قلت لنفسي، فى محاولة لإقناعها بالعدول عن رحلة السفر إلى محافظات الصعيد بالأتوبيس السياحى العتيق الذى يشبه الجمل العجوز:لا داعى يا حاجة لشقاوة الماضي، فالمفاصل أصابتها الخشونة واللمباجو وعرق النسا، وناقص الشلل الرعاش، الكثير من صديقاتى يفكرن فى استخدام العصا لمن عصي، تنفيذا لإجبار الغير على التباعد الاجتماعي، خصوصا أن سننا حسب الدراسات الكوفيدية أصبح ما شاء الله هو المستهدف. وردت نفسى الشقية الساخرة، فى محاولة لرفع روحى المعنوية للاستمرار فى أداء واجبى تجاه الكلمة حتى النهاية لتقول: يا بنتى اللى أدك من الفنانات يطرحن أنفسهن فى سوق الإعلام والإعلان بأدوات النفخ والشفط والشد، حتى الرجال منهم، على أنهم مواليد أول إمبارح، وعلى يدى أعرف أعمارهن لكن ما علينا دع الخلق للخالق. قررت، نفخا لروحى المعنوية، التزود بالطاقة الإيجابية واستدعاء دعوات الوالدين والتشبه بأبى المقاتل الذى قرر تعلم فن الغطس وهو فى السبعين من عمره. واتجهت إلى سوهاج بالأتوبيس السياحي، وكأننى مسافرة سيرا على الأقدام، فالكوبرى الرئيسى الذى يربط القادم بمداخل البلد لا يزال تحت الإنشاء، ومخلفاته فى كل مكان تعيق عملية السير العادية، فما بالك بالأتوبيسات العجالى السياحية. وسوهاج ليس بها إلا فندق واحد يتيم، على شكل عمارة سكنية، رغم أنها يمكن أن تكون مميزة جدا على الخريطة السياحية العالمية بمعبد أبيدوس الذى كان بمنزلة كعبة المصرى القديم، يحج إليها من كل بقاع البلاد. فكرة السفر أتاحت لى فرصة مراقبة الترع التى تحولت إلى مقالب للقمامة، بعد أن تركت القمامة وصاحبها الصناديق المخصصة لها، والمتسلسلة حتى لا تسرق ولا تضيع على افتراض حسن الظن!. وقف الصندوق وحده فارغا ينظر كيف تسد مخلفات المحافظة عين الشمس، فى منظر فكاهي، وكأن الصندوق ينادى قمامته، والحمار يقف بعيدا بجانب الترع يصادق أبو قردان، الذى خاصم الفلاح!!. وبجانب صندوق القمامة، وقف رجل الفلوكة يصطاد القمامة بديلا عن السمك فى الترعة!!. وظل الحال على ما هو عليه، حتى دخلنا مركز البليانة، وهو الطريق إلى أبيدوس العرابة المدفونة، بها رأس إيزيس، تلك المرأة التى علمت الستات المصريات غزل الكتان. منجم سياحى يحيط به موكب من المتسولين، وآه يا خسارة يا سوهاج.