أسبوع مضى تقريباعلى حادث كنيسة القديسين ، ظهر خلاله من يريد أن يسير المركب فى أمان وسلام رغم كل مايتعرض له من موجات عاتية ، وظروف قاسية ، وعلى النقيض ، ظهرت خفافيش الظلام، التى يحرقها النور الذى يضئ وحدة " الهلال مع الصليب" ، فالخفافيش ، تمنت مايحبه الذباب ، وهى الجراح ، لكن الله يخلق الذباب كثيرا ، وعمره قصير ، ويداوى الجراح قبل أن تلوثها "قذارة الذباب". الجراح التى خلقتها "خفافيش الإرهاب" تداوت قبل أن تصل إليها أجنحة الذباب ، وسار المصريون فى طريق "نور الوحدة" الذى تخشى الخفافيش من المرور فيه ، واحتفل الجميع بعيد الميلاد ، مسئولون ومواطنون ، مسلمون ومسيحيون، وكان حصاد ألم تفجيرات "القديسين" ، خيبة أمل للإرهابيين، وتعاطف عارم بين أفراد الشعب، تحت علم واحد. خطباء المساجد فى غالبية المحافظات، ركزوا كلامهم على الحادث الأليم ، والمواطنة ، وكيفية غرس قيم الانتماء لدى أفرادالشعب الواحد ، ونددوا بماحدث فى الإسكندرية ، وأشادوا بمشاركة المسلمين إخوانهم الأقباط احتفالاتهم فى ظاهرة رائعة ، وحثوا على نبذ العنف ومحاربة التطرف والإرهاب ، حتى يعيش الجميع فى مصر فى مأمن من الفتن الداخلية والخارجية. اللفتات الإنسانية التى أعقبت الحادث الأليم ، لم تقتصر على ماقام به المسلمون من مواساة إخوانهم الأقباط ، ومشاركتهم أفراحهم ، وامتدت اللفتات الرائعة إلى المسحيين أنفسهم تجاه أخوانهم الأقباط ، حيث قام عدد من الأقباط بالتبرع لبناء معهد دين أزهرى بمحافظة القليوبية ، حيث تبرع أحد الأهالى بقطعة أرض لإنشاء معهد لتعليم الفتيات ، فيما شارك آخرون بتوفير الحديد والأسمنت ، عرفاناً منهم بمشاركة المسلمين أفراحهم ومواساتهم فى الأحزان. حصاد تفجيرات الإسكندرية ، خلق نوعا خاصا من المواطنة ، والمسئولية الاجتماعية ، سواء من مواطنين عاديين ، أو رجال أعمال مسلمين ومسيحيين ، فمظهر تبرع بعض المسلمين بدمائهم لضحايا الحادث ، أشادت به وسائل إعلام دولية قبل الإشادة من جانب المسيحيين فى مصر ، من رجال دين وسياسيين ، بينما أراد المقتدرون ماديا أن يكون لهم دور فى شعار " مصر فوق الجميع" ، فكان رجل الأعمال نجيب ساويرس أول المتبرعين بمبلغ مليون جنيه ، لمن يدلى بمعلومات عن المتهم بالتفجيرات ، فيما رصد رجل الاعمال محمد أبو العينين مبلغ مليونى جنيه لصالح أسر الضحايا والمصابين. التبرعات شئ قليل ، من كثير ، مما قام به المصريون تجاه بعضهم ، كى يثبتوا للعالم أجمع أن من يحاول التفرقة بينهم ، سيكون مصيرا الفشل ، مهما كانت محاولاته . مصر أكبر من أن تتأثر بمن يثير الفتنة بين جناحيها ، مسلمين ومسيحيين ، هذا ماقاله اللواء مجدى أيوب محافظ قنا ، عندما بعث برسالة إلى أقباط المهجر طالبا منهم عدم التحدث باسم أقباط مصر ، طالما لايعيشون على أرضها ، وهنا ، قال المحافظ ، مايريد كل مصرى أن يقوله ، لأن المسيحيين فى مصر ، قالوا كل ما تكنه قلوبهم ، ولن يرضون بأن يتحدث أحد بلسانهم سوى كنيستهم ، التى يحترمها كل مصرى. بوقفات تتخللها الشموع ، ومظاهرات غضب شارك فيها المسلم بجانب المسيحى ، وببيانات التنديد تعالت أصوات الغضب من السياسيين والكتاب والمثقفين ورجال الدين ، المسلم والمسيحى ، تضامنت جموع المصريين مع الحادث الأليم ، الذى علمنا ، وعلّم من جهل بوحدة المصريين ، أن مصر أكبر من ان تتهاوى وطنية أبنائها ، مهما حاولت الخفافيش ، والذباب ، أن تزيد من الجراح. انتشر الغضب ، وانتشرت معه شعارات وطن واحد ، دم واحد ، فشباب الأزهر ساروا فى مسيرة غاضبة صامته خلف الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، للتنديد بالحادث ، وفنانو مصر وقفوا وقفة واحدة ضد الإرهاب ، وأطفال مصر ، حملوا أعلام الوطن ، وظهرت فى عيونهم دموع أبت النزول ، ورجال الدين المسلم والمسيحى ، فى تفسير واحد لما حدث ، اتحدوا أن من قام بالحادث ، ليس مصرياً ، ولا يستحق أن يشرب قطرة ماء واحدة من نيل مصر. رفض الإعلام أن يكون بمنأى عن الوحدة ، فتكرر مشهد " كلنا واحد من أجل مصر " وقامت سبع قنوات فضائية بتقديم بث واحد من مقر كاتدرائية الأقباط الأرثوذوكس ، بالعباسية، وأذاعت القنوات الحلقة تحت عنوان "المصريون" ووضعوا أسفل الشاشة شعاراً للهلال مع الصليب. رفض رجال الدين المسلم والمسيحى للإرهاب ، ليس امرا مستحدثا ، فالكل خرج للتنديد ، ودعم روح التسامح والاخوة بين المسلمين والمسيحيين ، فشيخ الأزهر قال :إن الحادث غريب تماما عن طبيعة الشعب المصرى المتسامح ، وقال البابا شنودة : إن بعض العناصر ركبت الموجة ودخلوا باسم التعاطف مع أحداث الإسكندرية ، وأن هذا الحادث جمع بين المسلم والمسيحى في شعور نبيل ، لقناعة كل منهما أن العدو مشترك ، ويريد زلزلة السلام الذى تنعم فيه مصر ، وقال بلهجة حادة: لن نسمح للأعداء بزلزلة هذا السلام. دار الإفتاء فى بيان يشوبه الحزن المكبوت ، أدانت ، وحرمت أى اعتداء على الأبرياء ودور العبادة ، لغير المسلمين بجميع أشكالها ، وأن الشريعة الإسلامية أمرت بإظهار المودة والرحمة ، والعدل فى التعامل مع المخالفين فى العقيدة. أخيراً ، وليس آخراً ، مهما تعالت "موجات" الفتنة ، يبقى "المركب" سائراً بكل من فيه ، يداوى فيه الجميع جراح بعضهم ، يتبادلون التهانى فى الأفراح والأعياد ، يقدمون العزاء والمواساة فى الأحزان ، يقفون وقفة واحدة ضد الدخلاء ، وخفافيش الظلام ، ويضمدون جراح بعضهم قبل أن يلوثها الذباب ، ليظل المركب سائراً ، بسلام ، يتحد فيه المصريون ، فى الأفراح ، والآلام.