مع انتهاء مراسم تنصيب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة جو بايدن تبدأ مرحلة جديدة في التاريخ الأمريكي بعد انتهاء أربع سنوات من حكم مثير للجدل من قبل الجمهوريين والرئيس السابق دونالد ترامب. وربما جاء خطاب التنصيب لبايدن معبرا عن تلك المرحلة الجديدة حيث ركز في خطابه على قضية سيادة الديمقراطية ودعوته للأمريكيين إلى نبذ الانقسام والوحدة في مواجهة جائحة كورونا وإلى الانفتاح والتواصل مع العالم. وجاءت تفاصيل حفل التنصيب حسب الجدول المرسوم، بحضور عدد من الرؤساء السابقين وزوجاتهم ، مثل كلينتون وبوش الإبن وأوباما ، وغاب ترامب إلى فلوريدا كما كان متوقعا، بعد أن أعرب عن تمنيه النجاح للإدارة الجديدة. ارتدى جميع الحاضرين كمامات الوجه احتراما للقواعد الاحترازية المعمول بها في ظل انتشار جائحة كورونا التي حصدت من أرواح الأمريكيين في عام واحد، أكثر مما خسرته الولاياتالمتحدة في الحرب العالمية على مدى أكثر من خمس سنوات حسب قول بايدن في خطابه. كامالا هاريس نائبة الرئيس اعتبرت من بين أهم أيقونات التغيير في العهد الجديد فهي أول امرأة وأول منحدرة من أصول آسيوية ولاتينية وذات بشرة سمراء تصل إلى السلطة بتوليها هذا المنصب الرفيع ، وقد أشار إليها بايدن بهذه الصفة كما أشار إليها كذلك أكثر من متحدث في الكلمات الاحتفالية ومن بينهم السيناتور إيمي كلوبشر التي افتتحت كلمات المتحدثين وذكرت أن بايدن تعهد باستعادة روح أمريكا. ويرى مراقبون أنه رغم وجود الملايين في الشارع الأمريكي والمئات في الكونجرس ما زالوا يؤيدون الرئيس السابق دونالد ترامب وقراراته ، بل ويسعى بعضهم إلى اللجوء للعنف ، كما حدث يوم السادس من يناير الجاري مع اقتحام مقر الكونجرس بواشنطن، لكن هناك ملايين أكثر ينتظرون من بايدن تغيير سياسات ترامب والعدول عن قرارات كثيرة اتخذها. وينتظر قادة العالم من الساكن الجديد بالبيت الأبيض الكثير من التغيير في السياسات التي اتبعها الرئيس السابق ترامب سواء في العلاقات مع أوربا وحلف شمال الأطلسي " ناتو" أو ما يخص الصين أو روسيا أو إيران أو غيرها على صعيد السياسة الخارجية. كان بايدن قد تعهد بتغيير ثلاثة أمور منذ اليوم الأول لتوليه الحكم ، العودة إلى اتفاق باريس المناخي وإعادة الانضمام للاتفاق النووي الخاص بإيران وإنهاء الحظر المفروض على عدد من الدول ، معظمها إسلامية ، بعدم منح مواطنيها تأشيرة الدخول إلى الولاياتالمتحدة . ومن المتوقع أن يسعى بايدن إلى تعديل العلاقات بين بلاده والصين بعد المعركة الاقتصادية والسياسية الشرسة بين واشنطن وبكين بدءا من تبادل فرض التعريفات الجمركية الكبيرة ومرورا باتهام الصين بأنها وراء انتشار فيروس كورونا. هناك أيضا العلاقات مع روسيا التي يقف الديمقراطيون بحذر تجاهها بعد اتهامات طالت الإدارة السابقة بالسعي للجوء لروسيا للتأثير على مجريات الانتخابات، والتحقيقات المرتبطة بمساعي عزل ترامب في الكونجرس ، ومحاولات اختراق الأجهزة الحكومية من قبل قراصنة روس فضلا عن التصادم السياسي والعسكري مع روسيا في منطقة الشرق الأوسط وسوريا على وجه التحديد. ويتطلع الأوربيون إلى أن يعمل بايدن على تحسين علاقات بلاده مع دول قارتهم ومع حلف شمال الأطلسي " ناتو " بعد توترها في ظل الإدارة السابقة، سواء على مستوى التصريحات الهجومية من جانب ترامب إزاء بعض هؤلاء القادة أو ممارسة بعض الضغوط السياسية عليهم بشأن قضية إيران أو ليبيا أو حتى قضية المناخ وغيرها من الخلافات بين الجانبين والتهديدات الكثيرة من قبل الإدارة السابقة بالانسحاب من الكثير من الاتفاقات والتحالفات. ويمثل اليوم الأربعاء أول يوم من بين المائة يوم الأولى من حكم بايدن والتي تعهد فيها بتبني الكثير من السياسات من بينها زيادة ارتداء الأمريكيين الكمامات وتوزيع مائة مليون جرعة لقاح مضادة لكورونا وفتح معظم المدارس وتمرير خطة مواجهة للأزمة الاقتصادية بقيمة تقترب من تريليوني دولار وتقديم تشريع جديد خاص بالمهاجرين يساعدهم في الحصول على الجنسية الأمريكية ، فضلا عن تعددية أعضاء حكومته وتنوعهم على نحو ربما غير مسبوق. وقد وقف بايدن أثناء إلقاء الخطاب أمام عدد من المدعوين ، أقل بكثير من المعتاد ، وحالة التباعد الاجتماعي فيما بينهم بسبب جائحة كورونا ، والانتشار الأمني والعسكري غير المسبوق أمام مقر الكابيتول بواشنطن ، وربما كان من أهم ما أشار إليه في خطاب التنصيب قضية مداواة جراح الوطن وبث الأمل للمستقبل في نفوس المواطنين. وتحدث بايدن قائلا " هذا هو يوم أمريكا ، هذا هو يوم الديمقراطية" بعد أن تم تقديمه للحضور مع زوجته السيدة الأمريكية الأولى الدكتورة جيل بايدن، مضيفا " هذا هو يوم للتاريخ وللأمل ، وللتجدد والعزيمة ، ونحن نحتفل اليوم بالانتصار ليس لمرشح ولكن لقضية ، قضية الديمقراطية". واستمرت كلمة بايدن نحو عشرين دقيقة، ووجه بايدن الشكر لجميع الرؤساء الأمريكيين السابقين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين حضروا الحفل. كما أكد بايدن على أن قصة أمريكا لا تعتمد على أي مواطن بمفرده ، ولا على بعض من المواطنين ، بل على الجميع، مؤكدا على ضرورة استغلال فصل الشتاء الحالي الذي وصفه بأن به الكثير من الفرص العظيمة مع بذل كل جهد وتوحيد كل مسعى لإنهاء ما وصفه بالحرب الأهلية الراهنة بالولاياتالمتحدة ، في إشارة إلى حالة الانقسام الحادة التي يشهدها المجتمع الأمريكي في المرحلة الراهنة.