قال مستثمرون ومحللون في قطاع الزراعة في مصر، إن إقدام إثيوبيا على بناء سد على نهر النيل سيربك خريطة الاستثمارات الزراعية في مصر "دولة المصب"، ويؤثر سلبا على مشروعات البلاد التوسعية في هذا المجال، وصادراتها من الحاصلات، بسبب تراجع حصتها من مياه النهر. وبدأت إثيوبيا في تحويل مجرى قطاع من النيل يوم الثلاثاء الماضي حتى يتسنى إنشاء سد للطاقة الكهرومائية يثير قلق دول المصب التي تعتمد على أطول نهر في العالم في الحصول على المياه. وقال عادل بركات، العضو المنتدب لشركة شمال الصعيد للمحاصيل الزراعية، إن أي مساس بمياه نهر النيل لن يؤدي فقط إلى تأثر إنتاجنا، بل سيؤدي إلى توقف النشاط وإفلاس الشركات العاملة فى مجال الزراعة في مصر. وأضاف بركات :" نقص منسوب مياه النيل سيغير حتما خريطة الاستثمارات الزراعية في مصر، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل الإستراتيجية مثل القصب والأرز التي إلى مياه كثيفة، ما يعنى موت هذه الزراعات لو نقصت المياه". وتبلغ حصة مصر من مياه النيل نحو 55.5 مليار متر مكعب سنويا، بموجب اتفاق عام 1929، فيما تحتاج مصر 21 مليون متر مكعب إضافية من المياه سنويا بحلول عام 2050 للوفاء باحتياجات سكانها المتزايدة.لكن مع إقدام إثيوبيا الواقعة في منطقة القرن الإفريقى على بناء سد للطاقة الكهرومائية، يتوقع أن تتراجع حصة مصر الحالية بما يتراوح بين 10 و12 مليار متر مكعب سنويا من المياه. وقال شريف الجبلي، عضو مجلس إدارة الشركة الدولية للمحاصيل الزراعية :" وفقا للتقارير والتحليلات التى خرجت حتى الآن، فإن النقص المتوقع في إمدادت المياه سيؤدي إلى تصحر نحو مليوني فدان فى مصر، وهي تمثل خمس المساحة المزروعة .. حدوث ذلك يعني أنه سيكون هناك كارثة غذائية".وأضاف الجبلي في اتصال هاتفي للأناضول أن البديل الوحيد لتلافي آثار نقص مياه النيل هو التوجه لمشروعات تحلية المياه البحرية مثل الدول الصحراوية، ولكنها تحتاج إلى ميزانيات ضخمة تتكلف مليارات الجنيهات وسيؤدي حتما إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وموجة غلاء غير مسبوقة فى الأسعار. وتعتمد مصر على الزراعة في تشغيل عدد كبير من القوى العاملة، كما بلغت صادراتها الزراعية نحو 10.2 مليار جنيه بنهاية العام 2012، من إجمالي صادرات مصر البالغة 132 مليار جنيه، حسب بيانات وزارة الصناعة والتجارية الخارجية المصرية. وقال حسام الشنشوري مستثمر زراعي :" نعاني بالأساس في الفترة الأخيرة من أزمة نقص مياه الري منذ فترة، وبناء السد الإثيوبي سينذر بكارثة".وأضاف الشنشوري صاحب الشركة المصرية السويسرية للاستثمار الزراعي، أن شركته تمتلك 1650 فدانا زراعيا ستكون مهددة بالبوار إذا تقلصت كميات المياه الواردة إلى مصر. وأضاف :" المستثمرون الزراعيون اضطروا خلال السنوات الماضية لزراعة المحاصيل التي تتطلب كميات قليلة من المياه .. فكيف سيكون حالنا إذا استمر تراجع حصة مصر من المياه".وقال الشنشوي :" اضطررنا إلى حفر آبار في المناطق الصحراوية التي لا تصلها مياه النهر لزراعة الأراضي المستصلحة على عمق 85 مترا من سطح الأرض ما ينذر بقرب نضوب تلك المياه".وأضاف :"جمعيات المستثمرين الزراعيين والمنظمات الأهلية تجري اتصالات حاليا مع كافة الجهات الرسمية لبحث الأزمة". وقال ايهاب فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في مؤتمر صحفي أمس الخميس، إن مصر لا تسمح بالمساس بحصتها المائية، وأنها لا ترفض أو تعارض أي أعمال تنموية في إفريقيا طالما لن تؤثر علي الأمن القومي المصري.واستبقت إثيوبيا، نتائج تقرير لجنة ثلاثية دولية، لتقييم تأثير سد النهضة الإثيوبي على تدفق مياه النيل، من خلال تحويل مجرى قطاع من النيل يوم الثلاثاء الماضي.ومن المنتظر أن تعلن اللجنة التي تضم خبراء من إثيوبيا ومصر والسودان نتائج أعمالها خلال الأسبوعين المقبلين. ورفض السفير الإثيوبي في القاهرة، محمود درير التعليق على مخاوف المستثمرين الزراعيين في مصر من بناء سد النهضة في بلاده. وقال أيمن نبيل رئيس شركة إكسبو للاستثمار الزراعي :" عمليات استصلاح الأراضي في مصر شهدت توسعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، لكنها تبطائت قليلا بعد ثورة يناير 2011".وبحسب بيانات رسمية، تراجعت مساحة الأراضي المزروعة خلال عام 2011 لأول مرة منذ ثمان سنوات، حيث بلغت 8 ملايين و619 ألف فدان مقابل 8 ملايين و741 ألفا في عام 2010، أي بانخفاض 122 ألف فدان في مساحة الرقعة الزراعية". ويرجع خبراء التراجع إلى زيادة عمليات البناء المخالف على حسب الأرض الزراعية وتبوير أراض أخرى لضعف إنتاجيتها. وقال نادر نور الدين، أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، "بالتأكيد مخاوف المستثمرين الزراعيين في محلها لأن كميات مصر من المياه ستتراجع بشدة".وأضاف نور الدين أن البحيرة التي ستتكون خلف سد النهضة في إثيوبيا سعتها 75 مليار متر مكعب، وإذا تم بناؤها خلال 3 سنوات فستفقد مصر والسودان 25 مليار متر مكعب سنويا من حصتيهما من مياه النيل.وقال :" في أحسن الأحوال ستتراجع حصة مصر بكمية تتراوح 10 و12 مليار متر مكعب سنويا ما يعني أن مليوني فدان زراعية في مصر ستكون مهددة بالبوار". وقال مسئول في مجموعة وليد بن طلال التي تمتلك شركة المملكة القابضة وتستثمر في القطاع الزراعي بمنطقة توشكى جنوب مصر :" قلقون على خريطة استثمارات الشركة من إنشاء سد إثيوبيا، لاسيما أن مشكلة نقص المياه تهدد حاليا مشروعاتنا".وأضاف المسئول الذي طلب عدم ذكر اسمه :" الشركة تعكف حاليا على عقد اجتماعات لبحث تطور الأمر، لكن لا يزال الأمر مبكرا للتخوف من السد الإثيوبي". ويثير السد الإثيوبي قلق دول المصب، لاسيما مصر، التي تعتمد علي أطول نهر في العالم في الحصول علي المياه.ووضعت إثيوبيا خططا لاستثمار أكثر من 12 مليار دولار لاستغلال الأنهار التي تجري عبر هضابها الوعرة لتصبح أكبر مصدر للكهرباء في إفريقيا.