رغم الترحيب السياسي باللقاء غير المعلن الذي جمع الدكتور محمد الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة، مع الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور والمنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني، والدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، بوصفه بداية للمّ الشمل الوطني وإنهاءً للأزمة السياسية الحادة، فإنه ألقى بظلاله الكثيفة داخل جبهة الإنقاذ، منذرًا بحدوث أزمة سياسية بسبب ما بدا أنه عدم تنسيق سياسي بين أطرافها بخصوص هذا اللقاء. وأتى إلغاء اجتماع الجبهة الذي كان مقرراً له ظهر اليوم بمقر حزب المصريين الأحرار، ومخصصاً لحسم الموقف النهائي من مبادرة حزب النور والحوار الوطني المتوقع انطلاقه نهاية الأسبوع الحالي بعد تأجيل الأربعاء الماضي، كاشفاً لحدة هذا الانقسام، وعدم الرغبة لإظهاره للعلن. بدا ذلك في تصريحات المتحدث الإعلامي باسم الجبهة خالد داود، الذي أكد تأجيل الاجتماع لأجل غير مسمى، مبرراً ذلك بسرعة الأحداث السياسية، دون الإشارة للاجتماع الثلاثي. فالجبهة كمظلة للمعارضة السياسية، تواجه بتحديات عديدة في مقدمتها التنسيق والإجماع السياسيين ورغبة البعض في أن تكون كل حركة سياسية موضع توافق سياسي داخلي قبل الانطلاق بها، في حين يرى البعض وتحديداً البرادعي أن ضرورة العمل ضمن آلية محدودة وصغيرة من أجل بلورة توافق سياسي، على أن يتم توسيع أطرها لتجنب الخلاف. إلا اللقاء الثلاثي أتى ليزيد من حدة الخلاف المكتوم داخلها. وخطورته لكونه تزامن مع تراشق إعلامي بين حزب المؤتمر والتيار الشعبي على أرضية شعور رئيس الأول عمرو موسي بأن حمدين صباحي يقود توجها داخل الجبهة لاستبعاده منها، بحجة أنه من الفلول. وثمة انتقاد وجهه محمد البدرشيني مساعد رئيس الحزب، للصباحي بشكل مباشر، لكونه لم يعمل على احتواء الأصوات الشبابية داخل التيار الشعبي التي تنادي بإخراج المؤتمر وموسى من الجبهة، ما يعني حسب وصفه إقرارا منه بهذا المسعى. وتذكرنا تلك الأزمة، بمثيلتها التي نشأت قبل شهرين حينما قاد بعض شباب الجبهة حملة مماثلة لإخراج البدوي وحزب الوفد من الجبهة تحت نفس الحجة، إلا أنه تم احتواؤها. والقضية هنا تجاوزت اتهام التيار الإسلامي بإثارة شائعات الخلاف داخل الجبهة للتأثير على تماسك ووحدة الجبهة في لعبة الشائعات المتبادلة بين التيارين، رغم أن البعض يمكن أن ينظر لإفشاء الكتاتني للقاء ضمن هذا السياق، رغم أن مصادر مقربة منه اعتبرت أن الإعلان أتى كمحاولة لفتح نافذة أمل سياسية بقرب التوصل لتوافق سياسي مجتمعي حول القضايا الخلافية. الأمر الذي عكس نفسه في ترحيب كل القوى السياسية باللقاء سواء داخل التيار الإسلامي أو حتى الليبرالي، رغم ادعاء كل منها أنه ثمرة من ثمار مبادرته السياسية للخروج من الأزمة، كما فعل حزبا النور ومصر القوية. مؤخراً بدت مشكلة التنسيق السياسي داخل الجبهة واضحة في المبادرات الأحادية الجانب التي طرحها بعض رموز الجبهة للخروج من الأزمة الراهنة كمبادرتي البرادعي وموسي. فهاتان المبادرتان خرجتا منفردتين دون مناقشتهما داخل الجبهة، أضف لذلك المبادرة الاقتصادية التي طرحها موسى نفسه. كما أن قراري المشاركة في مبادرة الشباب الوطني مع شيخ الأزهر الأخير والخروج منها بشكل سريع، لم تناقشا بشكل جاد داخل أروقة الجبهة. بخلاف قضية التنسيق الداخلي، هناك لغم سياسي مستقبلي آخر يواجه الجبهة، قد يهدد بتفجيرها، حصة الأحزاب بقوائم انتخابات مجلس النواب القادمة. إذ طالبت أحزاب: الوفد والمصري الديمقراطي والمصريين الأحرار، والمؤتمر، بالنسبة الأكبر في ترتيب تلك القوائم الانتخابية، لكي يعطوا المراكز الأولى فيها، لكونها القوى الأقدر حسب وصفها، على إدارة الحملات الانتخابية والإنفاق على الدعاية بالإضافة لانتشار مقارها بمعظم الدوائر، وأيضا الثقل السياسي لتلك الأحزاب داخل الشارع، كما بدا في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة. الأمر الذي تسبب بغضب شديد لدى بقية الأحزاب التي تشكل الجبهة وتحديداً الدستور ومصر الحرية والتحالف الشعبي والكرامة والناصري. ويقرر قادة الجبهة بشكل غير معلن بوجود خلافات حقيقية داخل الجبهة حول معايير اختيار القوائم ونسبة كل حزب داخلها، معتبرين ذلك من طبائع الأمور داخل الائتلاف السياسية الموسعة مثل الجبهة. واختيار "لجنة حكماء"، أتى لحل مثل هذه الخلافات، التي انتهت أن الجبهة سوف تنزل الانتخابات حول الموافقة على الدخول فيه بقائمة موحدة، وحال الخلاف حول حصة الأحزاب سوف تنزل بقائمين يحظيان بنفس الدعم والتأييد والتمويل من قبل الجبهة دون تفرقة. إثارة شباب التيار الشعبي لمسألة بقاء حزب المؤتمر بالجبهة، تحمل في طياتها أزمة أعمق متعلقة بآلية النفوذ وصنع القرار داخلها. وإن حسمت مؤقتا لصالح إعطاء ائتلاف شباب الجبهة سلطة تسيير العمل الجماهيري داخل الشارع دون تدخل من شيوخ الجبهة، إلا أن هؤلاء يطمحون في التأثير على قرار الجبهة السياسي، ما بدا أنه صراع أجيال، أقر به عبد الغفار شكر القيادي بالجبهة زعيم حزب التحالف الاشتراكي قائلا: إن صراع الأجيال موجود داخل كل الأحزاب سواء الأحزاب الاشتراكية أو الليبرالية أما الأحزاب الإسلامية فشبابها يؤمن بقاعدة "السمع والطاعة"، فلا نسمع عن خلافاتهم شيئا. وأضاف أن أحزاب: الدستور والمصري الديمقراطي والتحالف الشعبي الاشتراكي والتيار الشعبي وحزب التجمع، لديها كلها صراع أجيال، وهذا ينعكس بالطبع على الجبهة، مشيرا إلى أن هناك جزءًا من شباب هذه الأحزاب الأعضاء بالجبهة غير راض عن أداء قيادة الجبهة وسلوكها السياسي، وهذا من قبيل صراع الأجيال. مؤكدًا أن شباب الجبهة يمثلون الآن عنصرًا ضاغطاً على قيادة الجبهة وشيوخها من أجل سرعة تطوير أدائها السياسي حتى لا تفقد الشارع. إلا أنه اعتبر في النهاية أن هذا الخلاف ظاهرة صحية وايجابية للجبهة وليس سلباً كما يعتقد البعض؛ فالشباب ينتهجون نهجا ثوريا ويعتبرون أن القيادات يتسم أداؤها بالطابع المحافظ سياسياً، إلا أن هذا الصراع لا يمكن حسب توصيفه أن يؤدي لانهيار الجبهة، بل هو عامل إيجابي لتطوير أداء الجبهة والاقتراب من وجهة نظر الشباب.