ترامب ليس آخر رئيس شعبوى لا فى أمريكا ولا فى العالم شركات التكنولوجيا تملك صلاحيات تفوق حكومات الدول هل ينبغى أن تكون رئاسة تويتر وفيسبوك.. بالانتخاب؟ انتقال السلطة لم يعد سلميا ولا عسكريا.. المهم رقميا حاخام يهودى: أنبياء السوشيال ميديا لا يمثلون الرب سياسيا وهم مدمنى التكنولوجيا اسمه: كلمة سر المرور أو الباسوورد التجمع المالى التكنولوجى ينتزع عرش التجمع الصناعى العسكرى قبل أن يتم تنصيبه بساعات طوال، وفور أن أشرقت شمس العشرين من يناير الماضى على واشنطن، غرد جو بايدن: إنه يوم جديد فى أمريكا، وهكذا، أصبح رسميا الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدةالأمريكية. لم يكن فى حاجة لأن يضع يده على الكتاب المقدس، وأن يقسم اليمين الدستورية، ذلك أن صلاحياته وسلطاته الرئاسية كانت قد انتقلت إليه غير منقوصة بمجرد انتباهه لحقيقة أنه يمتلك سلطة التغريد، وبأسرع مما انتقلت إليه الحقائب التى تحوى شفرة إطلاق الأسلحة النووية، قامت شركة تويتر بنقل حساب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية @POTUS بكامل متابعيه وجماهيره إلى جو بايدن، بصرف النظر عن كلمة السر التى كانت بحوزة سابقه دونالد ترامب الذى (يبدو أنه) كان يتخيل أنه الوحيد الذى يملكها، ويعرفها فلم يلق بالاً لتغييرها قبل أن يغادر البيت الأبيض إلى فلوريدا، طبعا لا برهان على إغفاله لذلك، ربما كان قد حاول واكتشف حقيقة هذا الوهم !! الأمر نفسه حدث مع باقى قبيلة ترامب، إذ تم نقل جميع السلطات والصلاحيات الخاصة بالحسابات @VP والخاص بنائب الرئيس و@FLOTUS والخاص بالسيدة الأولى و@WhiteHouse والخاص بالبيت الأبيض و@PressSec والخاص بالمتحدث الصحفى إلى قبيلة بايدن، وهكذا حضر نائب الرئيس الأسبق مايك بنس، حفل تنصيب وريثته كامالا هاريس، وهو منزوع السلاح والصلاحية والسلطة، رقميا. طبعا لم يخل الأمر من استحداث مناصب جديدة على تويتر، إذ قررت الشركة المالكة للمنصة الرقمية إنشاء منصبين رقميين جديدين هما الحساب @WHCOS لرئيس موظفى البيت الأبيض و@WHCommsDir لمدير الاتصالات بالإدارة الأمريكية، وطبعا لم تنس الشركة أن تبتكر حسابا هو الأول من نوعه للرجل الثانى أو الجنتلمان الثانى للولايات المتحدة، السيد دوج امبوف زوج نائبة الرئيس وهو حساب @SecondGentlman. باقى المنصات الرقمية قامت بالأمر نفسه فى الدقيقة الأولى ليوم التنصيب، وهكذا أصبحت هناك قواعد جديدة لانتقال السلطة وتداولها، إذ لم يعد الأمر يتعلق بالتداول السلمى أو غيره، المهم هو الانتقال الرقمى للسلطة، الحقيقة المؤكدة اليوم أن غالبية قادة العالم وحكوماته باتت تخاطب جماهيرها عبر هذه المنصات غير المستقرة، التى لا يحكمها أى شىء، سوى مدراء الشركات التى أنتجتها، تويتر وفيس بوك وإنستجرام وسناب شات ويوتيوب وتيك توك، وهى الأسماء الجديدة لأقطاب النفوذ التى برهنت على أنها تحكم النظام العالمى الجديد عندما قامت فى 8 يناير الماضى بنفى الرئيس 45 للولايات المتحدةالأمريكية، وحولت المواطن الرقمى المعروف باسم @realDonaldTrump إلى مجرد كائن (منزوع المنصة)، ويبدو أن مشكلة هذا المواطن «الافتراضى» من البداية كانت فى اسمه: دونالد ترامب «الحقيقى»!! الرئيس ترامب الذى أصيب بفيروس كورونا، ونجا بأقل من 48 ساعة، لم ينج من الفيروس الأشد رسوخا والأكثر تجاهلا فى العالم، حرفيا: راح فى الوباء، الرقمى، أى عاد إلى العالم الحقيقى، الذى تسيطر على جغرافيته نفايات التواصل الاجتماعى، الاستقطاب والكراهية والتطرف اليمينى واليسارى والقبلية السياسية والهوس السياسى والدينى والأنبياء الكاذبون، أيضاً!! ترامب الذى راح لعالم النسيان الرقمى خاسرا الانتخابات حمل معه أعجوبة، عددا من الأصوات المؤيدة أكثر من الأصوات التى أتت به لحكم أمريكا أصلا، هذه الأصوات - التى تملك الحق فى حيازة السلاح بموجب الدستور الأمريكى - عشرات الآلاف منها واجهت التهجير القسرى، إذ تم ترحيلهم رقميا وإجبارهم على الاستيطان فى منصات تواصل اجتماعى بديلة، (سيجنال) على سبيل المثال، بعد أن تم إغلاق منصة (بارلر) التى كان يتواصل من خلالها أنصار الرئيس منزوع المنصة أو الديبلاتفورمد De-platformed. القضية أنه فى عالم السياسة كما فى عالم الجيولوجيا، توجد طبقات تكتونية تحت القشرة الظاهرية للأرض التى يقف عليها البشر، هذه الطبقات قد تتسبب حركتها فى كوارث تودى بمجتمعات بأسرها كالزلازل والبراكين، وأحيانا تتسبب فى تغيير شكل الخرائط عندما تسهم فى تكوين جبل أو تخسف باليابسة ليحل مكانها ماء البحار، الطبقة الأخيرة التى تم اكتشافها تحت سطح أرض السياسة اسمها منصات التواصل الاجتماعى، وهى طبقة لا تكمن فى باطن الأرض، لكنها على العكس تماما تتخلل الهواء الذى يحيط بنا تحملها أجيال الاتصالات عبر الهوائيات وتشكل أطنان الاختلافات وحروب وجهات النظر تراكماتها الرسوبية، بينما تشكل حواسيبنا وهواتفنا المحمولة التى تحمى الجميع من أى مسئولية فردية، محفزات دائمة لحالة عدم الاستقرار، الطرف الوحيد الذى بتحكم فى قرار صناعة الزلازل والبراكين هنا، الشركات المالكة لهذه المنصات. فى دراسة استجابت بسرعة لهذا المشهد، تريشا راى من مؤسسة الأوبزرفر للأبحاث فى 16 يناير الماضى وتحت عنوان (خارطة العالم تقلصت.. المنصة الرقمية بمواجهة الدولة)، قالت إن المنصات الرقمية تقوم بمحاسبة الناس على ما يكتبونه، فتقوم بإيقاف حساباتهم وفقا لمفهوم غائم اسمه المصلحة العامة، هم فحسب الذين يعرفونها، وهذا المصطلح (المصلحة العامة) موجود بوفرة فى شروط الاستخدام التى يوافق عليها الملايين عادة دون الاطلاع عليها، فلا جدوى من ذلك مادام المستخدمون لهذه المنصات لا يملكون حق التفاوض أو تعديل البنود، ومن ثم فإنه لا يوجد ما يوقف فيس بوك أو تويتر من إيقاف أو حذف رئيس أى دولة كما حدث مع ترامب، بالأسلوب والدافع ذاته الذى تم اتباعه مع رئيس أكبر دولة فى العالم، السؤال المهم: هل باتت قرارات السوشيال ميديا فوق أى اعتبار لأى حكومة فى العالم، وإذا كان الأمر كذلك فمن يحاسب هذه الشركات، هل ينبغى أن تكون مجالس إدارات شركات السوشيال ميديا، منتخبة؟ وتنتهى الباحثة للقول: أن الشركات لا تذعن إلا لمحاسبة حملة الأسهم، ولكى يصبح مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعى حملة أسهم حقيقيين، عليهم أن يؤثروا فى القرارات التى يتخذها المدراء التنفيذيون فى مقرات شركات التكنولوجيا صاحبة هذه المنصات. ربما كانت هذه التوصية ذات معنى عندما دفعت الهجرة الاختيارية عن تطبيق واتس آب، الشركة المالكة للاعتذار عن العجرفة التى مارستها على المستخدمين، بإجبارهم على أن يكونوا بضاعة جاهزة للبيع لشركات الإعلانات بحلول 8 فبراير المقبل، لكن ما تم عمليا هو تأجيل المزاد، لا غير!! الرمال المتحركة.. الشعبوية كما أن ما تأتى به الريح تذهب به العواصف، جاء و ذهب ترامب، لكن العنصر الأساسى الذى بقى هنا هو: الشعبوية، أو الوصول للسلطة وممارستها من خلال (تكتيك) الحملات الشعبية العامة التى قد تتضمن الهجوم على جشع الشركات الكبرى والمنظمات متعددة الجنسية والهجوم على المهاجرين والإعلام المفبرك وما شابه ذلك، طبعا منصات التواصل الاجتماعى هى الساحة التى يتم من خلالها تغذية هذه الشعبوية، لكن المثير أن رحيل ترامب، الرئيس الشعبوى، لا يعنى انتهاء ظاهرة الشعبوية لا فى أمريكا ولا فى العالم، بل إن العالم بانتظار المزيد من القادة الذين سيحكمون شعوب العالم وفق الشعبوية خلال العشرين عاما المقبلة، ووفقا لما أكده أندرو هاموند، الباحث فى كلية لندن للاقتصاد فى مقال له نشر فى آراب نيوز فى 17 يناير الماضى بعنوان: لماذا بعد رحيل ترامب أبعد ما يكون عن نهاية الشعبوية، فإن (الدور المزعزع للاستقرار والتحريضى للسوشيال ميديا قد يقود لشعبوية أضخم)، وأنه (مهما يرى البعض من أن التكنولوجيا باتت مكونا رئيسيا فى ترجمة المعارضة والاستياء الشعبى إلى دعم راسخ للشعبوية أو يرى غيرهم أنه دور حاشد لما هو بالأساس حتمى وغير قابل للجدل، فإن هذه التكنولوجيا تلعب دور التمكين لهذا الاستياء من النمو)، وإنه إذا كان فيروس كورونا بما سينجم عنه من خراب اقتصادى متعاظم خلال عشرينيات القرن الحالى سيزيد من أفق عدم الاستقرار السياسى، فإن السوشيال ميديا ستعمل على تحويل عدم الاستقرار هذا إلى حركة فى الشوارع! إن ما شهده مبنى الكونجرس هو واحد من تجليات عصفور النار التكنولوجى، ليس تويتر فحسب بل كل المنصات، وبلغ الأمر بالتجرؤ على واحد من التجليات الإلهية المذكورة بالنص فى التوراة. مغردون بالبوق اليهودى «الشوفار» هو نوع من قرون الماعز أو ما يماثلها يتم من خلاله الصفير فيتحول الصوت إلى نفير مروع، وهو طقس يهودى يستخدم فى عيد الغفران (يوم كيبور) وفى رأس السنة العبرية (روش هاشناه)، للتذكير بحصار أريحا، هذه المدينة التى لم يدخلها الشعب اليهودى إلا بعد سبعة أيام من الطواف وإطلاق الشوفار، فتهاوت أحجار حصونها المنيعة ليدخلها شعب الله المختار. هذا الشوفار استخدمه أنصار ترامب الذين حشدتهم حملات وسائل التواصل الاجتماعى فى اقتحام مبنى الكونجرس فى 6 يناير الماضى، كان هذا هو الموجز، لكن ما وراء الخبر شرحه الحاخام ألين مولر أهم فقهاء مذهب (القابالاه) فى 16 يناير الماضى فى مقال له نشر فى أوريشا ريفيو، بعنوان: هل قاد الأنبياء الكاذبون الأحداث فى الكابيتول الأمريكى؟ حيث بدأ الحديث بتعريف النبى الكذاب وهو: الشخص الذى يدعى أنه يتحدث لحساب الرب، بينما فى الحقيقة يتحدث لحساب نفسه ويتحرك وفق نياته وعواطفه وارتباطاته السياسية، ثم ينقل الحاخام عن براد كريسترسون، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بيولا للعلوم المسيحية فى جنوب كارولاينا قوله: الأنبياء المزيفون أصبحوا أكثر شعبية اليوم ولهم أياد دينية فى الدفع للأحداث المروعة (التى وقعت) فى الكابيتول الأمريكى. كريسترسون كان فد كتب مقالا - يدوره - فى صحيفة (كونفرسيشن) عن الذين نصبوا أنفسهم أنبياء ممن ينتمون لحركة مسيحية إنجيلية صغيرة لكنها تتنامى فى أمريكا منحت الفتوى الدينية عبر وسائل التواصل الاجتماعى لما قاد لأحداث 6 يناير، ذلك أنهم يؤمنون بأن دونالد ترامب هو المرشح الذى اختاره الرب، وأن أى مرشح آخر مهما ظهرت نتائج التصويت عليه هو غير شرعى، وأن عددا من الزعماء الإنجيليين البيض قد أمدوا المتظاهرين (الذين اعتبروا رسميا إرهابيين محليين بعد ذلك) بالمبررات الدينية والدعم المستميت لرئاسة ترامب، وبالذات للغته وسياساته الأكثر عنصرية. أستاذ علم الاجتماع وزميل له يدعى ريتشارد فلورى كانا قد توصلا إلى أن شريحة صغيرة من الإتجيليين البيض يكونون ما يسمى شبكة المسيحية الكاريزمية المستقلة قد لعبوا دورا مهما فى حركة الانقلاب على نتائج الانتخايات الرئاسية الأخيرة، وأفراد هذه الشبكة هم مجموعة من القادة الكبار المتحالفين مع أنفسهم، وهم الذين نظموا (مسيرة أريحا) إلى الكونجرس والمحكمة العليا ليقوموا يالصلاة والدعاء لله كى يهزم القوى الظلامية الفاسدة التى يزعمون أنها سرقت الانتخابات من مرشح الرب دونالد ترامب، هذه المسيرة قام بها بالفعل عدد من القوميين المسيحيين الفاشلين ونشاطهم الأساسى، هو تنظيم مسيرات للصلاة حول مبانى الكابيتول فى كل أرجاء الولاياتالمتحدة منذ الانتخابات، وتقليد أحداث حصار أريحا، كما وردت فى الكتاب المقدس، عندما أمر الرب شعب إسرائيل بالنفخ فى قرون الحملان وأن يطوفوا حول أسوار مدينة أريحا حتى أسقطها الرب ليدخلوها، طبعا هذه المسيرات لم تكن ممكنه من دون التواصل الاجتماعى الذى توفره ليل نهار منصات شركات التكنولوجيا، صاحبة النفوذ الأضخم والحقيقى فى السياسات الأمريكية هذه الأيام، التى باتت بديلا عن لوبى التجمع الصناعى العسكرى. هذا العصر صاحب القوة الجديد فى السياسات الدولية بات يعرف باسم التجمع المالى التكنولوجى، وهو حلف مؤسسات التمويل المالية الكبرى مع شركات التكنولوجيا الكبرى، صاحبة منصات تويتر وفيس بوك وجوجل وأمازون وإنستجرام، وما يستجد.