كان اهتمام الناس بمتابعة الإعلام المصري، نابعًا من ثقة تامة به وبما يقدمه؛ لذلك تربت أجيال على أسسه وقيمه، التي اعتادنا عليها، حتى دخلت علينا الفضائيات الخاصة، ولأنها لن تستمر إلا بوجود تدفقات نقدية جيدة من خلال الإعلانات، حتى تستطيع دفع تكاليف البث بكل عناصره. لذلك تسللت إلينا قيم غير معتادة، في برامج غير هادفة على الإطلاق تستضيف نجومًا محببة للناس، تتحدث عن تفاصيل مملة، لا تثمن ولا تغني من جوع، المهم وجود النجم، ومن ثم تدفق الإعلان وراء الإعلان، فتتحقق الأرباح، أما المشاهد فهو بالنسبة لعدد ليس بالقليل منهم عبارة عن وسيلة لتحقيق الربح فقط. يكفي أن تشاهد القنوات الرياضية أو البرامج الرياضية، وهي تبث سموم الكراهية لدى الجماهير، فتضع الزيت على النار، وتشتعل الحرائق، وتتحول الرياضة من وسيلة لإيجاد التنافس الشريف بين المتبارين، لوسيلة للتنابذ والغل الكراهية بين الناس، أما مقولة الروح الرياضية، أمست سمة غير موجودة، لم تعد الروح رياضية بالمعنى القديم الذي نشأنا عليه، وأضحت عدائية! وأعود وأكرر كل ذلك يدخل في نطاق التجارة بشكل تام، فالأهم تحقيق الربح من خلال جذب المشاهد، ولا أهمية لطريقة الجذب، المهم الجذب، وبتنا نشكو جميعًا من سوء محتوى ما يقدمه الإعلام الخاص، من دراما أو حتى برامج لا تقدم شيئًا مفيدًا للناس، إلا ما رحم ربي. لذلك عقد مقارنة ما بين ما يٌقدم الآن، في الفضائيات الخاصة التي سعت بكل قوتها لقتل التليفزيون المصري، لتأخذ مكانه، وبينه، مقارنة عادلة، ومن المؤكد أنها ليست في صالح الأولى، لأن التليفزيون المصري، لم يكن يسعى للربح، وبرغم ذلك كان يحقق أرباحًا كبيرة حتى فترة قريبة، من خلال تسويق برامج، كانت تقدم عملاً فنيًا متكاملًا، من كل العناصر، من جودة المحتوى، والصورة المٌعبرة، إلى البث وفق معايير تعتبر المشاهد قيمة يجب احترامها وتنميتها والتعامل معها في إطار المجتمع ككل. اليوم انتشرت عشرات الإذاعات، تقدم برامج، سٌميت بالخفيفة، وللحق أدعى أن نسميها بالفارغة من كل شيء، إلا التسلية، كل ذلك وأكثر خلق تنافسًا على المشاهد، ودخلت على خط التنافس قنوات يتم بثها من بلدان أخرى، تتحدث العربية، تسعى بكل قوتها لجذب المشاهد المصري بشكل خاص، لتخلق وعيًا منفردًا، فهي توهمه بأنها تملك من المعلومات ما يميزها عن غيرها، ومع بهارات الصورة والصوت، قد تنجح، في إيجاد حالة خاصة بها، فهي في البداية تبدو مقنعة، ولكنها رويدًا رويدًا، تفرز سمومها بجرعات قليلة للغاية، ثم تبدأ في زيادتها، حتى تكون نجحت في اصطياد عدد كبير من المتابعين! ولا ننكر أن الأسرة تركت دورها ليقوم به غيرها، فاختفت القدوة الحسنة من أمام الأبناء، ودخلت حياتهم قيم سيئة عليهم، وبدت طريقة تعاملاتهم غريبة، وحينما نشير لذلك، يأتي الرد مفزعًا، أنه التطور الطبيعي، فاسأل، هل الأخلاق تتطور؟! .. وفي مقالنا القادم نكمل إن شاء الله [email protected]