د. شيرين الملواني تكتب في كل مرة يتلقى الشعب المصري خبر حادثة قطار ويفجع لكثرة ضحاياها على مدار السنوات الأخيرة، ترتفع الأصوات المؤيدة والمعارضة للحكومة بضرورة حساب المسئول، ويَكمُن الحساب والحل المؤقت في حتمية إقالة قيادات هيئة السكة الحديد وعلى رأسهم وزير النقل؛ وهو ما طالب به غالبية الناس حنقًا بوجوب تقديم وزير النقل استقالته يوم الجمعة الماضي على خلفية تصادم قطاري الصعيد في محافظة سوهاج. وحدث التراشق بين المصريين كالمعتاد كلِ حسب توجهه؛ فمنهم من يؤمن بتكرارها في جميع دول العالم يوميًا بدون استثناء، ومنهم من يختص مصر ببعض التقصير الإداري والخدمي في حق مواطنيها، ولا شك أن كامل الوزير هو من أكثر الوزراء كفاءة حتى إن توقيت تعيينه خفف من حدة حنق المصريين على المنظومة؛ لثقة الشعب في كفاءته وقدرته على إصلاح مؤسسة خَرِبة من عهود سابقة لذا فتحميله المسئولية ومساعديه درب من دروب الظلم. وبالاستعراض سنجد أنه لم تخلُ أي دولة في العالم من تلك الحوادث؛ بل إن نسبة حدوثها تتزايد وخاصة في أوروبا؛ فمن فرنسا العام الماضي بخروج قطار فائق السرعة عن مساره شرق باريس، لإيطاليا وتصادم قطارين في بواليا جنوبًا عام 2013، للولايات المتحدة بتصادم قطار ركاب وآخر للبضائع عام 2018؛ مما خلف ضحايا وإصابات وخسائر مادية فائقة، وبالرجوع إلى الجاني سنجد أن العنصر البشري هو الفاعل والمتهم في 90% من تلك الكوارث؛ وإذا ما تأملنا هذا العنصر وخاصة في منطقة الشرق الأوسط ومصرنجده عبئًا على دولته؛ بل وسبب أغلب الخسائر؛ فهو فاقد للتأهيل والخبرة؛ بل ومُهمَل لعقود ولم يتم توظيفه واستثماره فعليًا وزادت معاناته في السنوات الأخيرة؛ منذ بدء ثورات الربيع العربي 2011 وحتى جائحة كورونا التي أثرت على كفاءته بالسلب. ولابد من الإجماع على كون كفاءة العنصرالبشري ضعيفة في أغلب مؤسسات الدولة المصرية وعطائه يشوبه الكثير من النقص، وأنه لكي نرفع قدرة هذا العنصر لابد من استعراض أسباب ضعفه وكيفية استثماره، فدعم منظومة العنصر البشري تحتاج إلى جهود حكومية في صورة تطويع واستغلال كامل الإمكانات والميزانية المرصودة من الدولة وأخرى تتعلق بالفرد ذاته، فمما يرفع نسبة الخطأ البشري وتكرار الزلّل التي تؤدي إلى الكوارث مشكلة قلة الخبرة متمثلة في عدم توافر الكوادر المُدرَبة وعدم وجود خبير يُعتد به للتوجيه، إضافة إلى سن بعض العناصر من حديثي التعيين إلى مُسن فاقد أهلية التعامل. وقد بُذلت الجهود بزيادة عدد الدورات التدريبية والاستعانة بخبرات أجنبية ومصرية من أجل رفع الكفاءة، نضيف إليها حالة العنصر البشري الصحية التي قد تكون متحكمة في قدرته على رد الفعل السريع الصحيح أمام أي مشكلة طارئة، ويشمل الوضع الصحي تعاطي المواد المُخدرة وهو ما تم تداركه بالتحاليل الفجائية للعاملين وتفعيل قانون إنهاء الخدمة عند ثبوت التعاطي، مع تغيير نمط الرعاية الصحية بأنظمة أكثر دعمًا مثل نظام التأمين الصحي الشامل وحملات 100 مليون صحة من قبل وزارة الصحة والقضاء على الأمراض المتوطنة كالالتهاب الكبدي الوبائي - فيروس سي - ومع توزيع مهام العمل العادلة وتوفير مبدأ الإثابة لأي عمل إضافي يبقى العائق الأهم والأخطر ألا وهو عنصر الضمير، المتبوع باللامبالاة والإهمال والذي ينبع من الشخص ذاته بدءًا من عدم الولاء للمؤسسة التي ينتمي إليها أو الاستهزاء بحجم الحدث أو استصغارالعقاب؛ لذا لابد من تفعيل قانون رادع لمحاسبة المخطئ، وتكون الأحكام رادعة وشافية. نهضة الدول تقوم على العنصر البشري، وليست على إقالة وزير يجمع الكل على كفاءته وتحركاته ملموسة في المنظومة، يجب حساب المُخطئ الحقيقي يجب الحد من السلوك المؤذي للشعب المصري من تعمد التخريب لمسار قطارات السكك الحديد، فالإقالة للوزير أو لقياداته حل مؤقت انفعالي، وعلينا أن نعمل لإقالة الضمير الحالي للمواطن المصري.