حوار: أحمد سعيد – صديق العيسوى هو واحد من أبرز القياديين بجماعة الإخوان المسلمين قبل انفصاله عنها، حيث كان يحمل كثيرًا من الملفات الهامة والحساسة لدى جماعة الإخوان لسنوات طويلة، بصفته مسؤول الإخوان وقتها فى آسيا، وظل يطوف بفكر الجماعة بلدان ودول العالم بأكملها لنشر الدعوة لجماعة الإخوان، ولكنه حينما عاد إلى مصر لم تَرق له ممارسات قيادات الجماعة، فاتهمهم بالابتعاد عن مشروع الإمام البنا، فقرر الانفصال عن الجماعة وفضح ما بداخلها.. إنه الدكتور كمال الهلباوى صاحب الآراء الصريحة والصادمة ضد أداء الإخوان والإسلاميين فى الساحة السياسية.
■ قضيت خارج مصر سنوات عديدة بناء على تكليف من جماعة الإخوان، متى خرجت.. ولماذا؟ - خرجت من مصر عام 1988معى أسرتى، وسافرنا إلى باكستان بتكليف من الإخوان المسلمين للاهتمام بشؤون أعضاء الجماعة الموجودين فى باكستانوأفغانستان، ومحاولة رأب الصدع بين قادة الجهاد الأفغانى.. هذه كانت المهمة.
■ هل نجحتم فى إنجاز تلك المهمة؟ - لا.. لم ننجح، صحيح نجحنا فى جزئيات منها منعت شرًا كان من الممكن أن يزداد، لكن مجمل الزيارة لم يحقق النجاح المطلوب ولا المنشود، وقد أرسل الإخوان قبلى كمال السنانيرى ولم يرسلوا بعدى أحدًا، وكان يزورنا باستمرار الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بصحبة الدكتور أحمد الملط، وأنا فى أفغانستان أنشأت مع بعض الإخوة قسمًا للدراسات السياسية باللغة العربية فى معهد الدراسات السياسية بالتعاون مع الدكتور خورشيد أحمد، وكنا نقوم بعمل دراسات عن أفغانستانوباكستان، وهذا المعهد كان صلة بين العالم العربى والعجم، وبقيت فى باكستانوأفغانستان إلى عام 1994، ثم خرجت منها لعدة أسباب، أهمها ضغط الأمريكان على أفغانستان لكى يطردونا، وبالفعل بعد مغادرتى قاموا بتفتيش مكتبى وتحريز كل ما فيه من مستندات وأوراق.
■ بعد مغادرتك أفغانستان، هل عدت إلى مصر؟ - لا.. لم أعد إلى مصر، لأنه كان هناك وقتها محاكمات باسم «العائدون من أفغانستان»، وأيضا «العائدون من ألبانيا»، ووضعوا اسمى فى تلك القضايا، وكانوا يسألون كل مصرى عائد من أفغانستان عن كمال الهلباوى والدور الذى يقوم به.
■ إلى أين كانت وجهتك بعد مغادرتك أفغانستان؟ - سافرت إلى بريطانيا، وأول شىء فعلته هناك كان إنشاء «المركز الإعلامى للإخوان المسلمين»، وذلك فى الوقت الذى كانت جماعة الإخوان محظورة داخل مصر، وكانت بريطانيا فى ذلك الوقت تستضيف إسلاميين وعلمانيين وقوميين ضد دولهم دون تفرقة بينهم، أمثال التونسى راشد الغنوشى والسورى البيانونى والفلسطينى عبد البارى عطوان، وهذا هو جو الحرية الذى نتمنى أن يسود فى مصر، وبدأت فى إصدار رسالة الإخوان الأسبوعية، التى كانت تصل إلى كل أعضاء الإخوان فى العالم أجمع، وقد أدّيت دورى على أكمل وجه.
■ فى ذلك الوقت، ماذا كان موقعك التنظيمى داخل «الإخوان»؟
- كنت مسؤولًا عن الإخوان كلهم فى قارة آسيا، وعن التنسيق بين الحركات الإسلامية كلها، وكنت عضوًا فى مكتب الإرشاد العالمى، وعضوًا فى مجلس الشورى العالمى، ثم استقلت من كل هذه المناصب القيادية سنة 1997، وظللت عضوًا فى التنظيم فقط.
■ هل كانت هناك ضغوط وراء تقدمك باستقالتك من تلك المناصب؟ - لقد استقلت بإرادتى، لأننى كنت أرغب فى التفرغ للكتابة ولنواحى التفكير ومراكز البحث التى أقمتها فى بريطانيا، ثم بعد أن خرجت من قيادة الإخوان قمت بتأسيس الرابطة الإسلامية فى بريطانيا، وكنت أول مؤسس ورئيس لها عام 1997، ثم شاركت الدكتور أحمد صابر والدكتور أسامة رشدى فى إنشاء جبهة إنقاذ مصر، وهذه كانت مصيبة بالنسبة إلى الدولة فى ذلك الوقت، ثم سعينا إلى وحدة الأمة خلال منتدى الوحدة الإسلامية.
■ هل كانت هناك خلافات بينك وبين الجماعة فى ذلك الوقت؟ - لم أختلف مع الإخوان، ولكن بعد عودتى فى 5 أبريل 2011، شاهدت أداء الإخوان خلال الثورة وبعدها ولم يرُق لى، بمعنى أنهم ترددوا فى موضوع الثورة واستمراريتها، وترددوا فى الترشح للرئاسة، وهذا التردد ليس من ثمة القيادة، وقد بلغ التردد والتخبط لدى الإخوان مداه، لذلك قررت الاستقالة الرسمية فى 31 مارس 2012م.
■ وهل اتصل بك أحد من مكتب الإرشاد وقيادات الإخوان لرأب الصدع ودعوتك إلى العودة إلى الجماعة بعد الثورة؟ - كثير من القيادات الإخوانية كلمونى من الداخل ومن الخارج، وبديع نفسه أصدر إعلانًا منذ شهر، قال فيه «مَن شاء أن يعود فالباب مفتوح لمن شردوا»، وقال أيضًا «لو احنا غلطانين نعتذر لهم، ولو همّ غلطانين يعتذروا لنا».
■ وما ردك على هذه الدعوة؟ وهل تقبل دعوة المرشد بالعودة إلى حضن الجماعة مرة أخرى؟ - هذه دعوة جميلة وجيدة، لكن لى تعقيبًا على كلمة «شردوا»، حيث إنها كلمة سيئة ولا يصح أن يقولها المرشد، ثانيًا فالذين خرجوا من الجماعة لهم متطلبات، فهل نفّذ الإخوان تلك المتطلبات، وهل تستطيعون تبنى رؤية ما يسمى بالتيار الإصلاحى أمثال محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح ومختار نوح وهيثم أبو خليل وغيرهم المئات، أما بشأن العودة إلى الجماعة فبالنسبة إلىّ لم تعد العودة مطروحة، فأنا أسست مجموعة أو جمعية جديدة للإصلاح والدعوة الوسطية، كما فهمتها من حسن البنا رحمة الله عليه، وتلك المجموعة لن تنافس أحدًا وليست بديلًا لأحد.
■ هل حاد الإخوان المسلمون عن فكر ونهج مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا؟ - لم يحيدوا ولم يشوّهوا مشروع البنا، لكنهم لم يطبقوا مشروع الإمام البنا بالكامل، فبدا ناقصًا، فمثلًا الإمام البنا يقول «الإخوان يكثرون عند المغرم، ويقلون عند المغنم»، فأنا لا أرى ذلك الآن، وقال «الإخوان رهبان بالليل فرسان بالنهار»، وهذه المفاهيم لم تعد موجودة الآن.
■ ترددت أنباء عن مشاركتك فى بعض الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامى، وفى مقدمتها حزب مصر القوية، تحت التأسيس؟ - أنا لا يمكن أن أضع نفسى فى حزب من الأحزاب، لأننى أتمنى أن أتعاون مع الجميع لمصلحة مصر، لأن الروح الحزبية عندنا ليست جميلة، والتنابز فيها ليس فى كل الوقت شريفًا، لكن من الممكن أن أكون مستشارًا للجميع، وقلت لحزب النهضة ووكيل مؤسسيه الدكتور إبراهيم الزعفرانى، أنا مستشار لكم فقط، وأيضًا قلت ذلك لحزب الدستور والدكتور البرادعى.
■ على ذكرك لحزب الدستور، هل تعتقد أن يكون له دور فى الحياة السياسية خلال الفترة القادمة؟ وهل يستطيع منافسة «الحرية والعدالة»؟ - إذا تآلف معظم أصحاب التيار المدنى فسوف ينافسون، لأن الحياة الديمقراطية تحتاج أكثر من حزب قوى ولا تعيش بجناح واحد ولا بحزب واحد قوى، لذلك أدعو أحزاب المعارضة إلى الخروج من الحالة التى يعيشونها الآن، بترديد أن هناك هيمنة من الإخوان وأخونة للدولة، وما إلى ذلك، وأقول لهم «أين أنتم على الساحة، لا بد لكم أن تتحدوا أو تنسقوا مع بعض أو تتكاملوا أو يكون عندكم تحالف انتخابى، على الأقل حينئذ نستطيع أن نقول هناك منافسة مع التيارات الإسلامية؟».
■ هل المهندس خيرت الشاطر هو الرجل الأقوى فى الجماعة؟ - لا أعرف ذلك، لأنى قضيت نحو 23 عامًا بالخارج، ولا أعرف مَن القوى ومَن الضعيف، ولا يصح أن يكون فى الجماعة رجل قوى والآخرون ضعفاء، فهذه ديكتاتورية، سواء أكانت لخيرت أم لغيره.
■ وهل بالفعل هناك مشروع للنهضة؟ - أنا متأكد أن هناك مشروعًا للنهضة، وشاركت فى صنع بعض النقاط فيه فى فترة من الفترات، فالحوار والنقاش والاستراتيجيات بعضها مكتوب وبعضها فعلته بطريقة شفوية، لذلك أجزم بأن هناك مشروعًا للنهضة عند الإخوان، ولا أعلم لماذا قال الشاطر إنه ليس هناك مشروع للنهضة فى أحد لقاءاته، رغم أنهم ملؤوا الدنيا صياحًا وعويلًا بأن هناك مشروعًا للنهضة، ويُسأل فى مشروع النهضة الدكتور حسين القزاز، وهو لا يزال موجودًا مع الجماعة ويعمل بداخلها، وهو عقلية استراتيجية إدارية ضخمة وفذّة للغاية.
■ وكيف ترى الوضع الهيكلى والتنظيمى للجماعة من الداخل؟ - الجانب التنظيمى بالإخوان جيد للغاية، مثل باقى مؤسسات الدولة، إنما ما يدور داخل ذلك هو الأهم، فأى تكتلات لأسباب غير فكرية، كالصداقة أو المصاهرة أو ما شابه، تصبح خطرًا على المشاريع.
■ ما رأيك فى المطالبات المتتالية بتقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين؟ - أنا مع تقنين وضع الجماعة من وقت مبكر، حتى يكون كل شىء بشفافية.
■ هل ترى أنه يتوجب خلال الفترة المقبلة فصل جماعة الإخوان المسلمين عن حزب الحرية والعدالة؟ - يجب أن ينفصل الحزب عن الجماعة تمامًا، وعلى الإخوان أن يقدروا أن أى أعضاء فى الجماعة يحتاجهم الحزب، يجب أن يفصلوا وينتقلوا إلى الحزب، حتى لا يضطر إلى اللجوء إليهم كل مرة.
■ أتتوقع أن يقوم الإخوان بذلك؟ - هم أحرار بقى، ولا أعرف إذا كانوا سيأخذون به أم لا.
■ وهل هناك ارتباط بين مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد لجماعة الإخوان حتى اللحظة الراهنة؟ - هناك تفاهم بين الرئيس والإخوان، ولكن ليس فى كل القرارات والحالات، نظرًا إلى أن مؤسسة الرئاسة لها وضعها، وكما يقول الأمريكان عليها باللغة الإنجليزية «the office makes the president»، بما يعنى المكتب يخلق الرئيس، وكلمة تفاهم أشير بها إلى النقاش حول المصلحة والقضايا، وقد يصيب وقد يخطئ.
■ المرحلة الانتقالية فى أثناء تولى المجلس العسكرى السلطة سادها عديد من التجاوزات والتفاهمات أيضًا، فهل تحالف المجلس العسكرى مع الإخوان فى تلك الفترة؟ - نعم كان هناك تفاهم بين الإخوان و«العسكرى» بخصوص كل شىء فى إدارة البلد، ولم يرُق إلىّ ذلك، خصوصا بشأن موقفهم من الثوار فى شارع محمد محمود حينما وصفهم نواب مجلس الشعب من الإخوان بأنهم بلطجية، قلت وقتها لو أن حسن البنا كان حيًّا لما وسعه إلا أن يأخذ بطانية ويجلس فى ميدان التحرير لكى يصحح للناس مواقفهم وينبههم ويرشدهم، ويساعد على استمرار الثورة ويدافع عن الثوار أمام المجلس العسكرى وأمام البلطجية.
■ وهل أنت راضٍ عن تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد بوضعها الحالى؟ - لست راضيًا بالكامل عن التشكيل، ولكن ما أود أن أقوله إننا لا يجب أن نستمر فى صراع، وعلينا الخروج من ذلك فى أسرع وقت ممكن، فسواء أكان هذا الاستفتاء قام به «زيد أو عبيد» فالشعب سيقول كلمته حينما يستفتى على الدستور، ولن يكونوا عرضة لأن يقنعهم الإخوان والسلفيون ب«نعم»، ففى ظل الإعلان الدستورى الحالى نصطدم بالمادة البلاء 28 التى كانت تعطى صلاحيات إلهية للقضاء والمحكمة الدستورية العليا، فيجب علينا أن نخرج من حيز الصراع على التأسيسية، ولكن الله أعلم.
■ كيف ترى تشكيل مؤسسة الرئاسة واحتواءها أغلبية من الإخوان، مثل العريان والحداد ومحيى حامد؟ - هذا حزب ناجح فى الانتخابات، ولو جاء شفيق كان سيأتى بأفراد من القوات المسلحة والفلول والثورة المضادة، أليس كذلك؟ ولم يكن ليأتى بالوطنيين والثوريين، والرئيس مرسى يرى أن هؤلاء سيساعدونه وسينفذون المشروع، ومعيار الكفاءة وحده هو مَن يحدد ويرجّح الاختيار.
■ هل من الممكن أن يتم إجراء انتخابات رئاسية بعد وضع الدستور؟ - الاستفتاء على الدستور واختصاصات البرلمان والرئيس هى الأهم حاليًا، سواء حدثت انتخابات أم لم تحدث، وهى ليست مشكلتى وقضيتى، ولكن ما ألحظه أننا نخلق معارك لا تفيد فى بناء الدولة.
■ وما رؤيتك لمستقبل التيار الشعبى الذى يقوده المرشح حمدين صباحى والاتهامات التى تلاحقه بكونه يسعى لتطفيش الاستثمارات الأمريكية؟ - صباحى رجل محترم، وأعتقد أن موقف حمدين صباحى من أمريكا وإسرائيل صائب، فهم لا يستثمرون علشان خاطر عيون مصر أو لكونهم هيئة خيرية، و«مافهاش حاجة لما يطفش الأمريكان واستثماراتهم».
■ هل تتوقع فى عهد الرئيس مرسى انحياز مصر إلى حركة حماس على حساب حركة فتح، فى الانقسام الفلسطينى؟ - لا أتوقع هذا، إنما سيكون هناك دور بالتوازن والمحاولة، ولكن يجب على الرئيس أن يطرح رؤيته لنا وللعالم لحل القضية الفلسطينية.
■ ما رأيك فى حكومة الدكتور هشام قنديل؟ - يجب علينا منحه فرصة للحكم عليه، وربنا يوفقه.
■ هل مرسى صورة تشبه المرشد؟ - الرئيس مرسى ليس صورة شبه المرشد، بل له شخصية مستقلة وسيقود مصر قيادة جميلة إن شاء الله.
■ وما رأيك فى التصريحات الأخيرة التى أدلى بها الكتاتنى بأن مجلس الشعب سيعود قريبًا؟ - تصريح فج وفى غير محله، وأعتقد أنه لم يأت من فراغ، ولكن قد يكون له خلفيات، والله أعلم هل لذلك علاقة بمؤسسة الرئاسة أم لا، فاسألوه عن الخلفيات، وأعتقد أن مجلس الشعب لو عاد دون المقاعد الفردية، فإنه سيكون حلًا عادلًا، وأعتقد أيضًا أن المحكمة الدستورية العليا أخطأت بإلغاء مجلس الشعب بالكامل، وكان يجب أن تحل فقط ثلث المقاعد وهى التى جاءت عن طريق الانتخاب الفردى.
■ كيف تقيّم مشهد الإساءة للرسول «ص» فى أحد الأفلام الأمريكية؟ - الأمريكان سيستمرون فى الإساءة، لأنهم لا يسيئون إلى الرسول فقط، ولكن أيضا إلى سيدنا عيسى، ولا نتوقع منهم احترام الأنبياء والذات الإلهية، وإحنا نفسنا بنسىء إلى الأنبياء ليس بالأفلام ولا الرسوم، ولكن بسلوكياتنا وأخلاقياتنا.
■ هل التظاهر وإنزال العلم الأمريكى حل مناسب من وجهة نظرك؟ - إنزال العلم الأمريكى من على المبنى ليس حلًا من وجهة نظرى، ولكن المظاهرات جزء من الضغط، ويجب أن تستمر
■ فى ظل التغيرات السياسية الحالية.. هل نجحت ثورة يناير؟ - الثورة ماتت وانتهت، وليس لها نجاح إلا فى بعض مشروعات الرئيس مرسى مثل مشروع الفلاحين، «وموتوها اللى تآمروا عليها»، وهم كل الأحزاب السياسية، بما فيها الإخوان، وهم يحاولون الآن تنفيذ شىء من متطلبات الثورة، لكنهم تركوا الثورة، التى لم يكن لها قيادة ولا إعلام يتكلم باسمها حتى يتم تنفيذ الشعارات الأربعة التى طلبتها، ولا توجد ثورة إلا فى قلوب الناس وعقليات الناس.