أجمع المتحّدثون في الجلسة الثالثة من منتدى الدوحة، والتي عقدت اليوم الثلاثاء لمناقشة التحديات التي تواجه الديمقراطيات الجديدة في العالم العربي، أنه قد تكون هناك حاجة لتقديم الدعم بأشكاله المختلفة بما فيه المالي إلى بعض الدول لوقفها عن الانحدار نحو حالة اللادولة، ومنع دفعها للعودة مجدداً إلى نظام الحزب الواحد الذي أسقطته ثورات الربيع العربي. وقالت منى يعقوبيان، مديرة مشروع الشرق الأوسط في مركز ستيمسون، إن "المنطقة عالقة بين تحوّل تاريخي وبين حافة انهيار الثورة وفشلها"، مضيفة: "ربما من الإنصاف القول إن الوقت ليس في صالح التغيّرات العربية، فما أحدثته هذه التحركات من عدم استقرار فاقم من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتي كانت بالأساس سبباً رئيسياً لاندلاع التحركات والاحتجاجات الشبابية". واقترحت "خطة مارشال عربية" تحاكي الخطوط الاستراتيجية التي اعتمدت في إعادة إعمار أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث رأت أن "هناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه من خطة مارشال كمثال ناجح للانتقال الإقليمي"، وأن العالم العربي يعتبر أحد أقل المناطق وحدةً واندماجاً في العالم. وأضافت أن التنمية الاقتصادية الإقليمية كانت أحد أبرز معالم خطة مارشال، وظهر ذلك بالعديد من الأوجه، حيث ركّزت الخطة على العلاقات التجارية عبر القارة، وهذا المنطق نفسه ينطبق على العالم العربي، فدول المغرب العربي لا يتجاوز حجم تجارتها البينية نسبة 3% على سبيل المثال، مما يعكس حجم الفرص الهائلة غير المستغلّة. وأوضحت ان الوحدة الاقتصادية الإقليمية قد تغيّر جوهرياً من قواعد اللعبة، فهي ستجمع كتلة سكانية تعدادها 300-350 مليون نسمة، وبالتالي ستجذب استثمارات، وتمكّن الأعمال الصغيرة من النمو والتوسّع، كما ستساعد على تعزيز الاستقرار في المنطقة". ورأت أن دول الخليج هي المرشح الرئيسي لتمويل مثل هذا المشروع، قائلة: "تمّ تمويل خطة مارشال بتدفقات هائلة من الدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية، أما اليوم، فلا يمكن توقّع أن تقوم الولاياتالمتحدةالأمريكية أو أوروبا بذلك؛ بالمقابل، فإن دول الخليج هي في موقع يسمح لها بالمساعدة، فهي تمتلك ثروات طبيعية ضخمة". من جهتها، أكّدت روبن رايت، الباحثة في مركز وودرو ولسون الدولي، الحاجة إلى تحرّك عاجل لضمان انتقال ديمقراطي، ولكنها أبدت قلقاً من تكرار "النموذج الفنزويلي" حيث "الانتخاب الديمقراطي للرجال الأقوياء ليتعاملوا مع القضايا الأبرز". وأضافت: السرّ المؤلم والصغير بشأن الانتقال، هو أن الفساد يتجذّر ويتوسّع، حيث أخبرني أحد المسئولين الكبار في ليبيا إنه في عهد القذافي كان لدينا "قذافي" واحد، أما اليوم فهناك 6.5 مليون "قذافي". وتابعت: "لقد انتشرت الديمقراطية إلى حدود أبعد من القدرة على التحمّل. ففي ليبيا هناك 200 مقعد في البرلمان، 120 منهم مخصصون للأفراد، ترشح في الانتخابات لهذه المقاعد أكثر من ثلاثة آلاف مرشح؛ في حين تنافس أكثر من مئة وثلاثون حزباً على المقاعد الثمانين الأخرى والمخصصة للأحزاب. وهذا ليس أمراً محمولاً على المدى البعيد". كما أكّد عبدالعزيز بن عثمان بن صقر من السعودية، رئيس مركز الخليج للأبحاث، على تصريحات رايت، محذّراً من الخطر الذي قد يتمثّل في تحوّل النخب الجديدة التي برزت ما بعد الربيع العربي إلى نسخٍ عن الأنظمة القديمة لكن بمظهر ديمقراطي مخادع. وقال صقر إن النخب الحاكمة ستحاول أن تدخل تغييرات على الديمقراطية الحالية وتغيّرها تدريجيًا بحيث تعود وتصبح أنظمة ديكتاتورية، ويجب علينا أن نتذكر دائماً أن جميع الانظمة التي تمت الإطاحة بها في المنطقة، من مثل نظام بن علي في تونس، ومبارك بمصر، والقذافي بليبيا، وصالح في اليمن، كانت استخدمت آليات ديمقراطية بحد ذاتها، من مثل الاستفتاءات والانتخابات والبرلمانات". وأضاف صقر: "إن هذا التغيير تمّ فرضه من قبل ضغوط خارجية، ولم يكن الخيار الطوعي لهذه القيادات والقوى الجديدة من مثل الإخوان المسلمين في مصر مثلاً. فالديمقراطية الغربية ليست خيارهم الطبيعي، بل حقيقةً، إن إيديولوجياتهم تشير دائماً إلى الديمقراطية الإسلامية وليس الديمقراطية بمعيارية غربية". ورفض فكرة أن دول الخليج عارضت الربيع العربي أو الاحتجاجات والثورات العربية، قائلاً إنها كانت من أوائل من عرضوا وقدموا المساعدة المالية لمصر واعترفوا بالتغييرات التي حصلت. أمّا مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السابق للحكومة الإسلامية في السودان، فقال إن بعض الدول العربية لديها خوف مبالغ به من الحركات الإسلامية، وخاصة الإخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس. وأوضح: "تخشى بعض الدول من تسونامي إسلامي في المنطقة، ما هو مستقبل أنظمة الربيع العربي في المنطقة؟ إن ذلك يعتمد على قدرتها على إدارة الدولة، وتحقيق المشاركة السياسية والديمقراطية، والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، والأمن، والحد الأدنى من الخدمات المعيشية. ونبّه السفير سيزاريو ميلانطونيو نيتو، ممثل البرازيل لشئون الشرق الأوسط، بنبرةٍ من الأمل، إلى أنه على الشعوب أن تصبر قليلاً. وتابع: التغير يستغرق وقتاً، لقد عشنا حكم العديد من الديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية، في البرازيل، استغرقت صياغة الدستور فقط ثلاث سنوات بين عامي 1985-88، واستغرقت عشر سنوات أخرى لبناء وزارة جديدة للدفاع مع إخضاع المؤسسة العسكرية للإدارة المدنية للدولة"، مضيفًا: "إذن فإن ما نحتاجه هو إعطاء فرصة إضافية للديمقراطية، والتحلّي بالصبر، حتى وإن كانت هناك تحديات اقتصادية واجتماعية ضخمة".