أودعت محكمة جنايات القاهرة حيثيات حكمها فى القضية التي عرفت إعلاميا باسم "موقعة الجمل"، الصادر فى 10 من أكتوبر الماضي ببراءة جميع المتهمين فى القضية، والتى كان يحاكم فيها فيها 24 شخصا من رموز النظام السابق، والتي وجه لهم فيها الاتهام بالتعدي على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير يومي 2 و3 فبراير من العام الماضي. استهلت المحكمة برئاسة المستشار مصطفى حسن عبد الله وعضوية المستشارين أنور رضوان وأحمد الدهشان وبسكرتارية أيمن عبد اللطيف وأحمد فهمى حيثيات حكمها والتى جاءت فى 60 صفحة بالآية القرآنية الكريمة: "إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا". وأكدت فى أسباب حكمها أن محكمة الموضوع لا تلتزم فى حالة قضائها بالبراءة الرد على كل دليل من أدلة الاتهام، ما دام أنها رجحت دفاع المتهم أو داخلها الريبة والشك فى عناصر الإثبات، وأنه من المقرر وفقًا للمبادئ الدستورية والأساسية فى الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يصدر حكم بات بإدانته، وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له من الحرية الكاملة فى اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه فى الدعوى. كما أن القانون فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإثبات فتح بابه أمام القاضى الجنائى على مصرعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلا إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر مع حرية مطلقة فى تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية وفقا لظروف الدعوى ووقائعها، مما لا يقبل معه تقييد حرية المحكمة في دليل البراءة، باشتراط مماثل لما هو مطلوب فى دليل الإدانة. وأضافت المحكمة أنها لا يسعها فى ختام حكمها إلا أن ترفع أكفها تضرعا إلى الله بالدعاء لله رب العالمين بأن يحق الحق ويبطل الباطل ويغفر ويرحم شهداء مصر الأبرار ويدخلهم جنات النعيم خالدين فيها، وأن يؤلف بين قلوب المصريين ويجمعهم على قلب رجل واحد وكلمة سواء. واستعرضت المحكمة أسباب حكمها، حيث قالت إنها لا تطمئن إلى صحة الاتهام المسند إلى المتهمين، مشيرة إلى أن أوراق القضية خلت من أى دليل يقينى وجازم على ما نسب إليهم من اتهام بالتحريض على ارتكاب الجريمة أو الاتفاق والمساعدة على ذلك، وحيث إنه من المقرر أن الشهادة فى الأصل هى إخبار الشخص بما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو إدراكه على وجه العموم بحواسه وأن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع دون رقابة والتى لها أن تأخذ بأقوال الشاهد فى أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة، وأن تلتفت عما سواه دون تبيان العلة فى ذلك. ولما كان ذلك ما تقدم، كان الثابت بالأوراق افتقار أقوال شهود الإثبات إلى أى دليل يقينى يؤيدها وتطمئن المحكمة إليها، والغالب منها أنها شهادات تسامعية وظنية واستنتاجية، ونقلاً عن مصدر مجهول لم تكشف عنه التحقيقات وأكثرهم تم ضبطهم بمعرفة المتظاهرين داخل ميدان التحرير، وجاءت إقراراتهم نتيجة الإكراه الواقع عليهم بالتعدى بالضرب واحتجازهم بمعرفة المتظاهرين فى أماكن عدة داخل ميدان التحرير، وذلك حسبما شهد به بعض شهود الإثبات. إضافة إلى عدم اطمئنان المحكمة إلى بعض شهود الإثبات الأخرى، إذ جاءت مشوبة بالكيدية والتلفيق لخلافات سابقة سياسية وحزبية ونقابية بين الشهود والمتهمين وعدول عدد من شهود الإثبات بالتحقيقات الأولية وبجلسات التحقيق النهائى أمام المحكمة عما شهدوا به بالتحقيقات، فضلاً عما ثبت بشهادةالمهندس ممدوح حمزة أنه كان يوجد بميدان التحرير يومى 2 و3 فبراير العام الماضى، وأنه لا يعلم شيئا عن ضبط أسلحة نارية داخل الميدان، ولا يستطيع تحديد من قام بالهجوم على المتظاهرين، ولا يعلم من الذى كان يقوم بقذف المولوتوف أو إطلاق الأعيرة من أعلى العمارات بالميدان، ولم يشاهد قتلى به، ولا يعلم كيفية صعود المعتدين أعلى العقارات بالميدان رغم تأمين مداخله بمعرفة اللجان الشعبية وشباب جماعة الإخوان المسلمين، وأنه لم يشاهد أيا من المتهمين فى الدعوى الراهنة بميدان التحرير، ولا يمكنه تحديد فصيل المعتدين على المتظاهرين، ويمكن جمعهم تحت مسمى "الثورة المضادة". وأيضا ما ثبت بشهادة الدكتور طارق زيدان أنه شاهد الهجوم الذى حدث على المتظاهرين من ناحية شارع طلعت حرب، كما شاهد داخل الميدان مجموعات منظمة من شباب الإخوان، ولكل مجموعة قائد، وأن المتظاهرين داخل الميدان استخدموا الوقود الخاص بمركبات القوات المسلحة المكلفة بجمع القمامة فى عمل قنابل مولوتوف وقذفوها على المعتدين عليهم، وأنه كان يتم ضرب من يتم ضبطه من المعتدين فضلا عن عدم مشاهدته أيا من المتهمين بالميدان. وجاءت شهادة الدكتور محمد البلتاجى، حيث قرر أنه كان موجودًا بميدان التحرير وشاهد أشخاصا قادمين من جهة ميدان عبد المنعم رياض يحملون مصابين وسمع من شباب المتظاهرين أنه تم ضبط بعض المهاجمين يومى 2و3 فبراير الماضى، وسلموا للقوات المسلحة، ولم يلتق بأى منهم. وأنه بتاريخ 3 فبراير الماضى الساعة 12 ظهرا التقى باللواء حسن الروينى بالميدان والذى طلب منه إنزال الأشخاص الموجودين فوق أسطح العمارات الموجودة أمام المتحف المصرى بميدان التحرير وإخلاء كوبرى 6 أكتوبر، وإلا سيتم إطلاق النار عليهم، وأنه لم يشاهد بعينه أيا من المتهمين الماثلين بميدان التحرير يومى 2و3 فبراير الماضى. وثبت بشهادة اللواء حسن الروينى أن المهمة الأساسية لوحدات القوات المسلحة بميدان التحرير اعتبارا من 28 يناير حتى صباح 3 فبراير عام 2011 كان تامين الأهداف الحيوية والمنشآت الموجودة بمحيط ميدان التحرير، وأنه كان موجودًا بالميدان أيام 1و2و3 فبراير من العام الماضى، وشاهد على شاشة مركز القيادة وجود أفراد أعلى العقارات الموجودة أمام المتحف المصرى بالميدان وأحدهم ملتح ويرتدى جلبابا، ويعتقد أنه من جماعة الإخوان، وأنه التقى يوم 3 فبراير بالدكتور محمد البلتاجى بالميدان وطلب منه إنزال الأشخاص الموجودين أعلى العقارات، وإلا سيستخدم القوة معهم، وتم إنزالهم، وتعهد له بتأمين المتظاهرين داخل الميدان. ولم يحدث أى تعد على المتظاهرين بالميدان اعتبارا من 3 فبراير وحتى 11 من ذات الشهر تاريخ تخلى الرئيس السابق عن الحكم، وأن وحدات القوات المسلحة بالميدان تسلمت من المتظاهرين عدد 77 شخصا من المعتدين عليهم، وكان بعضهم مصابا، وأحيلوا للنيابة العسكرية، وحررت لهم القضية رقم 118 لسنة 2011 جنايات شرق القاهرة العسكرية وأحيلوا للمحاكمة، وصدرت بحقهم أحكام، وأنه لم يبلغ بضبطاية أسلحة نارية أو خرطوش، ولم تضبط أسلحة بيضاء مع راكبى الخيول والجمال المهاجمين للمتظاهرين بالميدان، وأنه لم ترصد عناصر القوات المسلحة داخل وحول ميدان التحرير بمداخله المختلفة أية إصابة أو قتل بالميدان ومحيطه باستخدام أسلحة نارية. وأضافت المحكمة أنه ثبت بتحقيقات النيابة العسكرية أنه باستجواب المتهمين المقبوض عليهم بأنه لم يقر أو يشر أى منهم لا من قريب أو من بعيد إلى قيام أى من المتهمين فى الدعوى إلى تحريضهم أو مساعدتهم أو الاتفاق معهم على الاعتداء على المتظاهرين، إذ قرروا أنهم خرجوا من نزلة السمان بصحبة المتهم السادس عبد الناصر الجابرى متوفى فى مظاهرة لتأييد الرئيس السابق مبارك، وكذا المتهم الرابع. وأضافت المحكمة أنه ثبت لها من مشاهدة الأقراص المدمجة المحرزة بالدعوى والتى تحوى بعض المشاهد للمتهمين العاشر مرتضى منصور والحادى والعشرين، ومن مطالعة تقرير الخبير المعد من خبير الأصوات أنها عبارة عن مشاهد للمتهم العاشر حال وجوده بميدان مصطفى محمود ضمن المتظاهرين الموجودين وهو يردد السباب والشتائم لأشخاص معلومين وآخرين مجهولين، ومشاهد للمتهم الحادى والعشرين وهو بصندوق سيارة نقل مع آخرين يحملون لافتات وصور للرئيس السابق، وذلك لا يعد دليلا على صحة الاتهام المسند إليهما. واستكملت المحكمة أسباب حكمها متناولة أقوال شهود الإثبات وموضحة أنها وهى بصدد تقدير الدليل المستمد من أقوال هؤلاء الشهود فإنها لا تطمئن إليها ويساورها الريب والشكوك، وذلك وفقا لتمحيص ووزن وتقدير المحكمة لكل شاهد إثبات على حدة.