية من الحزب الحاكم، كما أنها ضعيفة لا تقوى على منافسة الحزب الوطني ولم تفلح في إحداث تغييرات سياسة في الواقع المصري حتى كشفها الشعب وأحدث تغييراته بنفسه. وكان يرد نظام مبارك على اعتراضات المعارضة على تلك العقبات والتعديلات الوهمية بأن التعديل يسمح أيضا للمستقلين بالترشح لانتخابات الرئاسة ولكن بشرط الحصول على موافقة 250 عضوا منتخبا بينهم 65 من أعضاء مجلس الشعب الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم بل وأخذ مقاعده بالكامل في الانتخابات البرلمانية السابقة التي وصفت بالمزروة، وبقية الأعضاء من المجالس المحلية التي كانت انتخاباتها أشبه بالتعيينات وكان يرتع فيها الفساد. ووصف المعارضون هذا التعديل بأنه يضع شروطا تعجيزية أمام من يريد الترشح للرئاسة. أيضا أغلق الباب أمام الطعون القضائية أو الطعن بعدم الدستورية لكونه يتصادم مع نصوص أخرى في الدستور، مما دعى المعارضة إلى وصف هذا التعديل - الذي طنطن الحزب الحاكم – بنكسة 76 الدستورية في إشارة إلى نكسة 67 التي هزمت فيها مصر في حربها مع إسرائيل، وكانت المطالب دائما بتعديل يتيح لأي مصري تتوافر فيه أهلية الترشيح أن يترشح عبر لجنة مستقلة. ويمنح دستور 1971 الترشح لعدد غير محدود الفترات وفقا للمادة 77 المعدلة ، وكان مبارك قبل تنحيه في فترة رئاسته الخامسة والاتجاه في الحزب الحاكم كان دائما باتجاه ترشحه لفترة سادسة، ولذا ظن الرئيس أنه سيهدئ من روع الثائرين في 25 يناير بمجرد إعلانه أنه لم يكن ينتوي ترشيح نفسه لفترة رئاسية مقبلة ويريد فقط إكمال مدته الحالية، ولم يصل إليه أن الشعب كان يرى مدته الخامسة باطلة من الأساس وليس له الحق حتى في إكمالها. كانت المعارضة تطالب دائما بتحديد فترات حكم الرئيس بفترتين فقط كما هى الحال في الكثير من الدول الديمقراطية، كما اقترحت العودة إلى النص الأصلي للمادة 77 مع تخفيض مدة الرئاسة إلى أربع أو خمس سنوات بحد أقصى، لأن التمسك بالإبقاء على نص المادة 77 في صياغته الأخيرة كان يعني عدم وجود حد أقصى لعدد مرات انتخاب رئيس الجمهورية بصورة متصلة. وفي 26 مارس 2007 جرى استفتاء بموجبه عُدل الدستور مرة أخرى، وشملت التعديلات حذف الإشارات إلى النظام الاشتراكي للدولة، ووضع الأساس الدستوري لقانون الإرهاب وفقا للمادة 179 وهذه المادة التي كثيرا ما أثارت الاعتراضات والرعب بين المصريين في ظل ارتباطها بالمحاكمات وسلطة رئيس الدولة في إحالة مرتكب أي جريمة لها علاقة بتهديد أمن الدولة إلى المحكمة التي يراها وأكثر المعترضين كانت جماعة الإخوان.. حيث أحيل عدد من رموزها إلى المحاكم العسكرية في جرائم مدنية رفعت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام تقارير عنها باعتبارها تهدد أمن الدولة، وتلك المادة التي قرر الرئيس مبارك إلغاءها في خطابه الثالث خلال ثورة 25 يناير لكنها لم ترض الشعب الذي أسقط الرئيس لبتخلص من الدستور كاملا. وطالبت المعارضة أيضا بتعديلات دستورية تمنع تزوير الانتخابات الذي استشرى في عروق أعضاء الحزب الوطني بشكل فج وطالبت بإعادة الإشراف القضائي على الانتخابات بعد إلغائه من الدستور في عام 2007 نظرا لأن هذا الإشراف الذي طبق لأول مرة في 2005 على الانتخابات البرلمانية مكن الإخوان المحظورين قانونا من الفوز ب88 مقعدا بمجلس الشعب مما أرعب الحزب الحاكم وسعى من خلال أغلبيته في المجلس إلى إلغاء الرقابة القضائية، وطالبت المعارضة أيضا بإعادة هيكلة لجنة الانتخابات الرئاسية التي كانت تشكل دائما لصالح من يسيطر على البرلمان وفقا للمادة 76 من الدستور. واستكمالا لتلك التعديلات المطلوبة طالبت المعارضة أيضا بإلغاء المبدأ الذي تقره المادة 93 وكان يعطي للبرلمان وحده حق الفصل في صحة عضوية النواب، وكان معروفا بالمبدأ الساخر على لسان الشعب المصري ب" سيد قراره"، نظرا لاستغلال أغلبية الحزب الوطني في البرلمان تلك المادة في تجاهل أحكام القضاء التي تبطل النتائج في بعض الداوئر وتمكين أعضاء الحزب الفاسدين من الإفلات من أيدي العدالة. كما طالبت المعارضة المصرية وعلى رأسها الإخوان المسلمون بإلغاء القيود التي كانت تفرضها المادة 5 على تأسيس الأحزاب السياسية، وكانت تمنح الحزب الحاكم بالفعل سلطة الاعتراض على تشكيل أحزاب جديدة من خلال أمينه العام الذي كان يرأس لجنة تشكيل الأحزاب بمجلس الشورى، أي أنه كان الخصم والحكم في نفس الوقت، وطالب الإخوان بشكل خاص بإلغاء الحظر الذي تفرضه تلك المادة على تشكيل الأحزاب على أساس ديني. وخلال الفترة الزمنية (ثورة 25 يناير) نشأت أزمة بشأن المادة 82 من الدستور، حيث استخدمها النظام الحاكم كعذر لرفض تنحي مبارك لأن هذه المادة تنص على أنه "إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه.. ولا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة الوزراء. لذا كان نظام مبارك ينفي تماما رغبته في السلطة ولكن كان يرى إصراره على البقاء حتى نهاية فترته إنما من منطلق وطني لإجراء التعديلات الدستورية المطلوبة وتحقيق رغبات الجماهير وشكل لهذا لجنة دستورية من فقهاء القانون للتدليل على صدق هذا التبرير وأن مبارك لو ترك البلاد سيحدث فراغ دستوري يحول دون تحقيق مطالب الشعب في تعديل الدستور، إلا أن الشعب لم يصدق أبدا أن النظام الذي أنتج تعديلات دستورية صنعت تلك العقبات يمكن أن يقدم تعديلات جديدة تكشف العوار الدستوري الذي حكم به هذا النظام لمدة 30 عاما، فقرر الشعب إسقاط الرئيس ونطق الجيش بلسان الشعب "الدستور معطل".