لا يكاد مصري واحد يملك تصورًا واضحًا عما قد تؤول إليه الأحداث في 30 يونيو الجاري، وإن كان الجميع يتمنون أن تمر دون دماء، بخاصة أن المصريين بذلوا الكثير من الدماء منذ بداية ثورة 25 يناير. وفيما يتوقع البعض أن تكون التظاهرات، التي من المقرر تنظيمها في هذا اليوم بالتزامن مع مرور عام على تولي الرئيس المصري محمد مرسي الحكم، وقفة صارخة لتصحيح مسار الثورة، يرى آخرون من بينهم رئيس الوزراء هشام قنديل، أنها لن تكون سوى واحدة من دعوات سابقة لتنظيم مليونيات كان يتم تصويرها على أنها ثورة. ورغم أن هناك شبه إجماع بين بعض مؤيدي مرسي ومعارضيه على أن الأمور لم تسر وفق ما كانوا يتوقعون ويأملون بعد تولي مرسي الحكم، إلا أن المؤيدين يسعون دائمًا لتأكيد أن الفساد الذي تراكم عبر عقود لا يمكن تطهيره في عام واحد، وأن مرسي أنقذ البلد من الانهيار في ظل ما تشهده من توترات متكررة. أما المعارضون، فيرون أن مرسي خلال هذا العام أثبت أنه لا يمتلك أي مهارة في القيادة، وأنه فشل في اختيار بطانته تمامًا، كما كان الحال مع الرئيس السابق حسني مبارك، وأنه أظهر تفردًا بالسلطة، وفشل في إقناعهم بالمؤامرات التي لطالما تحدث عنها، وكانت في بعض الأحيان سببًا في اتخاذ قرارات أعادت البلاد إلى الوراء، على حد قولهم. وبينما تشير استطلاعات الرأي إلى أن الرئيس فقد الكثير من شعبيته على مدى العام الماضي، فإن المعارضة هي الأخرى لم تقنع المصريين، بخاصة أن كثيرًا من رموزها أظهر رفضًا لمرسي حتى قبل أن يتولى مهامه، وهو ما يعني أن أي انتقاد منهم للرئيس أمر مطعون في مصداقيته. وفي ظل هذه الظروف -وكما هي عادة الشباب المصري، فقد تفتقت حيلته عن جمع توقيعات تعكس خيبة الأمل الشعبية، وتؤكد أنه قد يكون من الحكمة البحث عن قائد جديد في هذه المرحلة. وربما هذا ما يفسر الالتفاف الجماهيري الذي حظيت به حركة "تمرد" التي أعلنت أخيرًا أنها جمعت أكثر من 15 مليون توقيع يطالب أصحابها مرسي بإجراء انتخابات مبكرة، وكنوع من الثقة خاطبت حملة تمرد وزارة الخارجية للقيام بدورها فى التواصل مع الولاياتالمتحدة، وإيفاد بعثة قانونية دولية لمتابعة فرز الاستمارات التي قامت بجمع التوقيعات عليها. وفي المقابل أعلنت حملة "تجرد" التي تجمع توقيعات مؤيدة للرئيس أنها جمعت 13 مليون توقيع. ويقول ماجد عثمان رئيس مركز "بصيرة" لبحوث الرأي إن شعبية مرسي بدأت قوية، حيث أعرب 77% -قي إحد استطلاعات الرأي في بداية توليه المنصب- عن استعدادهم لانتخاب مرسي ثانية، ثم انخفضت النسبة إلى 66% نهاية الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه؛ لتصل إلى أدنى مستوى عند 30% نهاية مايو الماضي، مشيرًا في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية إلى أن 54% يؤيدون إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وخلال الأسابيع الماضية، توقع البعض من غير المسيسيين أن يستبق الرئيس هذا اليوم بإجراءات تنزع فتيل الغضب، ولكن المفاجأة كانت إعلان حركة محافظين تضمنت 17 محافظًا من بينهم سبعة من الإخوان المسلمين، وواحد من الجماعة الإسلامية لمحافظة الأقصر، وإن كان هذا المحافظ قد استقال استجابة للضغط الشعبي الرافض له.. كما يرى بعض المعارضين أن دعوة وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي إلى "إيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها" قد تجاوزها الزمن. ونظم أنصار الرئيس يوم الجمعة الماضي تظاهرة حاشدة "دعمًا للشرعية ورفضًا للعنف"، وبدل أن يؤكد المتحدثون فيها أسباب دفاعهم ودعمهم للرئيس، توعد بعضهم بسحق المتظاهرين في 30 يونيو، وتباهى آخرون بأن معظم المشاركين في تظاهرة الجمعة من المتوضئين، بينما "معظم المعارضين من السكارى". ورغم انتقاد المعتدلين من هذا التيار لكثير مما قيل على المنصة، التي أفرد التليفزيون الحكومي ساعات من بثه لها، إلا أن الرئيس أشاد بها في اليوم التالي، وقال :"يعيش المصريون لحظة جديدة من عمر ثورة 25 يناير المجيدة، يحمون فيها ثورتهم بإصرار، بحيث لا يمكن السماح بعودة عقارب الساعة إلى الوراء". ومع اقتراب يوم الثلاثين من يونيو، تحدثت تقارير عن ارتفاع معدلات سحب النقود من البنوك، كما لاحظ كثيرون إقبالا على شراء السلع خشية إغلاق المتاجر إذا تطورت الأحداث، وإن كان آخرون قد أكدوا أنه لا يمكن ربط الأمرين بصورة دقيقة، خاصة أن المظاهرات تسبق بأيام بداية شهر رمضان الكريم، وهو عادة ما يكون موسمًا لشراء المواد الغذائية. وتفاوتت التوقعات بصورة كبيرة، فتوقع هادي (موظف قطاع خاص-37 عامًا) أن تكون التظاهرات حاشدة، وأن تتمسك المعارضة بالسلمية لأقصى درجة؛ حتى لا تفقد المزيد من رصيدها لدى الناس، ولكنه توقع ألا تؤدي في النهاية إلى أي تغيير يذكر وأن الرئيس وحزبه لن يقدموا أي تنازلات. أما حسام (موظف حكومي - 36 عامًا) فقال لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) :"لقد منحنا المدنيين فرصتهم الكاملة طيلة ستة عقود"، وقال إنه يخشى من أنه "إذا لم يكمل مرسي فترته، فإن المصريين سيعتادون على هذا، وهو ما يعني أن أي رئيس لن يمتلك فرصة كاملة لتحقيق ما يعد به الشعب". ويرى سامي (عامل بأحد المكاتب - 50 عامًا) أن من ينزلون للشوارع مخطئون، ولا يشعرون بمعاناة البسطاء الذين يكسبون قوتهم يومًا بيوم، ويقول :"خرجوا من قبل وأسقطوا مبارك؛ لأنه كان سيئًا فجاءنا من هو أسوأ منه، ومن سيأتي بعد مرسي قد يكون أسوأ منهما". ورأى أن من يخرجون معظمهم من الطلبة الذين يتقاضون مصروفهم من آبائهم، أو الموظفين الذين يعملون في وظائف ثابتة، ولذلك فإنهم لن يتضرروا "من وقف الحال". وفي المقابل تتوقع نعمة (تعمل في مجال السياحة - 24 عامًا)، أن يشهد يوم 30 يونيو مظاهرات حاشدة وعصيانا مدنيًا يستمر لعدة أيام أو أسابيع حتى تحقيق مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقالت: "إذا كان لديه (مرسي) خطط حقيقية للإصلاح لكنا رأينا بوادرها خلال عام من حكمه، لكن لم نر إلا ترديًا تامًا في كل القطاعات .. لا يمكن أن نقف متفرجين على هذا الانهيار بحجة أن الرئيس لم يكمل مدته، فالشعب هو صاحب الشرعية العليا في هذا البلد، وسيقول كلمته يوم 30 يونيو". وتساءل أحمد (مهندس- 33 عامًا) عن إنجازات مرسي في 365 يومًا، فيقول :"يكرر أنصاره أن أهم إنجازاته تخليص مصر من الحكم العسكري، ولكنهم لا يتحدثون عن مقتل 17 جنديًا مصريًا على الحدود قبلها بأيام.. وتنشر الرئاسة أرقامًا تشير إلى تحسن الاقتصاد خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الحالي ويقارنونها بنفس الفترة من العام 2011/2012.. كيف يقارنون بيانات اقتصادية في ظل رئيس منتخب كانت الكثير من الكيانات الاقتصادية العالمية تنتظر وصوله لتعاود أنشطتها في مختلف القطاعات في مصر، وأوضاع ما بعد الثورة بستة أشهر.. الأجدر بهم أن يقارنوها بآخر بيانات في عهد مبارك". ويضيف :"الاحتياطيات النقدية بلغت في مايو 4ر16 مليار دولار، برغم المساعدات العربية، والبطالة ارتفعت إلى 2ر13% خلال الربع الأول مقابل 1ر9 في الربع الأول من عام 2010". ويقول ياسر (طبيب - 40 عامًا): "يتحدثون دومًا عن علاقاتنا الخارجية، أنظروا إلى ما فعلت عشيرة الرئيس في علاقاتنا مع دول الخليج، ما عدا قطر بالطبع، دون مراعاة تأثير ذلك على مئات الآلاف من المصريين العاملين فيها، وإثيوبيا طعنتنا في ظهرنا، وردنا عليها كان هذا الحوار السري العلني المثير للسخرية". ويتساءل: "ماذا يعني تأكيد مرسي في روسيا، الداعم القوي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، عن أن وجهات النظر قريبة جدًا فيما يتعلق بالأزمة السورية، ثم يقطع العلاقات مع النظام السوري بسبب العنف الدائر هناك"، ويضيف :"العنف دائر منذ عامين ونصف العام.. ثم إن حملة القصير المدعومة من حزب الله بدأت في 19 مايو، بينما قطع الرئيس العلاقات في 15 يونيو، وبعد أيام من انتهاء العملية". وتقول سناء (معلمة- 56 عامًا): "مرسي منذ أيام حكمه الأولى فتح أبواب المواجهات مع الجميع.. وبرغم أني شخصيًا أعجبت بأدائه خلال جولاته الخارجية الأولى، خاصة زيارته لإيران، إلا أنه وقبل تمام خمسة أشهر على حكمه أصدر هذا الإعلان الدستوري الذي بدأت من ساعته كل الأمور تسير في (منحدر الصعود)". وأضافت سناء: "سئمنا من تبرير الأزمات واتهام الفلول بالوقوف وراءها.. من كان لديه دليل على أي أصابع فليلاحقها ويريحنا. عانيت في الفترة الماضية كثيرًا من أزمة انقطاع التيار الكهربي؛ لأن ابنتي في الثانوية العامة، برغم أني التزمت النصائح الذهبية من أمثال ارتداء الملابس القطنية والجلوس في غرفة واحدة وعدم تشغيل الغسالات الأتوماتيكية في أوقات الذروة". ويبدو أن حالة الانقسام بين المصريين لن تنتهي قريبًا وأن تصنيفات مثل "مؤيد أم معارض" و"نازل ومش نازل" و"إسلامي أم ليبرالي" ستظل معنا خلال الفترة المقبلة، وإن زادت عليها بعض التصنيفات مثل "مسلم أم كافر" و"إجازة يوم 30 يونيو أم ذاهب للعمل؟.!