د. أحمد سيد أحمد فى مقاربة أمريكية جديدة تجاه الأزمة الليبية طلب القائم بأعمال المبعوث الأمريكى فى مجلس الأمن خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا فى تحول واضح للسياسة الأمريكية تجاه ليبيا فى عهد إدارة بايدن عن السياسة التى اتبعتها إدارة ترامب كما أنه يعكس انخراطا أمريكيا أكبر فى الفترة المقبلة. فقد اتسمت سياسة إدارة ترامب بالضبابية وعدم الانخراط بشكل مباشر فى تفاعلات الأزمة الليبية ومن ثم تغاضت واشنطن عن التدخل التركى فى ليبيا تحت زعم أن الوجود التركى سيوازن الوجود والنفوذ الروسى وشكل هذا الموقف ضوءا اخضر لأردوغان للتدخل وإرسال المرتزقة ونقل الإرهابيين من سوريا إلى غرب ليبيا للقتال إلى جانب الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق وإبرام الاتفاقات والتفاهمات الأمنية وترسيم الحدود البحرية بشكل غير قانونى وغير شرعى وذلك لأهداف تركية معروفة فى السيطرة على ثروات الشعب الليبى، إضافة لتوفير حاضنة جديدة للجماعات الإرهابية الموالية لتركيا بعد أن انهزمت فى سوريا والعراق. وقد ترتب على التغاضى الأمريكى عن الأنشطة التركية فى ليبيا تداعيات سلبية سواء على الأزمة الليبية وصعوبة التوصل إلى حل سياسى شامل أو تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين بسبب تعنت الحكومة المسيطرة على طرابلس ورفض نزع أسلحة الميليشيات كما أن التدخل العسكرى التركى أدى لتغيير موازين القوى العسكرية ومن ثم المراهنة على الحسم العسكرى وتمدد ميليشيات طرابلس ناحية الشرق ولم يوقفها سوى الخط الأحمر الذى وضعته مصر وهو خط سرت الجفرة، كما تعنتت ميليشيات طرابلس ومصراتة فى الانخراط فى حل سياسى شامل وهو ما عرقل جهود الوساطة والمبادرات التى طرحت من قبل الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق التوافق بين الأطراف الليبية. وفى المقابل أدى الاعتماد الأمريكى على تركيا لموازنة النفوذ الروسى إلى نتائج عكسية للمصالح الأمريكية، حيث قامت تركيا بتفاهمات مع روسيا وتكرار النموذج السورى، كما أن الانسحاب الأمريكى من الأزمة الليبية أوجد فراغا كبيرا سعت روسيا إلى ملئه وزيادة وجودها فى ليبيا مما شكل تهديدا للمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها الأوروبيين وكذلك تهديد حلف الناتو من ناحية الجنوب وهو ما أثار حالة من القلق لدى الأوروبيين وسعوا للضغط على أمريكا لاتخاذ موقف رادع وحاسم من التدخل التركى فى ليبيا، لكن إدارة ترامب اكتفت فقط بالمطالبات بخروج القوات الأجنبية وركزت بشكل أساسى على قوات شركة فاجنر الروسية والتغاضى عن القوات التركية والمرتزقة التابعة لها وهو ما جعل ليبيا مصدر تهديد للمنطقة مع تصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية وزيادة الهجرة غير المشروعة من أفريقيا إلى أوروبا عبر السواحل الليبية. وبالتالى تحولت تركيا إلى عبء على حلف الناتو نتيجة لسياستها المسببة للتوتر وهو ما كان سببا فى حدوث تحول فى الموقف الأمريكى نحو اتخاذ مواقف أكثر حسما وردعا للسياسات التركية وساهم ضمن عوامل أخرى فى تحول مسار الأزمة الليبية من العسكرة إلى الحلحلة السياسية، تمثلت فى توصل الأطراف الليبية الى اتفاق وقف إطلاق النار وتم التصديق عليه من قبل مجلس الأمن الدولى، ثم انطلاق جولات الحوار على المستويات الأمنية والسياسية والبرلمانية والدستورية أفضت فى نهاية المطاف إلى حدوث اختراق ملموس بتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة التى تضم حكومة وحدة وطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومحمد المنفى رئيس المجلس الرئاسى ونوابا يمثلون مناطق ليبيا المختلفة وتكون مهمة تلك الحكومة الأساسية هى الإعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة فى ديسمبر المقبل. لكن رغم هذا التقدم فى الأزمة الليبية نتيجة متغيرات عديدة، خاصة الموقف المصرى الذى ساهم فى تحول مسار الأزمة نحو الحل السياسى ودعم مصر للحوار بين الأشقاء الليبيين والحفاظ على وحدة ليبيا واستقرارها ومحاربة الأرهاب، فإن التحدى الأكبر الآن أمام الحل السياسى هو إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا ونزع أسلحة الميليشيات وهى الشروط الضرورية لإنجاح وإنضاج التسوية السياسية وتنفيذ خريطة الطريق، وهنا يبرز الدور الأمريكى فى عهد بايدن فى المساعدة فى تحقيق ذلك، وهو ما بدا فى التوجهات الأمريكية التى عبر عنها وزير الخارجية، انتونى بلينكن، من ضرورة خروج كل القوات الأجنبية من ليبيا، كما ان بايدن أعلن عن اتخاذ مواقف متشددة تجاه أردوغان على عكس ترامب مما دفع أردوغان إلى التراجع وإعلانه انه سيسحب القوات التركية من ليبيا اذا انسحبت القوات الأخرى لكنه سيكون مجرد تراجع تكتيكى اذا لم يصاحب بخطوات عملية من جانب أمريكا تتضمن فرض عقوبات على تركيا إذا لم تسحب تلك القوات. أهداف السياسة الأمريكية فى ليبيا فى عهد إدارتى أوباما وترامب تركزت على عدم الوجود المباشر بعد مقتل القنصل الأمريكى فى بنغازى عام 2012، والنفط الليبى ذى الجودة العالية لتعويض إمدادات النفط الإيرانية بعد فرض العقوبات على ايران، ومحاربة الإرهاب، دون الانخراط المباشر فى التفاعلات السياسية والعسكرية، واعتقد أن السياسة الأمريكية فى عهد بايدن ستشهد انخراطا أكبر على المستوى السياسى، لكنه يظل مرهونا بمدى القدرة على إزالة عقبات الحل السياسى خاصة إخراج القوات الأجنبية الموجودة فى ليبيا.