مثلما يكون لكل دولة عاداتها وأكلاتها المشهورة، فلها أيضا أساليبها المبتكرة في صنع (البرشام)المحكم، والذي يختلف من سنة إلى أخرى، كما تختلف خطوط الموضة. والشرح التفصيلي لأحدث وأضمن الطرق لعمل (البرشام)، قد يشعرك للوهلة الأولى أنك أمام علم يدرس أو فن يتم التدريب عليه، بل قد تقول في نفسك: لو ركز الطالب نصف تركيزه عند ابتكاره لهذه الوسائل لأصبح من المتفوقين. في فكرة قد تكون فريدة من نوعها في العالم، أقيم فى مدينة (ييكاتيرينبرج) بجنوب روسيا معرض لمدة يوم واحد، لعرض أهم وسائل الغش في الامتحانات، لاختيار أفضل ورقة للغش (برشامة). وكان القائمون على المعرض من الطلاب الذين يسعون إلى الحصول على الجوائز من ورائه، وأهم زواره من المدرسين، الذين يريدون معرفة مدى عبقرية الطلاب في ابتكار وتطوير وسائل الغش. أغرب ما تم عرضه في هذا المعرض الذى أقيم العام الماضى، أجزاء مجمعة من كتب مدرسية وأساور عليها رموز المواد الكيميائية ، بالإضافة إلى وريقات صغيرة يمكن للتلاميذ تخبئتها تحت الأظافر الصناعية. وصلت درجة الابتكار والدقة في الغش بفرنسا- كما هو معروض على (youtube) – إلى أن يكون أحد أصابع اليد هو محور(البرشام)، بحيث يتمكن الطالب من ارتداء غطاء لأحد أصابعه، ليحمل الغطاء لون الجلد نفسه-بحيث يبدو متورما بعض الشيء- ويكون بهذا الغلاف فتحة أفقية تظهر الورق الدقيق الذي أسفله عندما يُميل الطالب إصبعه، ويحرك (البرشام) الذي يكون ملتفا بشكل (بَكَرة) يسهل لفها، مع العلم بأن الطالب لا يعتمد على غطاء إصبع واحد، لأن لكل جزئية في المنهج غطاء خاصا، يتم إخفاؤه في الملابس . تعد الشبكة العنكبوتية أكثر طرق الغش انتشارا في اليابان ، لاسيما أن هذه الطرق معروضة بوضوح وبخطوات دقيقة ، فالطالب الياباني يستطيع أن يغش كما يحلو له دون أن يكون عرضة للحرمان من الامتحان، حيث يلصق المقرر كاملا على طاولة الإجابة بشكل شفاف، وغير مرئي. وقد لاقت الطريقة اليابانية قبولا وانتشارا كبيرين، فى العديد من المنتديات وبين الطلاب المصريين بشكل خاص. يباع برشام كل مادة دراسية (بالجرام) في المغرب، في حين يكون للمستوى المعيشي المرتفع في معظم دول الخليج دورا في تسهيل عملية الغش عن طريق استخدام ساعة يد متطورة وبعض الأقلام الحديثة، التي يمكنها تصوير كل صفحات الكتاب، بحيث يقلب الطالب الصفحات المخزنة على ساعة يده، أو القلم وهو جالس في قاعة الامتحان بسهولة. لجأ الطلاب الصينيون إلى استخدام معدات تكنولوجية متطورة، بما في ذلك أجهزة اتصالات صغيرة للغاية، لتلقي الأجوبة على أسئلة الامتحان من خلالها، مما دفع السلطات الصينية قبل عام تقريبا إلى تثبيت كاميرات فيديو في حوالي 60 ألف قاعة للتصدي لظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة؛ لذا فإن من يختار الغش من الطلبة عليه مواجهة المصالح الأمنية ورجال الشرطة و"إدارة الدولة لحماية الوثائق السرية"؛لضمان امتحانات نزيهة. كما تم في العام نفسه الحكم على 8 أفراد بين أولياء أمور وأساتذة بالسجن بتهمة استخدام تكنولوجيا متقدمة لمساعدة الطلاب على الغش في الامتحانات. حاولت إيطاليا أيضا إحباط عمليات الغش في الامتحانات بطريقة مختلفة عن الصين، حيث لجأت إلى استخدام جهاز للتشويش على إشارات المحمول داخل بعض المدارس، في مدى نصف قطره 80 مترا في الأماكن المغلقة، وسيتم تعميم هذه الأجهزة في جميع أنحاء ايطاليا لمنع الغش خلال امتحانات الجامعات أيضا . تبدو المسألة في مصر وتحديدا في المرحلة الجامعية ليست بعيدة عن غيرها من البلدان الأخرى، فالتليفون المحمول أصبح واحدا من أهم وسائل الغش لدينا، فهو من أكثر الوسائل سهولة في الاستخدام، خاصة من قبل الطالبات اللاتي يقمن عادة بوضع سماعة صغيرة في الأذن وإخفاء الجهاز المحمول في الملابس أو وراء حجاب الرأس، دون أن يراه أحد ويتم ضبط الجهاز على الفتح التلقائي عند استقبال أي اتصال، وبعد ذلك يتم قراءة السؤال بصوت مرتفع قليلا ليسمعه المتصل-كأن يقرأ الطالب السؤال بشكل متأن وصوت مرتفع قليلا حتى يستطيع فهمه-ليقوم المتصل بإملائه الإجابة النموذجية عليها، دون أن يسمعه أحد. عن وسائل الغش الحديثة أو الإلكترونية تقول الدكتور نوال سليمان رئيس قسم الاجتماع بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر: إن الانترنت تربة خصبة لكل من يبحث عن الجديد في أساليب الغش، لاسيما وأن هناك العديد من الأشخاص يسعون لنشر أحدث تجاربهم الحديثة عليه، لافتة إلى أن الانترنت يساعد المراقبين أيضا في معرفة أحدث طرق الغش، التي تستحدث وفقا لظروف كل امتحان. لم تكتف دكتورة نوال بالحديث النظرى، بل أشارت إلى ما رأته بحكم خبرتها العملية من الطلاب المصريين، قائلة: إنهم يقومون بالغش في الامتحانات ويستخدمون الطرق التكنولوجية الحديثة أو غيرها من التقليدية، يجدون لأنفسهم ألف مبرر يدفعهم لذلك، دون أن يكون عندهم تأنيب في ضمائرهم، ومن أهم هذه المبررات:"أنا مكنتش حاضر هذه الجزئية من المنهج، ما كل الطلبة بتغش ، المناهج طويلة.. وهكذا" . وتستكمل حديثها موضحة أن الطلبة المتدينين يلجأون للغش أيضا وفقا لهذه المبررات وغيرها، في حالة وصفتها ب "انفصام الشخصية". فى رأى الدكتورة نوال أن الطلاب في عصر العولمة و ثقافة (التيك أواي )، يعيشون على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) و( لماذا لا أستخدم الغش وهو وسيلة سهلة للوصول للهدف؟). وترجع تزايد معدلات الغش في مصر إلى اكتفاء بعض المراقبين بسحب الأداة، أو الوسيلة التي قام الطالب بالغش منها، دون إلغاء المادة بأكملها، أو تحرير محضر له؛ حتى لا يضيع مستقبله،أو يحرم من الامتحان. تقول هبة أحمد، باحثة دكتوراه في مجال الاقتصاد: لدي مبدأ أسير عليه طوال حياتي ، وهو رفض "الغش والتغشيش"، لأن ذلك مجهودي طوال العام في الدراسة، لماذا أتنازل عنه بهذه السهولة، وأعرض نفسي للمخاطرة أيضا، ولهذا فقد كنت من المتفوقات دائما في دراستي. أما سعاد صابر (مدرسة): فتعتقد أن الكثير من الطلاب ينافسون الطلبة المتفوقين بشعار"ذاكر تنجح..غش تجيب مجموع"، وترجع اللجوء للغش لغياب الوازع الديني عند الطلبة. "أنا أحيانا بلجأ (للبرشام) لأن المواد صعبة، وأنا مش بعرف أحفظ بسهولة"هكذا رد (أ.ع) الطالب في المرحلة الثانوية عند سؤاله هل من الممكن أن تلجأ للغش ؟. وعن أصغر أنواع(البرشام المستخدم) يقول (ب.م) طالب في المرحلة الثانوية: " أنا شفت واحد عامل برشام على شكل (استيكة) وكان صغير جدا، ومطبق بصورة دقيقة في مكان(الأستيكة) المفرغ، ومتغطي بالغلاف العادي لها". محمد أسامة (طالب في المرحلة الثانوية) لا يرى في الغش مخاطرة كبيرة خاصة وأن الطالب بإمكانه ابتلاع (البرشام) حال اكتشاف المراقب بأنه يغش . يبدو أن للغش فوائد نبيلة يجهلها كثير من الناس، في حين يثمنها العديد من الطلاب خاصة على المنتديات ، فله-أي الغش- سبعة فوائد أهمها: تقوية روح الصداقة والتعاون بين الطلبة ودعم روابط المودة، ترسيخ مبدأ حسن الجوار ، تمكنك من التعرف على المسئولين عن لجنة الامتحان مثل مراقب الدور وربما رئيس اللجنة وبذلك ستصبح من الشخصيات المشهورة اللامعة، تجعلك تقدم للمراقب خدمة جليلة حيث سينشغل بما تفعله بدلا من الاكتئاب والملل من طول فترة الامتحان.