أطلقت مكتبة الإسكندرية على هامش ملتقى المفكرين والمثقفين، التقرير الثالث لمرصد الإصلاح العربي، الذي يُعد محاولة لاستطلاع ورصد وقياس خُطى الإصلاح بمختلف مستوياته في العالم العربي. وقال الدكتور مصطفى علوي، محرر التقرير، إن تقريري المرصد لعاميّ 2008 و2009 ، كانا قد ركزا على دراسة رأي النخبة وإدراكها للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في بلادها وفي المنطقة العربية، بينما أضاف التقرير السنوي الثالث لمرصد الإصلاح العربي لعام 2010، إلى ما سبق، موضوعًا جديدًا يتمثل في إدراك النخبة العربية للإصلاح في مجال التعليم. وأشار علوي إلى أنه لأول مرة يتمكن القائمون على مرصد الإصلاح العربي من الحصول على إجابات على الاستطلاع من 21 دولة عربية، وكانت جيبوتي الدولة الوحيدة التي لم تشارك فيه. وفيما يتعلق بإدراك النخبة للإصلاح السياسي سارت نتائج استطلاع رأي النخبة العربية لعام 2010 في الاتجاه نفسه ، الذي أشار إليه التقريران السابقان (2008 و2009)، وأشارت النتائج إلى وقوف الرأي العام عند منطقة تميل إلى التشاؤم والنظرة السلبية، إضافة إلى وجود تقارب في بعض الإجابات من دول عربية مختلفة . وفى القضايا الخاصة بالتعليم، أظهرت النتائج أن النخبة العربية غير راضية عن مستوى التعليم، ورغم ذلك متفائلة بشأن إصلاحه، وفي الوقت نفسه فإنها شديدة الحذر من التغيير الشامل للمناهج التعليمية. وكشفت النتائج أيضًا عن تنامي الشعور الوطني لدى المواطن العربي نظرًا لرفض الأغلبية الساحقة الاستعانة بمستشارين أجانب من أجل إصلاح التعليم، كما أشارت النتائج كذلك إلى وجود جوانب مهمة لقصور نظام التعليم العربي، بما يمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل المنطقة العربية. وتشير النتائج، فيما يتعلق بإدراك النخبة للإصلاح الثقافي، إلى أن غالبية أفراد العينة (67%) ألمحوا إلى أن هناك وجودا ما لبرنامج موضوع للإصلاح الثقافي، لكن في الوقت نفسه كان هناك (45,5%) من العينة يرونه غير واضح، وقرر حوالي ثلث العينة (33%) عدم وجود مثل هذا البرنامج، في حين بلغت نسبة من يرون أن ثمة برنامج مُعلَن وواضح للإصلاح الثقافي (21,5%). ولم تختلف الدول محل الدراسة في المؤشرات السابقة إلا في حالة منطقة الدول الوسطى "مصر، السودان، الصومال، جزر القمر)، حيث ترى النسبة الأكبر من آراء عينة النخبة فيها وجود برنامج معلَن وواضح للإصلاح الثقافي (42,4%) مقابل (25,6%) لا ترى ذلك. وحين سُئل أفراد العينة عن تقييمهم الشخصي لبرامج الإصلاح الثقافي في بلادهم، أشارت النتائج إلى أن أكثر من 75% من العينة لا يرون إنجازًا محسوسًا لبرامج الإصلاح الثقافي في بلدانهم. وأوضح التقرير أنه عند مقارنة إدراك النخبة العربية لمدى فاعلية ونجاح برامج الإصلاح الثقافي، كما ورد في التقرير الثالث عام 2010، بما ورد في التقريرين السابقين، ارتفاع نسبة من لا يرضون عن عمليات الإصلاح الثقافي عبر التقارير الثلاثة بشكل مضطرد من 20% إلى 38,3%، ثم إلى 41,2% على التوالي، مما يمثل إشارة تحذير لا ينبغي تجاهلها. وقدمت النخبة العربية، من خلال تحليل النتائج، بعض المقترحات بشأن إصلاح التعليم في المنطقة العربية، تتمثل في: ضرورة إحداث تغييرات جذرية في النظام التعليمي تتجاوز مجرد زيادة الموارد التي يتم ضخها لتشمل صلب فلسفة النظام التعليمي وأهدافه والسياسات التعليمية وبنية المؤسسة التعليمية، وأهمية ربط الإصلاح الجذري للنظام التعليمي بالإصلاح السياسي الشامل، الانفتاح على التجارب الإنسانية الأخرى في تطوير التعليم والأخذ بأفضل خبراتها ودروسها دون الاقتصار فقط على أمور تتعلق بالخصوصية والهوية والحفاظ على الذات، بما يؤدي إلى إهدار فرص اللحاق بالتقدم العلمي الحقيقي. وتشير نتائج الاستطلاع، بشأن إدراك النخبة للإصلاح الاجتماعي، إلى أن هناك تحسنًا كميًا ملحوظًا عن العام الماضي فيما يتعلق بالمشكلات الاجتماعية والإجراءات التي اتُخذت لعلاجها، إلا أن هذه الإجراءات لم تكن كافية من وجهة نظر عينة النخبة لإحداث الإصلاح الاجتماعي المأمول. وأبرز تحليل إدراك العينة لمشكلات النظام التعليمي تطابقًا مع واقع المشكلات في الوطن العربي، حيث جاءت مشكلات الدروس الخصوصية، وعدم اتساق سياسات التعليم مع سياسات التنمية الأخرى، وتزايد الغش والفساد، والاعتماد على التلقين، والتسرب من التعليم، في مقدمة المشكلات التي تعاني منها أنظمة التعليم في غالبية البلدان العربية. وألمحت عينة النخبة إلى وجود إجراءات للمواجهة، إلا أنها أكدت عدم كفاية هذه الإجراءات من أجل إحداث إصلاح في التعليم. وأكد إدراك النخبة على وجود تفاوت ملحوظ في جودة ونوعية التعليم، الذي يتلقاه الفقراء ومحدودي الدخل مقارنةً بالفئات الأعلى داخل المجتمع، على الرغم من اتخاذ إجراءات لمواجهة تلك الظاهرة. وينطبق الأمر ذاته على التفاوت بين المناطق الحضرية والمناطق النائية، وبين التعليم الحكومي والتعليم الخاص، حيث أدى إلى ترك تأثيرات سلبية واضحة نتج عنها تعميق الفجوة بين المتعلمين. أما التفاوت على المستوى النوعي (ذكور- إناث)، فقد استطاعت العديد من البلدان العربية تجاوزه لدرجة أن الفروق أصبحت لصالح الإناث في التعليم الجامعي. وأقرت العينة وجود علاقة بين التعليم والصعود الاجتماعي واتخاذ الدول لعدد من الإجراءات لتفعيل مساهمة التعليم في الحراك الاجتماعي، إلا أن التقييم جاء في صالح عدم كفاية هذه الإجراءات، وهو ما يدعم تراجع التعليم عن دوره الأساسي كأحد مؤشرات التنمية البشرية. وتطابقت تلك النتائج أيضا فيما يتصل بعلاقة التعليم بمشكلات المجتمع، فهناك مقررات ونشاطات ضمن برامج التعليم للتوعية والتثقيف إلا أنها غير كافية، وهو ما يثير أهمية التنسيق بين برامج التعليم ومشكلات المجتمع. أما بالنسبة لإدراك النخبة للإصلاح الاقتصادي، فتشير النتائج إلى أن هناك اتفاقًا عامًا بين مختلف مجموعات الدول العربية على أن برامج الإصلاح الاقتصادي في بلادهم، تحتاج إلى مزيد من التفعيل والإجراءات. وأوضحت نتائج الاستطلاع أن المشكلات المزمنة، التي رصدها التقريران السابقان لا تزال تمثل تحديًّا في الوقت الحاضر، وتأتي على رأسها مجابهة البطالة وخاصةً بين الشباب، والحاجة الملحة إلى إصلاح منظومة التعليم بشكل يتواءم مع متطلبات سوق العمل واحتياجات النمو في المستقبل، وتقليص العجز في موازين المدفوعات والموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ خطوات جادة لوضع المقررات الخاصة بالتكامل الاقتصادي العربي وإدخالها حيز التنفيذ. وتبرز نتائج تقرير عام 2010 أن نسبة غير الراضين عن برامج الإصلاح الاقتصادي ارتفعت من 23% عام 2009 إلى 26,3%، نتيجة إلى تعرض الكثير من الدول العربية إلى تبعات الأزمة المالية العالمية، التي أثرت بصورة مباشرة على التشغيل والنمو والبطالة. يذكر أن مكتبة الإسكندرية تبنت على مدار السنوات الثلاث الماضية مشروع مرصد الإصلاح العربي، وهو مشروع بحثي إحصائي يقوم بالأساس على دراسة تطور إدراك النخبة العربية للإصلاح في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، سواءً كان هذا الإدراك في اتجاه سلبي أو إيجابي.