د. شيرين الملواني تكتب يُشكل الأمن المائي تحديًا محوريًا أمام تنمية منطقة الشرق الأوسط ومصر واستقرارها، نظرًا لندرة المياه نسبيًا في تلك البُقعة مقارنةً ببقية دول العالم؛ حيث يعيش أكثر من 60% من سكانها في مناطق تعاني من مُستوى مرتفع من الإجهاد المائي، وتختلف تحديات الحياة في يومنا هذا عنها منذ عقد وحتى قرن من الزمان؛ فالخطورة تكمُن في التطور السريع الذي شهده السياق الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والسياسي في هذه المنطقة، وهو السياق الذي يتسْم بارتفاع مُعدلات الزيادة السكانية ولاسيما توسع المدن على حساب الرقعة الزراعية، حيث يتوقع أن يتضاعف عدد سكان المنطقة بحلول عام 2050. لذا فإن الاستهلاك المُتزايد للمياه بأقل من قيمتها وعدم كفاية ترتيبات الحوكمة يؤدي إلى نضوب موارد الماء وهو ما يؤدي إلى عجز في مصادر الغذاء، كما يُشكل تغير المناخ مجموعة أخرى من الضغوط في هذا السياق لما يسفْر عنه من تغير للظواهر لتصير أكثر قسوة وتطرفًا؛ مما يزيد بدوره من مخاطر الجفاف وما يتبعه من ضرر مُباشر بالعنصر البشري ويساهم في زيادة معدلات الفقر. وفي مصر ومع تنامي الزيادة السكانية وزيادة احتياجات الفرد تراجعت حصة ذلك الأخير من المياه خلال المائتي عام الماضية بشكل مُقِلق وملحوظ، وتضاءلت الرُقعة الزراعية التي عانت من جور تجريفها أو الزحف العُمراني عليها؛ مما مهد للعديد من الفجوات الغذائية في السنوات الأخيرة، بالإضافة لمعضلة قصْر الإنتاج الزراعي على محاصيل التصدير والتي تعود بالنفع على المُصْدر؛ لذا كان لابد من البحث عن استثمار جديد خارج الصندوق للعثور على حلول بديلة غير تقليدية لتأمين الأمن الغذائي ولمجابهة أي تهديد لحصتنا في مياه النيل. فكان مشروع الدلتا الجديدة كمشروع تنموي جديد؛ يكفل حلًا بديلًا للدلتا المصرية وكمشروع قومي زراعي متكامل يضم أجود أنواع المحاصيل الزراعية ووفرة في الإنتاج الحيواني والداجني، مما يضمن الحد من فاتورة الاستيراد في دولة مخزونها الإستراتيجي من العملات محدود، ويكفُل سد احتياجات المستهلك المصري من الحبوب الإستراتيجية والتقليل من الفجوات الغذائية وسد عجز اللحوم. وجاء هذا المشروع كخطوة في مشروع التنمية المستدامة والذي يكتمل بحلول 2030، مدعومًا بالتوازي بمشروعات زراعية أخرى شمال ووسط سيناء وتوشكى والوادي الجديد والريف المصري، ويستهدف رقعة زراعية تصل لأكثر من 2 مليون فدان بوقوعه في منطقة حيوية (محور روض الفرج - الضبعة)؛ حيث القرب من مناطق الخدمات وسهولة الانتقال ونقل المستلزمات والمُعدات اللازمة لتنفيذه، بالإضافة لقربه من الموانئ سواء البحرية أو البرية. والنقطة الأهم في هذا المشروع هي الاعتماد على مصادر الري غير التقليدية؛ حيث تعتمد التنمية على مصادر المياه الجوفية ومحطات معالجة مياه الصرف الزراعي المُهدرة بمحطة عملاقة تفوق قدرتها محطة بحر البقر وتُعالج 6 ملايين متر مُكعب من المياه في ري المحاصيل، إضافة لاستغلال موقع المشروع التنموي لقربه من البحر المتوسط؛ حيث المناخ المعتدل وغزارة الأمطار. مشروع الدلتا الجديدة بخطواته التي بدأت بالفعل تحت إدارة وزارة الزراعة وجهازي الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة والتي استهلت التدشين بإنشاء شبكات للطرق ومحاور المساقي والمصارف المائية ووضع أسس محطات الرفع ومعالجة المياه والتأكد من صلاحية التربة التامة لزراعة العديد من الحاصلات الزراعية الإستراتيجية؛ يُعتبر نواة لمشاريع أخرى خارج الصندوق، مصر بحاجة إليها كدولة تسير على خُطى التنمية الحقيقية والمدروسة كنهج غاب عنها لسنوات؛ هذا المشروع يستحق الاهتمام الإعلامي بجرعة تحترم فكر ومجهود القائمين عليه وبوضوح وشفافية إطلاع المواطن المصري على خطواته وجدواه، دون الاكتفاء فقط بتكذيب شائعات صعوبته واستحالة إتمامه؛ تلك الشائعات التي يطلقها المُغرضون والمُحرّضون على الدولة المصرية، يتم الرد عليها بتغطية كاملة شفافة، فذلك المشروع وأمثاله هو السلاح الذي نُجابه به التغيرات المناخية ونحارب به من ظن أن بيده تعطيشنا أو تجويعنا، فتنفيذه ضمان لاكتفاء ذاتي نسعى له منذ سنوات طوال… والقادم أكثر خيرًا ونماءً على مصر المحروسة.