تقع معجزة الإسراء والمعراج بين المعجزات من حيث الأهمية بعد معجزة القرآن الكريم. فالقرآن أولا لأنه يعلو ولا يعلى عليه، ولأنه المعجزة الكبرى الخالدة، التى تحدى الله بها الأنس والجن على أن يأتوا بمثله، ثم قرر بصيغة التحدى (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً)، ثم يأتى بعد القرآن مباشرة معجزة الإسراء والمعراج، وهذا ليس افتراضا، بل نتيجة طبيعية نظرا لعظيم المضمون والمحتوي. فالإدراكات العقلية تقف عاجزة عن استيعاب هذه الرحلة الفريدة، وهذا هو سر البدء والاستهلال بقوله تعالي: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَي) والسَّبْح فى اللغة يعنى : التباعد. لأنه لا تستطيع الذرة التائهة الفانية أن تحيط بحقيقة الأزل، وإن وصلت واتصلت فما الفائدة وكل شيء فى ملكه يصل إلى منتهاه؟ فيجب التسليم المطلق أمام خوارق العادات، كما قال أبو بكر الصديق: ( إن كان قد قال ذلك فقد صدق ! ).. ولأنه- أيضا - فى هذه الرحلة فرضت الصلاة التى هى عماد الدين، وهى الركن الذى تضمن سائر الأركان من شهادة، وزكاة، وصيام ، وحج، كما أنها الرحلة التى اختبرت القلوب فى حقيقة إيمانها، فبين مصدق مشايع، أو مرتد مفارق! وتنوع الآيات الكونية فى الإسراء والمعراج: ذلك أن آيات تطلق ويراد بها النعم، ثم آيات تطلق ويراد بها عالم الملك، وآيات تطلق ويراد بها عالم الملكوت، والجميع قد أجرى لرسول الله فى رحلة الإسراء والمعراج، فجاءت الإشارات متعددة فى خواتيم سورة النحل تمهيدا للإسراء والمعراج حتى قال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) وفواتح سورة النجم من تزكيته سبحانه للنطق والسمع والبصر والفؤاد عند الجناب المحمدى دليل على آيات النعم، وإليها يقول سبحانه: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، والإشارة الثانية فى الإسراء، (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) دليل على آيات الملك، والإشارة الثالثة كانت فى المعراج لقوله تعالي: (لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ) حيث جاءت كلمة (الْكُبْرَي) فى الآية الثانية فاصلة بين عالم الملك والملكوت. ففى مثل هذه الليلة العظيمة «ليلة الإسراء والمعراج»، اتصلت الأرض بما فيها بالسماء ومن فيها، ليس السماء الدنيا فحسب، وإنما السموات السبع بل وسدرة المنتهي، حيث كانت رحلة رأى فيها الحبيب المصطفى محمد، صلى الله عليه وسلم، من آيات ربه الكبرى ما لم يره أحد حتى من الملائكة الكرام، ما يؤكد مدى المكانة العظيمة التى وصل إليها النبى الكريم.