بدأ البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقيسة زيارة يمكن وصفها بالتاريخية لمقر الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، تنهي جفاء أربعين عامًا بين الكنيستين. وفق الجدول المعلن للزيارة واللقاءات التي سيعقدها البابا والتي تشمل لقاء مع بابا الفاتيكان فرانسيس والكاردينال كيرت جوخ رئيس المجلس الباباوي لتعزيز وحدة المسيحيين، فإننا أمام محاولة جادة لتوحيد الصف المسيحي وتحديدًا الكنائس الثلاث الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية. وكانت زيارة الكاردينال ساندري في يناير الماضي قد مهدت لتلك الزيارة بعد لقائه البابا تواضروس في دير الأنبا بيشوي. وكانت آخر زيارة مماثلة في 14 مايو عام 1973 حينما زار البابا الراحل شنودة الثالث الكرسي الرسولي بالفاتيكان والتقي البابا يوحنا بولس السادس، وخلالها استعادت مصر رفات القديس أثناسيوس خلال الاحتفال بالذكري الألف وستمائة لنياحة هذا القديس، بالإضافة إلى إطلاق حوار مشترك بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، إلا أن الخلافات واتهامات التبشير المتبادلة أساءت لهذا الحوار وأوجدت فجوة كبيرة بينهما، بلغت مدها في رفض استقبال البابا شنودة البابا بوليس الثاني خلال زيارته لمصر قبل سنوات. حول تلك الزيارة ومدلولاتها، قال القس أندريه زكي نائب رئيس الطائفة الإنجيلية إن الزيارة بمثابة جزءمن العلاقات المسيحية عبر العالم، فاللقاء في حد ذاته جيد وفي مرحلة دقيقة يمر بها الربيع العربي. مضيفًا أن الزيارة تستهدف الدعم والتواصل الديني بين الكنيستين، وأن توقيت الزيارة ليس له علاقة بالسياسة كما يشاع. فيما أوضح شريف دوس رئيس هيئة الأقباط العامة أن الزيارة هدفها التفاهم والتقارب وإبداء الآراء والعمل علي إزالة أي حساسية أو سوء تفاهم الناجم عن بعض الآراء القديمة أو الجديدة معتبرًا أن زيارة دولة الفاتيكان محطة مهمة في العالم والمسيحية وأن الكنيسة المصرية هي أقدم كنائس العالم ولابد من التلاقي بينهما، لكون وضعية الكنيسة المصرية مهمة داخل المسيحية، والكثير من طقوس المسيحية تأتي من هنا. أضف لذلك أن مصر أول من أنشأت نظام الرهبنة، مشيرًا إلي وجود كنيسة أبو سرجة التي احتمي بها السيد المسيح عدة أسابيع من أعدائه. وصُف استقبال البابا شنودة في الفاتيكان عام 1973 بأنه يكاد يرقي لاستقبال رئيس دولة. ويري دوس أن فكر البابا تواضروس يتضمن التلاقي و التحابي مع جميع الأديان بالعالم، وأن الكنيسة الكاثوليكية تعتبر الكنيسة الأم للكثير مسيحيي العالم، مؤكدًا في نفس الوقت أن لقاء البابا تواضروس ببابا الفاتيكان هدفه الرئيس محاولة إزالة أي سحب سوداء قائمة بين المسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس، وإيجاد علاقات حسنة بين رؤساء الكنائس موضحا أن الزيارة ليست لها أهداف سياسية، بسبب الأوضاع داخل مصر. فيما يختلف معهما المستشار ممدوح رمزي عضو مجلس الشورى، الذي قال إن الزيارة تحمل أكثر من معني، فهي زيارة روحية وسياسية في نفس الوقت، وتوقيتها أتى والأقليات المسيحية في الشرق الأوسط تعاني الكثير من المشكلات بسبب حالة الاضطرابات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة، وأنها تدل علي وجود تقارب بين الكنائس في العالم. واشار إلي أن العالم يراقب الربيع العربي الذي تحول حسب وصفه إلي وضع خاطئ بعيدًا عن الأهداف التي سعت إليها تلك الظاهرة من عدالة وتسامح. وأكد أن بابا الفاتيكان، شخصية عالمية..ودولة الفاتيكان لها تأثيرها الكبير داخل العالم المسيحي، ولذا التقارب معها مسألة غاية في الأهمية للشأن المسيحي. كما وصفها نادر شكري المتحدث الرسمي باسم اتحاد شباب ماسبيرو الزيارة بالخطوة الايجابية في إطار الطريق الذي اتخذته الكنيسة الأرثوذكسية في تفعيل الحوار بين الطوائف المسيحية المختلفة والبحث عن أطر مشتركة للعمل الروحي، والذي بدا بتدشين مجلس الكنائس المصرية، وأن الفكرة كانت في عهد البابا شنودة الراحل، ولكنها لم تأخذ طريقها الفعلي للنور، مشيرًا إلي أن البابا تواضروس عمل علي كسر مساحات الجليد المتعددة بين الطوائف المسيحية، ومنها قيامه بحضور حفل تنصيب بطريرك الكاثوليك في مصر. وأضاف نادر أن الزيارة تأتي بعد 40 عاما من زيارة البابا شنودة للفاتيكان، بالإضافة لكونها أول زيارة له خارج مصر ولها بالطبع مدلولاتها المتعددة على الصعيد الديني والسياسي، وفي مقدمتها تأكيد وحدة الكنائس المسيحية والتعايش والتواصل المشترك، محاولة نبذ أي خلافات و العمل على التوحيد في إطار الرسالة المسيحية. ويري نادر أن هناك نهجا جديدا، وصورة جديدة للطوائف المسيحية والهدف منها غلق الطريق أمام من يحاول أن يبرز وجود خلافات بين الكنائس. وفي تعليقه على الزيارة أيضًا أكد القمص بولس عويضة أستاذ القانون الكنسي، أنها تأتي للتهنئة بجلوس بابا روما علي الكرسي الرسولي لدولة الفاتيكان. وشدد في تصريحاته ل"بوابة الأهرام" علي أن التقارب والتفاهم بين الكنيستين موجود لكونها من ركائز العالم المسيحي، وبينهما محبة ومودة وتأتي هذه الزيارة لزيادة التواصل بينهما. وأشار عويضة إلي أن البابا تواضروس رجل وطني جميل ومحب لمصر وشعبها، ويريد أن يصل باسم مصر إلي كل الآفاق في كل أركان العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه، فهو خير سفير لمصر لنشر صورة مصر السمحة والجميلة أمام العالم الخارجي. وأضاف القمص أن البابا تواضروس الثاني يمتاز بقلبه المتسع بالحب والوطنية فهو صاحب اليد الممدودة دائما بالحب والسلام والتعاون مع الأزهر الشريف، وجميع الطرق الصوفية وجميع المسلمين من أهل السنة، وهو صديق حبيب لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وسبق أن تواصل مع فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وهنأه علي انتهاء ولايته بدار الإفتاء التي صعد بها فضيلته إلي مستوي العالمية، كما هنأ قداسته المفتي الجديد ورحب به وتمني له التوفيق في عمله وأن يسير علي نهج سلفه، والتقيا الاثنان علي الحب والسلام والتعاون. وأوضح عويضة أن البابا تواضروس مد يده المحبة للسلام والتعاون إلي الكنائس المصرية الكاثوليكية والإنجيلية والإسقفية والكنائس الأجنبية العاملة علي أرض مصر، بالإضافة إلي تعاونه المثمر مع الكتاب والمفكرين، فهو حسب توصيفه " خير خلف لخير سلف " في إشارة للبابا شنودة صاحب المقولة الشهيرة " مصر وطن لا نعيش فيه إنما وطن يعيش فينا ". وتابع: وفي الأحداث الأخيرة التي وقعت أمام مشيخة الأزهر أيدت الكنيسة الأزهر بقوة ووقفت بجانبه، وهو ما حدث أيضًا عندما وقف الأزهر مع الكنيسة في أحداث الكاتدرائية عقب واقعة الخصوص". مشيرًا إلي أن للبابا تواضروس مقولة خالدة وهي " اللي يحب مصر يحافظ عليها .. يبنيها ويعليها ". واختتم القص عويضة تصريحاته ل"بوابة الأهرام" قائلا: إن هناك موقفًا قويًا وجريئًا للبابا تواضروس حيث رفض الذهاب إلي القدس إلا ويده في يد أخوته المسلمين وبتأشيرة فلسطينية وهذا الموقف القوي جعله وبحق " بابا العرب " .