على جانب الطريق يجلس رجل عجوز وحيدا وهو يمسك بيده أعوادا من البوص، يتغزل بها لتكون جاهزة لتصنيعها «أسبتة»، منكبًا على وجهه بالعمل فى حرفة لم يعد يعمل بها الكثير؛ حيث تشارف تلك الحرفة على الاختفاء بفعل الحداثة واستخدام خامات بلاستيكية ، لكن عم «عبد الفتاح أبورهيف» لا يزال متمسكا بها، حيث لا يعرف عملا غير هذه الحرفة. وبرغم دخوله العقد السابع من العمر وصيامه رمضان إلا أنه يستمتع بالعمل – على حد قوله - حيث يتحرك بخفة ونشاط وكأنه شاب فى العشرينات، وترسم حرارة الشمس على وجهه الأسمر، وجروح أصابعه التى سببتها حدة أعواد البوص، ملامح عجوز مصرى يعارك قسوة الأيام مصرا على هزيمتها وعدم تمكنها من حالة الرضا التى يعيشها. بدأ عم عبد الفتاح حديثه ل «الأهرام المسائى» قائلا : أعمل فى هذه المهنة منذ أن كنت فى عمر السادسة، لكن الحال كان غير الحال فقد هجر الحرفة كثيرون، فمنهم من عمل فى مهن وحرف أخري، ومنهم من سافر إلى القاهرة للعمل، ولم يعد أحد من الجيل الجديد من الأبناء يرغب فى تعلمها. وتعتبر صناعة السلال ومنها «السَبَت» أشبه بعملية نسج يدوى لنبات طبيعي، وهى حرفة ومهنة يدوية شعبية تم توارثها وانتقلت عبر الأجيال، ويشار إلى من يعملون فى هذه الحرفة بصانعى «الأسبتة». ويقوم عم «عبد الفتاح» بشراء الكمية التى يحتاجها من البوص الذى يستخدمه للعمل بنقعه فى الماء حتى يصير طيعا لينا يسهل التحكم فيه، ويحافظ على أعواد البوص لتكون رطبة أثناء عمل السلة أو السَبَت. ولا يحتاج صانع السلال إلى أدوات كثيرة فقط يستخدم سكين حادة، وقطعة خشب لها مفرغة تسمى «فلاقة»، حيث يمكنها فلق عود البوص إلى أربع أو ثلاث شرائح. تبدأ عملية صنع السَبَت من تقشير أعواص البوص بالسكين لإزالة أوراق النبات التى جفت والتصقت به، ثم تقسيم الأعواد إلى شرائح صغيرة بواسطة السكين أو الفلاقة، ويبدأ تشكيلها حسب المنتج المطلوب. ويتبع العجوز فى عمل السلال طريقتى النسج أو التضفير، حيث تكون قاعدة السلة وهى ما يطلق عليها «البدو» أى بداية السلة أو السَبت قاعدة، والسداوة المكونة من دعائم يتم لف البوص حولها وتشكيل السبت بالحجم والنوع المقصود. وتتكون قاعدة السلة من عدد فردى من البرامق «الدعامات» التى تتقاطع فى وسطها، ويتم تمرير شرائح البوص من تحتها وفوقها، ومع استمرار تلك الطريقة تتشكل جوانب السلة، ويتم ثنى نهايات البرامق فوق آخر صف بإدخالها بين الناسجات لصنع «الودن» التى يتم حمل السَبَت أو السلة منها. ويضحك عم عبدالفتاح ويقول سعر «السَبَت» أو «السلة» كان لا يتعدى ال5 تعريفة، أما الآن فأصبح سعره، 15جنيهًا، ويكمل: «مهنتنا مفيهاش تجديد لأن الخامة لا تصلح إلا لصناعة السلال والأسبتة فقط»، وهناك من يغش فى هذه الحرفة ويستخدم خامات ضعيفة من البوص، لكنى أخاف الله ولا أعمل بهذه الخامات، لذلك يتهافت التجار على شغلى لجودته. وحسب ما يقول فإنه ينتج فى اليوم من 30 إلى 35 سبتا باليوم لكبر سنه وهذا بالطبع أقل مما كان ينتجه فى السابق ، حيث كان يمكنه إنتاج أكثر من 50 سبتا فى غضون بضع ساعات. تركنا عم عبد الفتاح وسط كومة من البوص والأسبتة من حوله وعلى وجهه ابتسامة تنم عن رضا وسماحة وهو يردد الحمد لله على كل حال وربنا يحفظ مصر «من شر الأعداء».