توريد 67 ألف طن قمح إلى شون وصوامع الوادي الجديد منذ بداية الموسم    اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب    عمرو أديب: فرق الدوري الإنجليزي مبترحمش.. الصناعة بتجيب فلوس مش عزبة زي عندنا    حبس موظف بمحكمة أسيوط لحيازته كنزا أثريا في شقته    المخرج حسام جمال: "إلى ريما" مأخوذ عن رواية في قلبي انثي عبرية"    محافظ كفر الشيخ: تقديم خدمات طبية ل645 مواطنا بالقافلة العلاجية المجانية بمطوبس    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    تعليق ناري من أحمد موسى على مشاهد اعتقالات الطلاب في أمريكا    شرايين الحياة إلى سيناء    لميس الحديدي: رئيسة جامعة كولومبيا المصرية تواجه مصيرا صعبا    "مستحملش كلام أبوه".. تفاصيل سقوط شاب من أعلى منزل بالطالبية    جريمة طفل شبرا تكشف المسكوت عنه في الدارك ويب الجزء المظلم من الإنترنت    قطارات السكة الحديد تغطي سيناء من القنطرة إلى بئر العبد.. خريطة المحطات    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    عزيز الشافعي عن «أنا غلطان»: قصتها مبنية على تجربتي الشخصية (فيديو)    حزب أبناء مصر يدشن الجمعية العمومية.. ويجدد الثقة للمهندس مدحت بركات    "اشتغلت مديرة أعمالي لمدة 24 ساعة".. تامر حسني يتحدث عن تجربة ابنته تاليا    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    صور.. إعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| الأنابيب الكيني يفوز على مايو كاني الكاميروني    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    عمرو صبحي يكتب: نصائح لتفادي خوف المطبات الجوية اثناء السفر    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2021 سنة بونابرته
نشر في بوابة الأهرام يوم 06 - 02 - 2021


تكتب
بمناسبة المئوية الثانية على رحيله منفيًا وحيدًا مهزومًا إلى جزيرة سانت هيلانة البريطانية، ورغم ظروف جائحة «كورونا» بتخريجاتها المميتة تخصص فرنسا هذا العام 2021 ليكون سنة نابليون بونابرت القائد قصير القامة المولود فى «أجاكسيو» بجزيرة كورسيكا الفرنسية الذى نحتت له التماثيل بالآلاف، وكتب عنه حتى منتصف القرن العشرين أكثر من مائتي ألف كتاب..
الإمبراطور صاحب السيرة المذهلة صعودًا وهبوطًا.. رمز الانتصار بكل ما يرافقه من أمجاد، وعنوان الهزيمة وما تجرجره من مرارة وتضحيات.. الكورسيكى الذى بسط سطوة بلاده على ما يجاورها من أوطان ليجعل من روما وهامبورج وبرشلونة أراضٍ فرنسية، ويصحب معه خمسين عالمًا وباحثًا ليغزو مصر يستكشفها ويستلهمها ويرتدى زى مشايخها ويهديها «وصف مصر» ليفصح فيها حجر رشيد عن مغاليقه فتقرأ البشرية أولى خطوات الحضارة بلغة الفراعنة الأمجاد..
فرنسا هذه الأيام واقفة على حيلها.. على أطراف أصابعها.. فى جميع مدنها وسواحلها استعدادًا لتخطيط وتموين وتمويل الحدث الضخم.. الاحتفاء بذكرى أشهر شخصية فى التاريخ الفرنسى.. الاستعدادات على قدم وساق لعقد الندوات والعروض الفنية والثقافية والسياسية لتضم البرامج على مدى شهور السنة البونابرتية نتاج جهود كل من اللوفر والسوربون ومؤسسة نابليون والمتحف العسكرى والمتحف الوطنى ومتحفى قلاع مالميزون وتريانيون وقصر فرساى والمستودع الوطنى للأثاث التاريخى، إلى جانب المعرض الضخم فى صالات لافاييت فى باريس اعتبارًا من 14 ابريل.. ومن الآن تشاهد فى الميادين وعلى جانبى الحافلات اللوحات الضخمة لتتويج نابليون الأول والإمبراطورة جوزفين، وسوف يشاهد الجمهور لأول مرة غالبية آثار رجل فرنسا العسكرية والمدنية ومحتويات قصوره ومجوهراته ومذكراته وحتى مركبة العرس الإمبراطورية المذهبة التى حملته إلى جانب زوجته الثانية الأميرة النمساوية مارى لويز.. ومما أبرزته الصحافة الفرنسية للعام البونابرتى من بين مراسلات صاحب الفرح مسودة خطاب أرسله فى 20 سبتمبر 1812 لاسكندر قيصر روسيا عندما بدأت موسكو تحترق من بعد غزو الحملة الفرنسية فى شرخ الشتاء «عزيزى القيصر: لم يعد لمدينة موسكو الفخورة الجميلة وجود.. لقد دُمرت ثلاثة أرباع المنازل وتم القبض على أربعمائة من المحرقين عمدًا وقد أقروا جميعًا بأنهم تلقوا أوامر بذلك من الحاكم مدير الشرطة.. وقد تم إطلاق النيران عليهم. إنه عمل لا جدوى منه كما أنه عمل آثم شرير. هل المقصود حرماننا من المؤن؟ إنها فى مخازن لم تطلها النيران. ياله من هدف تافه، أندمّر من أجل هذا جهود قرون خلت وإحدى أجمل المدن فى العالم! لا يمكننى أن أصدق هذا.. أهذا يتفق مع مبادئكم ومشاعركم وأفكاركم عمّا هو حق؟! أهذا الإسفاف جدير بحاكم عادل وأمة عظيمة؟.. لقد قمت بشن الحرب على عظمتكم دون أى مشاعر عدائية منطق لا يصدق ولقد كان خطاب واحد منكم قبل هذه المعركة الأخيرة أو بعدها كفيل بإيقاف أى تقدم للجيش الفرنسى، بل لقد كنت قد تخليت راغبًا عن احتلال موسكو، لو كنتم عظمتكم مازلتم تحتفظون لى ببعض المشاعر التى كنتم تكنونها لى سابقا، لفسّرتم هذا الخطاب تفسيرًا حسنا. وعلى أية حال فإنه لا يُمكنكم إلا الموافقة على أن ما ذكرته عن حرق موسكو صحيح»..
ولم يجبه اسكندر الذى جاء فى خطابه لشعبه الروسي: «إذا قدّر القدر أن ينتهى حكم أسرتى فسأترك لحيتى تنمو حتى صدرى وسأتجه إلى سيبيريا لآكل البطاطس فهذا أفضل من إلحاق العار بوطنى ورعاياى الطيبين».. وتوالت خطابات نابليون من موسكو عارضا السلام وتوالى رفض اسكندر موسكو!
ولم أزل أذكر وكأنه الأمس فى رحلتى إلى فرنسا عام 2004 عندما طلعت أدِّب ونزلت أدِّب فوق الدرجات الرخامية الداكنة لقرب السواد المتكلسة بفعل الزمان ووطء الأقدام، ولو تُرِك الأمر لى لصعدتها ثانية وعشرا ونزلتها أخريات عديدة، فمقصدى متلهفة عليه وبغيتى أن تقع عيناى على مكمن الذكريات وموقع الحب الأسطورى وجدرانٍ ضمت ذات يوم أخطر رجل فى التاريخ عندما اختلى بالحبيبة فى ليلة حب فى البلدة الفرنسية الجميلة الواقعة على شاطئ البحر «لولونيا» قبل أن يقود جيشه الغازى نحو الشرق.. قادتنى المرشدة إلى ثنايا العش الهادئ الصغير فى المبنى الصغير المطل على ميدان البلدية الصغير لأشاهد ردهة الصالون الصغير والحمام الصغير بالبانيو الصغير ثم إلى قدس الأقداس حيث كان هناك يوماً الفراش الذى ضم نابليون بونابرت وجوزفين.. الجدران مازالت تحمل طيات من كرانيش سقفها المذهب لكن أثاث ما جلس عليه الإمبراطور وما استراحت عليه الإمبراطورة لم يكن متواجداً فقد أصبح المكان مكاتب لعدة موظفات فى البلدية يتضاحكن بمرح عندما أسألهن عن همس الحوائط وأشباح الأحباء..
جوزفين التى ولدت باسم مارى جوزيف روز تاشر سكردى لاباجيرى عام 1763 تلقت تعليمها على يد راهبات دير «فورت رويال» اللاتى يعتقدن أن الإتيكيت وفن الخط والرسم والتطريز والرقص والموسيقى أنفع وأجدى للفتاة من اللاتينية واليونانية والتاريخ والفلسفة.. لهذا أثمر تعليم جوزفين لتقول عنها مدام دى بومبادور فيما بعد «إنها كطبق شهى مقدم للملك».. الشهية تزوجت فى التاسعة عشرة من «الفيكونت الكسندر ديه بوهارنيه» وأنجبت له الأبناء «يوجين» و«هورتنس»، وقامت الثورة وألقى القبض على الزوجين كل فى سجن منفصل، وفى 4 يوليو سقطت المقصلة على رقبة الزوج وأنقذ الزوجة عاشق هو الجنرال «لازار» المولع بحبها فكانت من بين من تم الإفراج عنهم بعد سقوط روبسبير الثورى، وأصبحت صاحبة العينين الزرقاوين نجمة المجتمع بعد أن عادت إليها أموال الزوج الراحل بوهارنيه المصادرة بما فيها العربة الأنيقة البيضاء التى يجرها سرب الخيول السوداء، وأصبحت صديقة القادة «تاليان» ومن بعده «بارا» الذى نصح نابليون بالزواج منها لأنها ستخلصه من اسمه الكورسيكى، ولم يهتم نابليون بماضيها وحاضرها اللاهى ولم يجد فى ذلك عائقاً للزواج حتى أنه كتب لها: «كل شيء فيك يعجبنى.. حتى عندما أتذكر ما ارتكبتيه من أخطاء..» وتزوجا فى 9 مارس عام 1796 زواجاً مدنياً وشهد على الوثيقة كل من تاليان وبارا ولم يحضر أحد من أقارب العروسين، وليخففا من حدة فارق العمر بينهما إذ كان نابليون فى السابعة والعشرين بينما هى فى الثالثة والثلاثين سجل نابليون أن سنه ثمانية وعشرون وسجلت جوزفين سنها تسعة وعشرون عاما.. وقضى العروسان ليلة الزواج الأولى فى منزل العروس، لكن جوزفين أبدت مقاومة حاسمة لا تراجع فيها فيما يتعلق بكلبها المدلل Forrtun'e فورتونيه إذ قال عنه نابليون فى مذكراته: «هذا السيد يقصد الكلب أسيظل شاغلا سرير المدام؟.. إنى أريد منه المغادرة.. لكن لم تكن هناك جدوى من مطالباتى فقد قيل لى إما أن أشارك الكلب فى النوم فوق السرير أو أن أنام فى أى مكان آخر، حتى ولو تحت السرير وكان عليّ تقبل هذا الأمر، لكن هذا الكلب المدلل كان أقل مجاملة منى ففى أسوأ لحظة حرجة ممكنة عقر ساقى عقرة شديدة خلفت ندبة ظلت فترة طويلة».
رسائل الغرام والغفران .. بونابرت وجوزفين
ويمضى نابليون وقد كُتِب عليه الحرب والحب.. استطاع أن يفرض نفسه على جنرالاته لكنه أبداً لم يستطع أن يحرر نفسه من سحر جوزفين ففى رحلته إلى «نيس» وسط معركة الحرب التى انتصرت فيها جيوشه وقامت بطرد النمساويين والسردينيين من إيطاليا وضع خرائط الحرب جانباً ليكتب لها فى 31 مارس 1769: «لا يمر يوم دون أن أتدله فى حبك، ولا تمر ليلة إلا وأنا أضمك بذراعى. أنا لا أستطيع أن أشرب كوبا من الشاى دون أن ألعن الطموح المادى الدنيوى الذى أبعدنى عن روح حياتى. لكن مهما أكن مشغولا بالأعمال أو قيادة جنودى أو التفتيش على المعسكرات فإن جوزفين حبيبتى تملأ جوانحى.. إن روحى حزينة وقلبى فى الأغلال، وإنى أتخيل أشياء ترعبنى، فأنت لا تحبيننى كما أحبك، فأنت ستسلين نفسك فى مكان آخر..
إلى اللقاء يا زوجتى يا معذبتى يا سعادتى.. فأنتِ أنتِ التى أحبها، وأنت التى أخشاها، إنكِ مصدر المشاعر التى تجعلنى مهذباً كالطبيعة نفسها، ومصدر الدفع الذى يجعلنى مفجعاً كالصاعقة.. إننى لا أطلب منك أن تحبينى للأبد أو أن تكونى مخلصة لى، لكننى أطلب منك ببساطة.. أن تقولى لى الصدق.. لقد وهبتنى الطبيعة روحاً قوية، بينما روحك رقيقة نسْجها شرائط زينة وشاش.. عقلى منشغل بالخطط الواسعة بينما قلبى مستغرق فيك منشغل بك.. إلى اللقاء! آه لو أنك تحبيننى حتى ولو أقل مما يجب، ذلك أنك لم تحبينى أبداً، لذا فأنا أهل للشفقة».
حول عائلة «نابليون» نجد الوالد المحامى «كارلو بونابرت» صاحب موهبة كبيرة فى القدرة على التكيف، فقد حارب من أجل تحرير كورسيكا فلما فشلت المحاولة سالم الفرنسيين وعمل فى الإدارة الفرنسية الكورسيكية، وقد ورث نابليون عن أبيه عينيه الرماديتين وأيضاً سرطان المعدة المميت، وأخذ عن أمه ما هو أكثر: «إننى مدين بنجاحاتى وبكل عمل طيب قمت به لأمى ومبادئها الممتازة.. إننى لا أتردد فى التأكيد على أن مستقبل الطفل يعتمد على أمه».. الأم «ليتيزيا رامولينو» ولدت عام 1750 وتزوجت فى الرابعة عشرة من عمرها وغدت أرملة فى الخامسة والثلاثين بعدما أنجبت ثلاثة عشر مولوداً فى الفترة ما بين 1764 إلى 1784 وشهدت موت خمسة من أولادها وهم فى سن الطفولة وكان نابليون الابن الرابع والثانى لمن بقوا على قيد الحياة.. الابن الأكبر «جوزيف بونابرت» الذى نُصِّب ملكاً على نابلى ثم إسبانيا وكان أمله أن يأتى إمبراطوراً ثانياً لفرنسا بعد نابليون، بعده تأتى «ماريا أنا إليزا» التى صارت دوقة لتوسكانيا وسبقت أخاها إلى الموت، وبعدها «لويس» الذى أصبح ملكاً على هولندا وأنجب نابليون الثالث، وهناك الأخت الأخرى «بولين» الجميلة الخليعة التى تزوجت الأمير «بورجيزى» وقال عنها نابليون: «إننى وبولين كنا الأثيرين عند أمى لأنها كانت ألطف أخواتى وقد جعلها إحساسها الفطرى تستشعر بأننى سأكون مؤسس عظمة الأسرة»، وكانت هناك شقيقة أخرى هى «ماريا كارولينا» التى أصبحت أميرة نابلى، وأخيراً الشقيق «جيروم» ملك لوستفاليا... أم هذه العصبة «ليتيزيا» التى كان مهرها من المحامى كارلو بونابرت «والد نابليون» طاحونة وفرناً و6700 كتاب.. عاشت حياة الصرامة والاستقامة لا يفسدها شيء.. شاركت ابنها انتصاراته وشاركته الحزن العميق لما حل به من كوارث، وفى عام 1806 جعلها نابليون عندما بلغت السادسة والخمسين من عمرها «الإمبراطورة الأم» وسمح لها بمبلغ 500ألف فرنك كل عام وقدم لها فى باريس بيتاً جميلا وخدماً كثيرين، لكنها عاشت حياتها بأسلوبها المقتصد الذى اعتادته قائلة إنها توفر تحسباً لظروف صعبة قد تلم بابنها نابليون، ولقد صحبته إلى جزيرة «إلبا» كما صحبته فى عودته، وراحت تراقب أحواله بقلق بالغ وتصلى من أجله، وفى عام 1818 قدمت طلباً للقوى الأوروبية بإطلاق سراحه من «سانت هيلانه» مستعطفة من أجله لما ألمّ به من أمراض خطيرة فلم يرد أحد على طلبها، وتحملت باستسلام قدرى كعادتها موت نابليون وإليزا وبولين وعدد من أحفادها، وماتت فى عام 1863 عن عمر يناهز السادسة والثمانين.. ولقد لخص نابليون أمر عائلته بشجن بالغ عندما كان فى سانت هيلانة: «إنه لمن المؤكد أننى بائس فليس هناك من يخلفنى فى أسرتى، أو بتعبير آخر ليس لى ظهر أو سند منهم..
لقد قيل الكثير عن قوة شخصيتى، لكننى ضعيف وأستحق التوبيخ بسبب تلك الأسرة التى تربطنى بها صلة الدم.. إنه بعد انتهاء العاصفة الأولى ضدى كان إلحاحهم عليّ لا ينتهى وفعلوا معى ما يشتهون وتصرفوا وفقاً لأمزجتهم، ولقد أخطأت خطأً كبيراً بسماحى لهم بذلك.. لقد كنت أثق فى أحكامهم، وكان يمكننا أن نسير سوياً حتى إلى القطبين فتهاوى كل شيء أمامنا.. لقد كان علينا أن نغير وجه الكون.. لم يكن لديّ حظ جنكيز خان فقد كان لديه أربعة أبناء لا هم لهم إلا خدمته بإخلاص. إننى إذا ما جعلت واحدا من إخوتى ملكاً فإنه سرعان ما يظن أن العناية الإلهية هى التى جعلته هذا الملك فلا أوليه ثقتى ويصبح عدواً جديداً.. عليّ أن آخذ حذرى منه إذ تغدو أعماله وجهوده سائرة فى طريق تأكيد استقلاله لا لدعم أعمالى.. ثم إنهم راحوا الأشقاء والشقيقات بالفعل ينظرون لى بعد ذلك كعقبة فى سبيلهم.. يا للبؤس! وعندما استسلمت كان عزلهم عن عروشهم مسألة تلقائية وبديهية لم يعمل لها الأعداء حساباً ولم يشغلوا بها فكرهم، ولم يستطع واحد منهم إثارة حركة شعبية واحدة.. لقد كانوا محتمين بجهودى.. لقد ذاقوا حلاوة المُلك، أما الأعباء فقد تحملتها وحدى»..
فى كتاب المؤرخ ديورانت عن بونابرت يكشف عن آراء القائد الأسطورة فى الحب الرومانسى والزواج والمرأة يقول بونابرت: «أعتقد جازماً أن الحب الرومانسى له من الأضرار أكثر مما له من الحسنات، وربما كان من الخير إقصاؤه، ولابد من منع الزواج بين ذكر وأنثى يعرف كل منهما الآخر لفترة تقل عن ستة أشهر، والزواج هدفه إنجاب عدد كبير من الذرية فى ظل ظروف يتمتع فيها الرجل بالحرية وتتمتع فيها الزوجة المخلصة المطيعة بالحماية، وشعائر الزواج رغم إمكان عقد القران مدنياً لابد وأن تكون ذات طابع مقدس وقور يتم التأكيد خلالها على التزام الطرفين، ولابد أن ينام الزوج والزوجة معاً، فهذا يُقصى الفردية من الحياة الزوجية ويضمن وضع المرأة وارتباط الزوج بها ويجعل بينهما مودة ورحمة intimacy ويضمن الفضيلة».
ويرى نابليون بونابرت: «إن كانت الزوجة المخلصة الواحدة غير كافية للرجل فإننى أجد أنه من السخرية ألا يكون قادراً على أن يكون له أكثر من زوجة شرعية، ذلك أن المرء إذا كان لديه زوجة واحدة حُبلى، أصبح وكأنه لا زوجة له فتعدد الزوجات أفضل من الطلاق أو الزنا، ويجب ألا يسمح بالطلاق بعد عشرة زوجية استمرت عشر سنوات، ويجب ألا يسمح للزوجة بالطلاق إلا مرة واحدة وألا يُسمح لها بالزواج إن طُلقت إلا بعد خمس سنوات، ولا يعتبر زنا الزوج مبرراً كافياً للطلاق إذا لم تكن هناك ظروف أخرى كاحتفاظ الزوج بخليلته فى مكان إقامة الزوجة».. ويمضى نابليون مشرِّعاً بآرائه الجديدة التى لم يستطع فرضها لمقاومة بعض النساء ولاعتراضات الكنيسة.. يقول: «إذا اقترف الزوج عملا من أعمال الخيانة الزوجية وجب عليه أن يعترف لزوجته ويبدى ندمه فيمحو باعترافه وندمه كل أثر من آثار جرمه.. تغضب الزوجة وتعفو فتنصلح الأمور بينهما.. لكن الأمر يختلف إن كانت الزوجة غير مخلصة لزوجها.. شيء طيب أن تعترف وتعتذر لكن من الذى يضمن ما إذا كان قد بقى نتيجة خيانتها شيء فى رحمها أو عقلها؟ لذا فالزوجة بعد خيانتها لا يجب «ولا يمكن» أبداً أن تنتهى مع زوجها إلى تفاهم» ويكتب «ديورانت» تعليقاً ساخراً بعد عبارة نابليون السابقة «ولكن نابليون قد سامح جوزفين على خيانتها له مرتين».
وحول فلسفة نابليون السياسية فإنه كان يرى فى يوتوبيا المساواة خرافة مسلية أو على حد تعبيره: «إن هى إلا أساطير ينادى بها الضعفاء والديمقراطية لعبة يستخدمها الأقوياء ليخفوا بها حكم الأقلية.. لقد كان نابليون يفضل النظام الملكى على كل أشكال الحكم الأخرى ويتحرك أعضاء مجلس الدولة ومجلس الشيوخ «السينات» والتريبيون «مجلس الدفاع عن حقوق الشعب» لتحقيق رغبات نابليون، ففى مايو عام 1804 تقر الهيئات التشريعية بالموافقة على تعيين بونابرت إمبراطوراً للجمهورية الفرنسية اللقب الذى سيكون وراثياً فى أسرته، وفى 18مايو أعلن مجلس الشيوخ «السينات» نابليون إمبراطوراً، وفى 22مايو أُقرت نتيجة الاستفتاء «من خلال الأصوات المسجلة والتى وقّع فيها كل منتخب على قراره» بواقع 923.275.3 موافقون و965.2 معارضون، ومن بعدها أصبح نابليون يسير على درب الأباطرة يوقع خطاباته ووثائقه باسمه الأول فقط ومن بعدها كتب الحرف الأول من اسمه فقط «ن N» ولم يعد يتحدث عن الفرنسيين كمواطنين وإنما بقوله «رعاياى»، وكان ولابد من إقرار الإمبراطورية مسحة الزيت الدينى التى تعنى أن الحاكم مختار من الرب وذلك فى حفل يقوم فيه البابا بتكريس الحاكم أى مسحه بالزيت ووافق البابا بيوس السابع على القيام بخطوة غير مسبوقة بتتويج ابن الثورة باعتبار ما سيقوم به نصراً للكنيسة الكاثوليكية على الثورة.. واستعد نابليون للاحتفال الإمبراطورى بشكل مبالغ فيه يشرف عليه بنفسه، وتم تصميم أزياء جديدة لسيدات الحاشية، وتجمَّع أفضل المصممين للقبعات النسائية حول جوزفين وأمر نابليون بفتح خزائن المجوهرات لها بالإضافة لما لديها، ورغم اعتراض أمه والأشقاء قرّر أن يتوجها معه فى هذا الحفل، وقام الفنان جالو لويس ديفيد بتخليد الحدث العظيم فى لوحة ضخمة أسماها «الصقر» وبحلول عام 1804 كانت كل الحكومات الأوروبية باستثناء انجلترا والسويد وروسيا قد اعترفت بنابليون كإمبراطور للفرنسيين وخاطبه بعض الملوك بلقب «أخى».
غزو الشرق ظلت فكرة تراود نابليون منذ الصبا وعندما كان يتجول فى عام 1795 على طول نهر السين مفكرا فى الانتحار لضيق ذات اليد، فشغل ذهنه وقتها فى الذهاب إلى تركيا لإعادة تنظيم جيش السلطان العثمانى وليغنم لنفسه مملكة شرقية على نحو ما، لكن الأمور العملية المتاحة جعلته وقتها يقدم لوزارة الحرب خطة لطرد النمساويين من إيطاليا، وبعد النصر انسحب إلى بيته فى شارع شانترين وقبع فيه يستجم مع جوزفين وأبنائها وراح المقللون من شأنه يبدون سعادتهم بانتهاء دوره، إلا أنه كان وقتها يدأب على زيارة المعهد العلمى، ويتحاور فى الرياضيات، والفلك، ونظم الحكم، والأدب، والفن مع الرسام ديفيد الذى رسم له فيما بعد لوحة الصقر وحفل تنصيبه إمبراطوراً وقد كان بنشاطه هذا يعد بالفعل للحملة على مصر ويفكر فى أن يصحب معه مجموعة من الدارسين والعلماء، فالشرق كان حلمه حتى وسط المعارك فى إيطاليا، وقد اعترف فى عام 1803: «لا أدرى ما كان يحدث لى لو لم تواتنى الفكرة السعيدة بالذهاب إلى مصر، فعندما غادرت السفن إلى شواطئها لم أكن أعرف سوى أننى ودَّعت فرنسا إلى الأبد، وإن اعترانى قليل من الشك أن فرنسا ستستدعينى.. إن سحر فتح بلاد الشرق قد أبعد أفكارى عن أوروبا أكثر مما كنت أتصور..»
ويجمع بونابرت العتاد والعدة لتحقيق حلمه: 13سفينة حربية وسبع فرقاطات و35سفينة قتال أخرى، و130سفينة نقل، و16ألف بحار و38ألف جندى، بالإضافة إلى المواد والعتاد، ومكتبة مكونة من 287مجلداً، وعدد كبير من العلماء والباحثين والفنانين من بينهم مونج الرياضى، وفوربيه الفيزيائى، وبيرثولى الكيميائى، وجيوفرى سان هيلار البيولوجى، وبوربين سكرتيره، وأرادت جوزفين أن تواصل الرحلة معه لكن نابليون سمح لها بمرافقته فقط حتى طولون ومنعها بعدها من ركوب السفن إلا أنه أخذ معه ابنها يوجين بوهارنيه، واتجهت جوزفين بعد وداع الزوج والابن إلى بلومبيير لتتناول «مياه الخصوبة Fertility» لرغبتها العارمة فى أن تلد طفلا لنابليون.. وإذا ما قال بونابرت عن الفترة التى قضاها فى مصر بأنها أبهى أوقات حياته وأجملها لأنه قضاها سابحاً فى عالم الخيال، فقد كانت على أهل مصر خراب ودماء تسيل كالأنهار على شاطئ النيل.. مصر لم تتعاطف ولم تتقبل الحملة.. نابليون قد ادعى أنه جاء إلى مصر لإهلاك أعداء الإسلام فهل دافع حقاً عن الإسلام وهو الذى هدم عدداً كبيراً من مساجد القاهرة وأقام فى بعضها ثكنات لجنوده واقتحم الجامع الأزهر بخيوله وسمح لجنوده بأن يشربوا الخمر فى ساحته كما يشاءون؟.. وبينما كان نابليون بونابرت يتودد للمسلمين بلبس العمامة ويحتفل بالمولد النبوى، والخطابة باسم الدين الإسلامى ويطلب اختيار عشرة مشايخ لتأليف ديوان منهم وكانوا: عبدالله الشرقاوى وخليل البكرى ومصطفى الصاوى وسليمان الفيومى ومحمد المهدى الكبير وموسى السرسى ومصطفى الدمنهورى وأحمد العريشى ويوسف الشبرخيتى ومحمد الدواخلى، واختار نابليون رئيساً لهم الشيخ الشرقاوى وقام بافتتاح الديوان وأمر الرسامين برسم لوحة لكل منهم على حدة وهذه اللوحات لم تزل محفوظة فى معرض فرساى هذا وقد طرحت على بساط البحث بالفعل فكرة اعتناق الحملة الفرنسية بأسرها ونابليون نفسه العقيدة الإسلامية، وكانت أول دفعة فى سبيل تنفيذ هذه الفكرة أن «مينو» نفسه وهو ثالث قواد لنابليون اعتنق الإسلام بالفعل وأنشأ له ضريحاً ثم بدأ بإنشاء مسجد، ورغم تلك المظاهر السطحية فإن نابليون هو الذى أدلى بتصريحه المذهل عقب معركة الأهرام: «إن أحجار الهرم الأكبر قد يبنى بها سور يحيط بفرنسا عرضه متر وارتفاعه ثلاثة أمتار» وقد خاب ظنه فلم يستطع عوضاً عن نقل الهرم إلا إلى سرقة وشحن ما استطاع من آثار نادرة منها مجموعة أخناتون.. نابليون الذى قتل من المصريين رمياً بالرصاص ألفا وخمسمائة جندى سبق أن وعدهم بالأمان..
وبينما كانت سفن بونابرت الحربية قادمة بالحملة الفرنسية على مصر ترسو بالقرب من شاطئ العجمى، طبع نابليون أول منشور سياسى ودينى للمصريين، ولم يخل المنشور من الاحتيال فهو يطالب الشيوخ والأئمة والقضاة بأن يقولوا للناس إن الفرنساوية أيضا مسلمون مخلصون، وكانت أشد الأزمات بين المشايخ ونابليون سببها الشيخ محمد كريم الذى اختاره نابليون حاكمًا للإسكندرية، لكنه لم يتعاون معه فاستبدل به الشيخ المسيرى وأرسله مخفورا إلى حامية نابليون حيث حكم عليه بالإعدام، ثم خيره بافتداء نفسه بمبلغ 120 ألف فرنك ذهب، لكن محمد كريم رفض فقُتل رميًا بالرصاص فى القلعة، وحُمل رأسه ليعرض فى طرقات القاهرة.
المؤلفات والأبحاث تتوالى حول نابليون بمناسبة ذكرى مرور مائتى عام على وفاته أحدثها ما جاء على لسان المؤرخ الألمانى «ستيفانى جلاسر» الذى أصدر كتاباً بعنوان «نساء نابليون» يكشف فيه الكثير من الأسرار التى تنشر للمرة الأولى عن بونابرت منها أن الرجل الذى هز العالم بانتصاراته العسكرية وعقليته الاستراتيجية الفذة كان يخجل إذا مدحته امرأة، وكان يقول «يظل الإنسان فتيا شامخاً مادام يجد المرأة التى يحبها وتحبه»، وكان لنابليون فى الخفاء العديد من العلاقات العاطفية التى أثمرت أبناء غير شرعيين، ومن روايات الحب الرئيسية فى كتاب جلاسى قصة الحب التى ربطت بين نابليون وخطيبته الأولى «ديزيريه بيرناردينى أوجينا» وكان نابليون وقتها فى بداية العشرينيات وكان اللقاء الأول فى 1794 وهى ابنة تاجر ثرى والشقيقة الصغرى لزوجة شقيقه الأكبر جوزيف بونابرت، وقد روى بونابرت بنفسه قصة حبه لديزيريه فى رواية نشرت بعد وفاته بمائة عام.. ويبدو أن نابليون لم يكن يبادلها نفس تأجج عواطفها فقد ارتبط بعدة نساء أخريات حتى إنه كتب لشقيقته يقول: «فى كل الأماكن بالعالم هناك نساء يستحققن أن توجه إليهن دفة الإبحار».. وتتسع الفجوة بين الخطيبين ويغير نابليون رأيه ليتزوج جوزفين التى لا يطيق غيابها عنه لحظة فيكتب لها وهو فى خضم الحرب فى 24أبريل عام 1796: «تعالى بسرعة.. إننى أحذرك فإن زاد تأخرك فستجديننى مريضا.. هذه المتاعب التى أواجهها الآن، أيضاف إليها غيابك عنى؟! لا أطيق هذا.. فليكن لك جناحان، ولتطيرى إليّ.. قبلة منى على شفتيكِ.. وقبلة أخرى على قلبك.. وقبلة أخرى تحت قلبك بقليل.. وقبلة ثالثة تحت القبلة السابقة وقبلة أبعد..؟».. وتفقد الخطيبة ديزيريه الأمل لكنها فى العام التالى 1798 كان ثأرها وانتقامها من نابليون مكتملا بزواجها من أكثر أعداء بونابرت وهو الجنرال «بابتست بيرناردوت» الذى كان يحمل له المستقبل مقاليد السلطة ففى عام 1804 أصبح مارشالا فى فرنسا وبعدها فى عام 1818ملكاً للسويد بعد أن تبناه الملك الذى لم ينجب وريثاً للعرش، لتغدو ديزيريه بالتالى ملكة للسويد.. أما جوزفين التى غدت الإمبراطورة فقد كان هناك حبها الحقيقى «هيبوديت تشارلز» الضابط الصغير الذى علم نابليون وهو فى مصر بأخباره مع الزوجة الخائنة فكتب لأخيه جوزيف فى 26يوليو 1798 خطابه الحزين: «فى غضون شهرين سأكون فى فرنسا مرة أخرى.. فهناك أمور كثيرة تزعجنى فى بلادى.. إن صداقتك تعنى لى الكثير.. إننى أريدك أن تهيئ لى مكاناً فى الريف أستقر فيه عندما أعود، إما فى برجاندى أو بالقرب من باريس. إننى أفكر فى قضاء الشتاء فيه بحيث لا أرى أحداً فقد سئمت المجتمع.. إننى أحتاج أن أنفرد بنفسى. مشاعرى متبلدة. لقد سئمت الشهرة. إننى متعب من تحقيقى هذا المجد وأنا فى سن التاسعة والعشرين. لقد فقد ذلك المجد جاذبيته بالنسبة لى فلم يعد لى سوى الأنانية.. إلى اللقاء يا صديقى الوحيد الذى لا صديق لى سواه»..
ويكتب جلاسى عن علاقة بونابرت العاطفية بالشابة «بولين فورى» التى تبعت زوجها الضابط إلى مصر واشتهرت باسم «كليوباترا» بين القوات الفرنسية، وأبدًا لم تستطع الصمود أمام اهتمام نابليون الذى أرسل زوجها إلى باريس ليوسِّع لنفسه الطريق فقام الزوج بطلاقها وفكر نابليون فى زواجها لتنجب له الوريث، لكنه وضع فى اعتباره دموع جوزفين.. وتظل بولين المفضلة لدى بونابرت لكنه تركها فى مصر عند عودته إلى فرنسا فحاولت اللحاق به على متن إحدى السفن لكنها أعيدت بواسطة البحرية الملكية وفى مصر ارتبطت بعلاقة قصيرة مع الجنرال كليبر، وعادت لفرنسا عام 1800 لتتزوج وتطلق من زوجها الثانى عام 1816 ثم عملت كمصدرة للخشب فى البرازيل.. ويروى جلاسى المشهد الذى استطاعت به جوزفين أن تستميل ثانية قلب نابليون لها فى عام 1799 بعد عودته من رحلته فى الشرق وعلمه بخيانتها حيث سامحها بقوله «إن المرء لا يكون إنسانا دون أن يرث الضعف البشرى».. ولم يُطلِّق نابليون جوزفين إلا فى عام 1809 من أجل الزواج بالنمساوية «مارى لويز» ولا يبقى لجوزفين سوى الاهتمام بالحدائق والنباتات وإن كان الطلاق لم يقطع تماماً علاقتها بنابليون الذى تحول إلى صديق يقوم بزيارتها تباعاً فى بلدة ماليمسوى حيث ماتت عام 1814..
ولا يترك جلاسى تحليله فى مسيرة نابليون العاطفية إلا بعد أن يضع نهاية لنابليون بسبب امرأة هى «البين» زوجة الجنرال «مونتولون» اللذان صحباه إلى منفاه فى جزيرة هيلانه فى يوم 15 يوليو 1815 برفقة المؤرخ الكونت «دى لاسكاز» وابنه ومجموعة من الخدم «مارشان» والمملوك «على» وتسعة آخرون بالإضافة لضابط انجليزى مهمته حراسة الإمبراطور ودكتور «أوميارا» المسئول عن صحته، أما كبير ياوران القصر الجنرال «برتران» فأقام مع زوجته على بُعد ميلين من مقر الإمبراطور.. يضع «جلاسى» نهاية لبحثه النابليونى بأن الحب كان السبب فى موت بونابرت بسم الزرنيخ، حيث قُتل على يد الجنرال مونتولون الذى اكتشف علاقة زوجته بالإمبراطور المنفى فأقسم لها بأنه سوف يتخلص منه.. لكنها لم تصدقه.. هذه الرؤية كانت بمنظار «فتش عن المرأة» لكن هناك أسبابًا أخرى قد تكون القاطعة فى سر الوفاة خاصة بعدما قامت أكبر المعامل النووية فى هارفيل إلى جانب معمل التحقيقات الفيدرالية الأمريكية بتحليل ال«DNA» الذى يحمل الصفات الوراثية للإنسان ومن خلاله يمكن معرفة أنواع العقاقير والسموم التى دخلت الجسم مما أثبت وجود كمية مركزة من الزرنيخ فى 500 شعرة أهداها نابليون لأحد أصدقائه فى حياته أما الجانى الفعلى فيعود إلى أن بريطانيا كانت خائفة من عودته إلى فرنسا من منفاه فى جزيرة «هيلانة» فكُلِف الجنرال «هدسون لو» حاكم الجزيرة بشراء ضمير الأطباء الملازمين له ليزعموا أنه مات بسرطان الرئة بينما كان الزرنيخ يدس فى طعامه يوماً بعد يوم.
رحل بونابرت منذ مائتى عام بعدما قال: «إن العالم لن يرى مثيلا لى مرة أخرى لمدة خمسمائة عام»، وعندما سُئل الرئيس الفرنسى الراحل جيسكار ديستان عن نابليون قال: «كان رجلا كريما سريع العفو، حنونا يخفى حنانه.. تردد عدة سنوات قبل أن يطلق جوزفين.. عانى نابليون وكفّر عن ذنوبه.. عانى من الأمراض والأطباء وعانى عند انسحابه من روسيا، وعانى فى سانت هيلانة التى كان فيها ميتا حيًا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.