تحت وطأة تصاعد المخاوف من اشتداد الأزمة واحتمالات موجة ثالثة قد تكون الأخطر، جنح كثير من البلدان الأوروبية نحو اللجوء للقاح الروسى «سبوتنيك خمسة» وهو الخيار الذى سبق ورفضت التوقف عنده، عندما كان الخيار مطروحا. ورغم أن روسيا كانت الأولى بين البلدان التى سارعت بإجراء الأبحاث العلمية التى رأتها مناسبة لمواجهة الخطر الداهم وإعلان النتائج، فإنها ظلت ولفترة طويلة تواجه الكثير من الصعوبات للاعتراف بهذه النتائج، من جانب البلدان الغربية التى استهدفت ولا تزال الحيلولة دون استثمار ما توصلت إليه المؤسسات العلمية الروسية من نجاح فى هذا الصدد. المواجهة لم تستمر طويلا، حيث سرعان ما وجدت روسيا فى المجر شريكا يمكن الاعتداد به فى مجال التعاون مع الأسرة الأوروبية، إلى جانب 26 دولة أجنبية أخرى فى أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. وكانت العاصمتان موسكو وبودابست أعلنتا عن توصل البلدين إلى اتفاق يقضى بشراء المجر مليونى جرعة من باكورة إنتاج اللقاح الروسى، الذى اختارت له اسم «سبوتنيك خمسة» فى إشارة إلى أول قمر صناعى فى العالم أطلقه الاتحاد السوفيتى فى خمسينيات القرن الماضى. ورغم أن الاتحاد الأوروبى لم يكن اعتمد هذه اللقاح، فان المجر وحرصا على سلامة مواطنيها، بادرت باتخاذ قرارها باعتماد اللقاح الروسى ومعه لقاح «أسترازينيكا أكسفورد»، حسب تصريحات بيتر سيارتو وزير الخارجية المجرية، واستنادا إلى ما توصل إليه المعهد الوطنى للصحة العامة فى المجر، من نتائج فى اختباراته التى استغرقت بضعة أسابيع. وكان كيريل دميترييف، الرئيس التنفيذى لصندوق الاستثمار المباشر الروسى، أشار إلى إن «المجر أول دولة فى الاتحاد الأوروبى، تدرك جميع مميّزات اللقاح الروسى، على ضوء ما أكدته موسكو بشأن أن التجارب التى أجريت فى روسيا، كشفت عن أن اللقاح لا يسبب آثارا جانبية خطيرة ويبنى مناعة قوية. وكانت موسكو كشفت أيضا عن بدء انتاج ما يسمى «سبوتنيك لايت» وهو لقاح يقتصر على الجرعة الأولى فقط من لقاح «سبوتنيك خمسة»، فضلا عن أنه مخصص للتصدير إلى البلدان ذات الكثافة السكانية العالية، لكن فعاليته وتأثيره أقل من نظيره «سبوتنيك خمسة» ولا يوفر المناعة لأكثر من ثلاثة أربعة اشهر على عكس «سبوتنيك خمسة» الذى تصل درجة تأثيره بعد تناول الجرعة الأولى إلى 87٫6% لترتفع بعد الجرعة الثانية إلى 91٫6% وتمتد فعاليته إلى ما يزيد على العام. كما أنه من الممكن «حفظ اللقاح بشكله المجفد (المجفف) فى درجة حرارة تتراوح بين +2 و+8 درجات مئوية، ما يسمح بتوزيعه بسهولة فى جميع أنحاء العالم، بما فى ذلك ضمن المناطق التى يصعب الوصول إليها». وننقل عن وكالة الأنباء الفرنسية، ما نشرته مجلة «ذى لا نسيت» الطبية الأسبوعية الرائدة فى الثانى من فبراير الحالى، حول أنّ لقاح سبوتنيك خمسة الذى سبق واتهمت روسيا بأنها لم تعتمد الشفافية بشأنه، فعّال بنسبة 91٫6% «ضد كوفيد 19» المصحوب بأعراض». وذلك تصريح أعقبه إعلان المستشارة الألمانية انجيلا ميركل «أن كل لقاح مرحب به فى الاتحاد الأوروبي» شرط موافقة وكالة الأدوية الأوروبية عليه.وأضافت «أنها تحدثت إلى الرئيس الروسى حول كيف يمكن لألمانيا دعم الجهود الروسية على هذا الصعيد، عارضة المساعدة من معهد بول إيرليش فى مسار التقدّم إلى وكالة الأدوية الأوروبية»، بما يعنى أن المانيا فى سبيلها إلى اعتماد اللقاح الروسى، رغم كل الخلافات السياسية التى تتفاقم منذ اندلاع ما يسمي «أزمة تسمم نافالني» وما أعقبها من تطورات اشعلت نيران الخلافات بين موسكو وبلدان الاتحاد الأوروبى. ولعله يكون من المناسب فى هذا الصدد، التوقف عند مواقف المجر وعلاقاتها مع موسكو، والتى طالما اتسمت بفرادة وتميز عن بقية بلدان الاتحاد الأوروبى. ونعيد إلى الأذهان ما توصل إليه البلدان، من اتفاقات على صعيد التعاون المشترك، فى مجالات الطاقة والتعاون النووى السلمى، فى الوقت الذى تشهد فيه علاقاتها مع الاتحاد الأوروبى الكثير من تباين المواقف، ومنها ما يتعلق بالموقف من الهجرة، وانتقاد ما وصفته بودابست ب«وتيرة إقرار اللقاحات البطيئة وتأمينها من قبل السلطات الأوروبية». وفى هذا الصدد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، ما قاله فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية، حول «ضرورة أن تواجه المجر حقيقة أن هناك خطأ ما فى الاتحاد الأوروبى، وأنه إذا لم تكن هناك لقاحات من الاتحاد الأوروبى، فلتأت المجر به من مكان آخر. لا يمكن للمجريين أن يموتوا جراء ذلك». على أن ذلك لم يمنع كثيرا من المجريين وتحت تأثير الدعاية الغربية، من الإعراب عن شكوكهم فى جدوى وفعالية وعدم خطورة اللقاح الروسى. ونشرت وكالة الأنباء الفرنسية، نتائج استطلاع للرأى كشفت عن «أن اللقاح الروسى هو اللقاح المفضل بالنسبة لاثنين فى المائة فقط من الأشخاص الذين يرغبون فى تلقى اللقاح ,«وهى نسبة تثير كثيرا من الشكوك، فى توقيت مواكب لإعلان الحكومة المجرية، موافقتها على الحصول على مليون لقاح من ذلك الذى طوّرته «سينوفارم الصينية»، بانتظار إقراره من قبل الخبراء المجريين الموجودين فى بكين حاليا. ونقلت الوكالة عن ميكلوس كاسلر وزير الصحة المجرية، ما أشار إليه عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعى، حول «أن المركز الوطنى للصحة العامة أنهى التجارب الرسمية، ويمكن استعمال اللقاح الروسى»، فى توقيت انتقدت فيه المصادر المجرية أكثر من مرة «إستراتيجية اللقاحات الأوروبية نظرا لبطئها». وفى تقديراته لأحوال المصريين فى المجر وما يواجهون من مشكلات، فى ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر، ذكر السفير أشرف الموافى سفير مصر فى المجر فى تصريحات ل«الأهرام»: أن جائحة كورونا مثلت أزمة غير مسبوقة للجميع، وذلك للظروف الاقتصادية والإنسانية الصعبة التى فرضتها على كل المجتمعات، وطبيعى أن يكون من بين أكثر الفئات تأثراً المواطنون بالخارج. إلا أن هذه الفترة أظهرت الترابط والتعاون بين أعضاء الجالية المصرية بالمجر .فمنذ بداية الأزمة ولا سيما خلال الموجة الأولى من الجائحة، ظل التواصل والتنسيق قائماً بين السفارة مع مختلف الفاعلين ضمن أوساط الجالية المصرية بالمجر، على رأسهم رابطة الجالية المصرية والكنيسة القبطية بالمجر، وتجمعات الطلبة المصريين الدارسين بالمدن المجرية، للاطمئنان على أحوالهم وتقديم الدعم لهم بأشكاله المختلفة، فى ظل حالة الإغلاق التام التى سادت. كما شهدت هذه الفترة قيام رابطة الجالية بتدشين صندوق لمساعدة المصريين، من ذوى الظروف الصعبة، سواء من العالقين أو ممن فقدوا عملهم. وحول موقف أبناء الجالية وأعضاء السفارة المصرية فى المجر، من احتمالات قبول تعاطى اللقاح المضاد سواء كان الروسى أو غيره من اللقاحات المتاحة، قال السفير الموافي: إنه ومع ظهور عدد من الأمصال ضد فيروس كورونا حالياً، وتدشين عملية التطعيم فى المجر، وفق جدول الأولويات للفئات الأكثر تعرضاً، وتلك الأكثر احتياجاً، من الطبيعى أن يمتد الجدل الدائر فى أوساط المجتمع المجرى كما هو الحال فى معظم الدول الأخرى إلى أعضاء الجالية المصرية حول تفضيل مصل على الآخر، لا سيما فى ظل بدء ورود عدد من اللقاحات من مصادر مختلفة شرقية وغربية، غير أنه فى ظل قلة حجم المتاح منها جميعاً لتلبية الاحتياجات على مستوى العالم، فإن مساحة الاختيار بين أنواع اللقاح وفق الميول الشخصية، لما يعتقده كل فرد أنه الأكثر فاعلية أو الأكثر اماناً، ستظل محدودة لفترة قادمة.