روى الدكتور كمال الهلباوى لبوابة الأهرام كيف انضم لجماعة الإخوان المسلمين وقت أن كان عمره إثنى عشر عاماً حيث نشأ فى قرية من قرى محافظة المنوفية، وتحدث فى حوار خاص عن محطات تاريخية فى حياته وأسباب إستقالته من جماعة الإخوان المسلمين وأشياء أخرى كثيرة. وأضاف في تصريح على هامش ورشة عمل جرى عقدها بجزيرة بالى الإندونيسية بتنظيم من "معهد السلام والديمقراطية – بالى" حول سبل إصلاح الدساتير وإعدادها قائلا: كان مشايخ البلد التى نسكنها من الأزهريين وكانوا دائمًا يأخذوننا نحن الطلاب الصغار فى رحلات وتنزهات، وكنا نسعد بتلك الرحلات، وكانوا من الإخوان لكنهم أبداً لم يفصحوا لنا فى ذلك الوقت... بعدها التحقت بالمرحلة الثانوية بمدرسة المساعى بشبين، وهى نفس المدرسة التى تخرج منها الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، وكانت تضم جماعات وتيارات سياسية مختلفة أهمها الوفد والإخوان والليبراليين والاشتراكيين ومصر الفتاة، وكان من السهل التفرقة بين التيارات المختلفة من خلال الشعارات التى يرفعها كل طرف، فلما اطلعت على برامج تلك الجماعات وجدت أن برامج الإخوان هى الأنسب لى لأنها تناسب طبيعتى الريفية... أضاف الدكتور الهلباوى، فى أحد الأيام تم تنظيم لقاء فى مدرج العلوم، وكان المتحدث شاب من الإخوان، كان حافظًا للقرآن وقدَّم لنا خطبة لا أنساها حتى الآن، لكن أكثر ما شد انتباهى أن ناظر المدرسة الأستاذ محمد محمد عاشور، ووكيل المدرسة الأستاذ حسنى رجب وكانا على قدر كبير من العلم، يحرصان على الحضور والاستماع لذلك الشاب المفوه الذى يتحدث عن الجهاد... فى نفس الوقت كان مسئول الإشتراكيين وكان يدعى محمد وهبة يعتدى بالعصى على من يرفض الإنضمام والإشتراك فى مظاهراتهم، مما نفرنا منهم ودفعنا دفعًا للانضمام للإخوان.. استطرد الهلباوى قائلاً، بعد قيام ثورة يوليو، كنا نحن الإخوان حماة الثورة وتعلمنا من الحرس الوطنى استخدام السلاح، لكن لم يلبث الوضع أن انقلب وبدأت محاكمات الإخوان واعتقالاتهم... وسافرت إلى نيجيريا ثم إلى السعودية، حيث عملت مديراً للندوة العالمية للشباب الإسلامى وكانت فكرة الدكتور توفيق الشاوى، حيث أقنع الملك فيصل بأن مسيرة التدين فى السعودية فى خطر بسبب التزمت وأن ذلك سوف يؤدى إلى عزلة السعودية وتفردها بالمذهب الحنبلى وأقنعه بضرورة إنشاء الندوة العالمية، حتى يمكن أن يخفف ذلك من غلواء وتشدد المذهب الواحد .. فى عام 1988 كنت مكلفاً من الجماعة بالملف الأفغانى منذ بداية الحرب هناك وبعد استشهاد كمال السنانيرى أصبحت مسئولاً عن آسيا بالكامل بما فيها إندونيسيا، وكان من مهامى الإشراف على مناهج التربية والندوات والمؤتمرات وكان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يشرف مع الدكتور أحمد الملط على الأنشطة الطبية، ولم يكن لدينا أى علاقات أو اتصالات بالقاعدة من البداية بل إن بعض أعضاء القاعدة اتهمونا بخيانة الدعوة... كانت إقامتى فى مدينة بيشاور الباكستانية على حدود أفغانستان، وكانت علاقتى مباشرة بالقادة الأفغان أمثال سياف وحكمتيار وأحمد شاه مسعود وهى علاقات تعود إلى زمن ماقبل الحرب وأنا بصدد كتابة كتاب أذكر فيه كل هذا التاريخ... ثم فى عام 1994 رحلت من باكستان بسبب الأمريكان إلى المملكة المتحدة وعملت هناك مستشاراً لمركز الدراسات السياسية ثم أصبحت المتحدث الرسمي باسم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الغرب قبل أن أستقيل من المنصب عام ،1997 حيث بقيت عضوًا فى التنظيم إلى أن أعلنت استقالتى من تنظيم الإخوان المسلمين فى 31 مارس عام 2011 على الهواء ... سألته.. هل صحيح كما يتردد فى بعض وسائل الإعلام أن سبب استقالتك هو ترشيح خيرت الشاطر للرئاسة؟ استقالتى من الإخوان جاءت بعد عودتى من لندن بسنة تقريبًا، فى خلال هذه السنة لمست أن قيادة الإخوان قد أصبحت مترددة بشكل لم أر مثله من قبل فى أى قيادة إخوانية، ولاسيما فى موضوع الترشح للرئاسة خاصة وأن الإخوان أكدوا أنهم لن يقدموا مرشحًا للرئاسة... وكان الإعلان عن مرشح للرئاسة من الإخوان لا يمكن أن يفهم إلا أنه قد تم تحت ضغط أو تفاهم مع النظام المنهار، وأنهم طلبوا من الغريانى ومكى و البشرى الترشح، لكنهم رفضوا، ثم فى نفس الوقت هاجموا عبدالمنعم أبوالفتوح وفصلوه على خلفية الترشح ! هذا الهجوم لم يكن مبررًا أوأخلاقيا، وليس صحيحًا كما يظن البعض أننى استقلت على خلفية ترشيح الشاطر فقط، كما أنه ليس صحيحًا ما نشرته بعض وسائل الإعلام عن أننى قلت أن الإخوان كذابين أو تكفيريين، لم أقل هذا الكلام أبداً، ما قلته وأكرره هو أن القيادة المتنفذة مترددة فى اتخاذ القرارات... السبب الثانى أننى وجدت أن التربية والدعوة فى التنظيم قد هبطت عن المستوى الراقى الذى كانت عليه، نحن كان لدينا مناهج لتربية الشباب نتناول فيها القرآن والحديث والفقه على المذاهب الأربعة جميعاً والتفسير والتاريخ والسيرة إلخ، كل ذلك لم يعد يتم بالشكل المطلوب وبعض المربين ليس لديهم الكفاءة المطلوبة لتربية الشباب. السبب الثالث أن الإخوان تركوا الميدان مبكراً وكان نزولهم مرتبطاً بمصالحهم ووصفوا المتواجدين بالبلطجية، وهو أمر غير مقبول، من قال أن المتواجدين فى الميدان بلطجية؟ أنا كنت هناك فهل أنا بلطجى؟!!، التفاهم كان واضحًا بين الإخوان والمجلس العسكرى فى الفترة الإنتقالية وكان منعكسًا على بعض القرارات الإخوانية، فمثلاً تهريب المتهمين الأمريكان فى قضية التمويل، الأمر كان يحتاج إلى ثورة مثل التى هدد بها "مرسي" فى أسيوط أو على الأقل مليونية حتى ينال الموضوع ما يستحق من جدية، ولكن واضح أنه كان هناك تفاهم أو سكوت!! كما أننى لا أظن أن إقالة طنطاوى وعنان تمت فى إطار انقلاب وإنما فى ضوء تفاهم، ولذلك تجد أن مرسي دافع عنهما فيما بعد، ومع ذلك ورغم سوء إدارة المجلس العسكرى للفترة الانتقالية احترمت موقف المجلس عندما قرر الوقوف إلى جانب الثورة مهما قيل عن الأسباب ومهما قيل عن إقالة طنطاوى أو غيره المهم أن وقفتهم كانت جيدة ولكن إدارة الفترة الانتقالية ارتكب فيها المجلس العسكرى جرائم فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والمرأة التى تم سحلها والرجل الميت الذى ألقى بجوار صناديق القمامة وإهمال علاج المصابين وترك الميدان أحيانًا بدون سيارات إسعاف واإلعتداء على خيام بعض الثوار ووصفهم بالبلطجية وأحداث بورسعيد .....إلخ كيف ترى الرئيس مرسي وإدارته للبلاد؟ هناك تحسن من الناحية الأمنية ولكن فى المجمل الأداء ليس على قدر الوعود التى وعد بها، مرسي وعد بأكثر مما يستطيع ووعوده انتخابية وكان يعلم أنه لن يستطيع الوفاء بها وهو أمر لايصح ولا يجوز لرجل يمثل الإسلام الوسطى أن يفعله... وما رأيك فى مسألة أخونة الدولة؟ ليتهم حقًا "يؤخونون الدولة" لكى يتربى الشعب كما يتربى أبناء الإخوان، أبناء الإخوان يتربون على علوم التفسير والحديث والتاريخ والشريعة، ويتم تأهيلهم بشكل جيد جدًا، فليربوا الناس أخلاقيًا وعلميًا ويتركوهم ليختاروا ما يشاءون، هل تعلم أن عدد الإخوان يقل؟! نسبة الزيادة فى العضوية لا تتناسب مع زيادة عدد السكان... تتحدث كثيرًا عن منهج حسن البنا وتنادى بالعودة إليه، وكأن الإخوان الآن قد خرجوا عن مساره؟ منهج الإمام حسن البنا منهج عظيم، من يعرفه حقًا ينبهر به، حتى العلمانيون الذين سمعونى أتحدث عن منهج الإمام أكثر من مرة فى أحد البرامج، كان عدد من إتصل فى مداخلات منهم ومن الليبراليين يعبر عن استغرابهم من مفاهيم الإمام السمحة وأهدافه الكبيرة جدًا من أجل الناس، مثلاً الإمام يقول: "نحن نعمل للناس فى سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا" ويقول: "إذا وجدنا من يحكم بالحكم الرشيد فنحن جنود له"... الإمام البنا كان يرفض التنافس الذى يزيد من التحزب والعصبية، وكان يدعو للحفاظ على وحدة الأمة فأين نحن وأين الإخوان من هذا الآن؟! كنت أتمنى بعد الثورة أن يكون الإخوان أول من يدعون لانتخابات حرة داخل الجماعة، هم عينوا مرسي رئيسًا للحزب ولم يجروا الإنتخابات داخل الحزب إلا بعد وصوله للرئاسة... كيف ترى العلاقة بين الرئيس والحزب والجماعة؟ مرسي والجماعة والحزب مازالوا فى خندق واحد، والعلاقة بين الجماعة والحزب غير سليمة، يجب أن ستقل الحزب تماماً عن الجماعة وأن تكون مرجعية الحزب هى الجمعية العمومية، وأن تعود الجماعة للدعوة وأن تختار قيادة لها بعيدة عن العمل السياسي... مرسي الآن فى وضع صعب، هو فى الرئاسة يرى الصورة أوسع من الإخوان من خلال دوائر المعلومات والمقابلات مع المسئولين من حوله، ولا يستطيع أن ينقل كل ذلك للإخوان ولا يملك الوقت أيضًا للرجوع للإخوان بطلب المشورة .. هل هناك اتصالات تتم بينك وبين الرئيس مرسي؟ لا.. ليس هناك أى اتصال بينى وبين مرسي أو أى مسئول وعمومًا أنا لا أسعى للاتصال بأى شخص فى السلطة اللهم إلا إذا اتصل أحدهم وكان يرغب فى أمر ما.. ما رأيك فى المستشارين حول الرئيس؟ منهم أناس فى موضعهم وفى مقدمتهم السفير محمد رفاعة الطهطاوى وهو رجل صاحب خبرة ومعرفة ودقة وأمانة، لكننى أعتقد أن تغيير المستشارين الذين عملوا مع النظام السابق كان أمرًا حتميًا، لكن يبدوا أن الثورة ماتت وهو ما بدا فى تصريح مرسي فى أسيوط بأنه على استعداد للقيام بثورة ثانية! هذا كلام ينكر استمرار الثورة لأنى يعن إما أن الثورة قد ماتت ودفنت وأنه يرغب فى ثورة جديدة أو أنه يرغب فى ثورة جديدة يكون هو والإخوان قادتها وأصحابها وهو كلام لا مبرر له خاصة أن أهداف الثورة لم تتحقق بعد... أيضاَ من أهم وسائل تحقيق أهداف الثورة عدم الإستعانة "بالفلول" إلا فى أضيق الحدود كأن لايكون هناك بديل للشخص الذى يتقرر الإستعانة به وهو ما لم يحدث، مثلاً الكتاتنى احتفظ بسامى مهران وأخذه معه للخليج لماذا؟!... الدولة يجب أن تتخلص من نفايات الحكم الظالم... كيف ترى ملف الحريات فى مصر الآن؟ الحريات فى مصر الآن جميلة سواء فى المرحلة الإنتقالية أو بعد انتخاب الرئيس، لكنها فى بعض الأحيان تحولت إلى فوضى ومع ذلك أرجو أن لاتقيد الحريات وأن نحفظ حريات الإعلام والفن، فقط أن توضع ضوابط معقوله لضمان عدم الإسفاف والخروج على التقاليد.. أيضاً لا يجب أن تكون الصحافة القومية تابعة للنظام الحاكم، هى ملك للشعب وما حدث فى هذا الملف لم يكن جيداً، تعيين رؤساء التحرير الجدد دون الإلتزام بالمعايير والصراع مع المجلس االأعلى للصحافة وتحول بعض الكتاب من مدح النظام السابق لمدح النظام الحالى والسماح للمنافقين بالإستمرار فى الكتابة وأيضاَ قرار إغلاق قناة "توفيق عكاشة" بدون قرار من قاضى أو محكمة، توفيق كان مسليًا للناس ... وكان لابد من تقديمه للمحاكمة وأن تقرر المحكمة فى أمره... مالذى لم يعجبك فى ولاية مرسي؟ لم يعجبنى فى مرسي تشاجر الإخوان يوم الجمعة الذى حدثت فيه المواجهات ونزولهم الميدان، كان قرار خاطئ وسلوك خاطئ، وأتمنى أن يسمع الإخوانى ويطيع ولكن فى غير معصية، فالاشتباك الذى حدث يومها كان طاعة فى معصية وثقة من الإخوان فى قيادة ليست جديرة بالثقة فى هذا.. كيف ترى مستقبل الإخوان فى الحكم فى مصر؟ إذا استمر تركيز الإخوان كما هو حادث الآن على السياسة مع إضعاف الدعوة سيخسر الإخوان السياسة والدعوة معاً.. هناك اتهامات للإخوان باستخدام الدين من أجل السيطرة على المجتمع فما قولك فى هذا؟ هذه مشكلة سببها الفهم الحقيقى للدين، لأن سوء فهم الدين أو ادعاء امتلاك الحقيقة بالكامل ووصف المتدين للعلمانى بأوصاف تخرجه من سياق الدين، هذا أمر فيه إساءة للدين، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يقول فى القرآن "وإنا أوإياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين" وهذه الآية معناها أنه لا أحد يستطيع أن يجزم من على صواب ومن على خطأ.. أخيرًا ماذا تريد أن تقول للمصريين ؟ أقول لهم قول الإمام البنا: " كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم".