د. نصر محمد غباشي تنص المادة 65 من دستور 2014م على أن "حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر"، ومن خلال فهمنا لهذا النص التشريعي، أن المشرع يلزم الدولة بضمان وأهمية وضرورة حرية الرأي، كإحدى الدعامات الأساسية لكل نظام ديمقراطي حقيقي. وتطبيقًا لهذا النص الدستوري لم يغفل المشرع المصري في قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الجديد رقم 180لسنة 2018م وجود النص القانوني لضمان حرية الرأي، حيث نصت المادة الثانية من القانون المشار إليه على أن "تكفل الدولة حرية الصحافة والإعلام والطباعة والنشر الورقي والمسموع والمرئي، والإلكتروني"، يهدف هذا النص إلى ضمان حرية الرأي بأي وسيلةٍ تكون، بل جعل الدولة أن تدعو إلى ممارسة هذه الحرية، وإزالة كل التحديات والعقبات التي تواجهها، من خلال دعم مادي ومعنوي لكل وسائل النشر من صحافة ورقية وإعلام مسموعٍ ومرئي وإلكتروني، لكي تؤدي هذه الحرية رسالتها السامية والراقية، في تبصير المجتمع والرأي العام بالأخبار الصحيحة والصادقة، للحرص على مصالح الفرد والجماعة لتحقيق التقدم والازدهار والرفاهية وعلو شأن المجتمع. وهذا يتطلب توفير المعلومات الصحيحة لأنها هي الأساس لكل عمل صحفي وإعلامي ناجح، لأن المعلومات هي الحاجة الأساسية للصحفي والإعلامي لكي يمارس نشاطه، في تسجيل الوقائع ونشرها حتى يعرف الإنسان ما يدور حوله والأخبار التي تحيط به، خصوصًا أن العالم الآن لم يعد وجود إلى أي حدود له في نقل المعلومات، بعد انتشار القنوات الفضائية وعبورها للحدود الجغرافية للدول، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي في سماء فضاء الكون الإلكتروني، فحرصًا على أمن وسلامة المجتمع لأبد من إظهار المعلومات الحقيقة دون إخفائها، لأن إخفاء الخبر الصحيح يكون أرضًا خصبةً لانتشار المعلومة الخاطئة والمضللة والمغلوطة، فى وقت تنتشر فيه الشائعات والأكاذيب والترويج لها فى أسرع من البرق، فيجب على السلطات العامة فى الدولة، مد الصحافة والإعلام بالبيانات والأخبار الصحيحة دون حجبها، في مجتمع يهتم بالمعرفة ومتابعة الأحداث الجاريه على المستوى الإقليمي والدولي، لأن متابعة ما يجري من أمور في هذه الأحداث، يعطي الحق لهم في الرأي والنقد بما يتفق أو يختلف معهم. ويعتبر حق النقد الصحفي هو أهم صور حرية التعبير عن الرأي، لأن النقد الذاتي والبنَّاء على المعرفة والعلم كما قال الرئيس السيسي، هو الجوهر لتحضر وتقدم الشعوب وتطورها نحو مستقبل أفضل، لأن الصحافة والإعلام يمارسون رسالتهم في خدمة الوطن،عن طريق النقد البنَّاء الذي يكشف عن الفساد والانحراف لكي يسعى المجتمع إلى التقدم والإصلاح والارتقاء نحو الأفضل، ولكن إذا كانت حرية التعبير عن الرأي نصت عليها المواثيق والأعراف والاتفاقيات الدولية، ونصت الدول عليها في صلب دساتيرها وقوانينها الوطنية، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقةُ لأن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة، فلابد من تنظيمها بضوابط تشريعية تستطيع التوازن بين حق الفرد في أن يبدي رأيه في كافة الأمور من أجل المصلحة العامة دون المساس بحقوق وأعراض ومشاعر الآخرين، لأنه يجب على الصحفي والإعلامي أن يلتزم بالموضوعية وحدود النقد البنَّاء دون تجريح لأنه الطريق الأفضل لاكتشاف العيوب وتلافيها لأن الغاية من ذلك هو تحقيق المصلحة العامة للشعب، دون الجنوح نحو مشاعر الجماهير وامتهان حرمتهم والحط من قدرهم، بإثارة الجدل والسخرية منهم نحو طبيعة أعمالهم التي يقومون بها، وهذا ما فعل الإعلامي تامر أمين موخرًا أثناء تقديم برنامجه على إحدى القنوات الفضائية الخاصة، بإثارة الرأي العام بحديثه عن أبناء الصعيد، بالرأي والتعليق على وقائع وأعمال وظروف بيئية محاطةً بقلوب مؤمنين بها، ولا تعتبر هذه الأعمال التي وجها الإعلامي بالنقد لأبناء الجنوب وقرى الريف عملا مجرماً أو يمس شرفهم واعتبارهم أو يشين لهم، ولكن الإعلامي افتقد الموضوعية والنزاهة في الحديث، بالسخط والسخرية والتنمر بالافتراء على أبناء الصعيد، مما يعرضه للمساءلة القانونية والمسئولية التقصرية في احتكار طوائف المجتمع حتى يثبت حسن نيته بأنه لم يقصد الإساءة إلى أبناء الصعيد، لأن مصلحة المجتمع أجدر بالحماية والبرامج التي تبث بهذا الشكل يكون لها أضرار على المجتمع وبالقيم والمبادئ والمثل العليا التي يقوم عليها، لأن الحرية مسئولية وحرية الإعلام والصحافة يجب أن تمارس داخل هذه الحدود فإن تجاوزتها مست كثيرًا من حريات وحقوق الآخرين، وقد تتسبب في وقوع أضرار بهم، فيجب على رجال الصحافة والإعلام اتخاذ واجبات الحذر فيما يكتبوه وينشروه أو يتحدثون به عبر القنوات المسموعة والمرئية، ومراعاة الشرف الصحفي والإعلامي، وأن يتحروا الصدق في مصادر معلوماتهم، وهذه رواية لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم من القول السديد، وفي الحديث: (نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها)، رواه الترمذي، وكذلك نشر أقوال الصحابة والحكماء وأئمة الفقه، ويقول الله تعالى في سورة الأحزاب عن القول السديد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) الآية (70). نتمنى من رجال الصحافة والإعلام بالتعاون مع مجلس النواب، في الإسراع بالحوار المجتمعي نحو قانون حرية تداول المعلومات، لأن احتكار مصادر المعلومات وغياب الضوابط التشريعية المنظمة لها، يعد مخالفا لقواعد وأصول الإعلانات والمواثيق الدولية خصوصًا أن الدستور المصري لسنة 2014 م قد نص عليها في المادة 68 على أن"المعلومات والبيانات والإحصاءات وحتى لا يكون المشرع مناقدًا لنفسه فيجب إصدار قانون حرية تداول المعلومات كما نص الدستور عليها حتى يواجه الشائعات بالشفافية والمعلومات الصحيحة، وتجنب الصحفي والإعلامي مشقة الوصول إليها.