أيام قليلة ويترك الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض، ويتم تنصيب جو بايدن فى 20 يناير رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، وهذه الفترة الزمنية تتسم بأهمية كبيرة، نظرا لم تشهده من قرارات وإجراءات مرتبكة لما يعهدها المجتمع الأمريكى من قبل، ولذلك تحظى الأيام الأخيرة لترامب فى منصبه بحالة من الترقب والاستنفار، والسيناريوهات المتضاربة لما سوف يحدث خلال تلك المدة القصيرة زمنيا والكبيرة سياسيا. ويشهد اليوم الأربعاء أهم حلقات سلسلة المواجهات بين الكونجرس وترامب، حيث يعقد الكونجرس جلسة لإقرار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويأتى ذلك فى الوقت الذى دعا فيه ترامب، الذى يرفض التخلى عن موقعه، أنصاره للاحتجاج يوم 6 يناير فى مدينة نيويورك، وذلك عبر تغريدة له على تويتر طالبهم فيها « مغردا «أوقفوا السرقة»، كما يواصل الضغط على قادة الحزب الجمهوري فى جميع الولايات التى خسرها فى الانتخابات لإلغاء النتيجة، حيث يشعر تجاههم بالغضب لأنهم لم يساندوه فى مزاعمه حول تزوير الانتخابات، ويعيش حالة من الإنكار دفعته لعدم الاتصال بالرئيس المنتخب بايدن، ولم يدعه أيضا إلى زيارة البيت الأبيض، وهى عادة تجرى عقب انتهاء انتخابات الرئاسة. ويشاع أنه عقد النية على عدم حضور حفل تنصيب بايدن، وهو ما يجعله أول رئيس أمريكي منذ عام 1869 يرفض المشاركة فى مراسم الانتقال السلمى للسلطة. وكان ترامب قد رفع العديد من الدعاوى القضائية فى محاولة منه لتغيير نتائج الانتخابات، لكن فريقه القانونى لم يحقق نتائج لمصلحته، نظرا لعدم وجود أدلة تؤكد حدوث التزوير فى الانتخابات. ويتهم ترامب المحكمة العليا فى الولاياتالمتحدة بأنها لا تريد رؤية هذه الأدلة. وأكدت شبكة CNN الإخبارية، أن إصرار ترامب على إنكار هزيمته حتى خلال أيامه الأخيرة فى منصبه يدمر الديمقراطية، ويهدد آمال الجمهوريين فى الاحتفاظ بمجلس الشيوخ. وأشارالعديد من وسائل الإعلام، إلى أن القادة العسكريين فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»فى حالة تأهب قصوي، مما يجعلهم يضعون خططا للطوارئ، تحسبا لاستدعاء الجيش فى أثناء تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن. وأن التخطيط يجرى من دون علم البيت الأبيض ، خوفا من إيقاف تلك الخطط. وقال القادة إنهم يخشون أن يقدم ترامب على عمل غير محسوب، من قبيل نزول مسلحين وميليشيات موالية له إلى الشوارع فى واشنطن، لخلق الفوضى ومنع تنصيب بايدن، ومن ثم يفرض الأحكام العرفية، ويطلب تدخل الجيش، أو الاستعانة بالجيش لإعادة صياغة نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كون الرئيس الأمريكى يتمتع حاليا بصلاحيات طوارئ غير مسبوقة بسبب فيروس كورونا. وخلال الفترة القليلة الماضية نجح ترامب فى خلق دائرة واسعة من الخصوم ، وفى المقابل كافأ أصدقاءه،،حيث استخدم كل الصلاحيات الرئاسية التى سيفقدها بعد أيام قليلة، ومنها العفو الرئاسي. ففى الفترة الأخيرة أصدر ترامب41 عفوا خلال يومين، عن غالبية الأفراد الذين دعموه فى حملته الرئاسية. وأبرز الأسماء والد صهره جاريد كوشنر، تشارلز كوشنر، ومدير حملته السابق بول مانافورت، ومستشاره السابق روجر ستون، ومساعدوه الذين عوقبوا بتهمة التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية، هذا بخلاف تخفيف الأحكام القضائية. وبلغت جملة قرارات العفو أكثر من 80 عفوا، ضمنهم مجموعة أفراد ينتمون لشركة بلاك ووتر ، وعلى رأسهم مؤسسها إريك برينس الصديق المقرب لترامب ، ومتهمون آخرون فى جرائم ارتكبت بالعراق وافغانستان . ولقد أثارت قرارات العفو ردود فعل رافضة داخل أمريكا وخارجها من قبل الأممالمتحدة ووصفته ب«إهانة للعدالة ولذكرى القتلي»، ومن المتوقع زيادة العدد حتى اللحظات الأخيرة لتسليم السلطة. بل صرح ترامب بأنه بإمكانه إصدار عفو استباقى على من يرغب، مما أثار جدلًا قضائيًا، خشية إصدار عفو لنفسه ولأسرته. ومما يؤكد حالة التخبط التى يمر بها ترامب ، توقيعه على الخطة البالغة قيمتها 900 مليار دولار، لمشروع قانون إغاثة كورونا الجديد، الذى يشكل دعما للاقتصاد وتجنبا للإغلاق الحكومي، ويضمن مساعدات للأسر والشركات الصغري، والذى امتنع عن الموافقة عليه لفترة طويلة، بل وندد بالنص، رغم أن الخطة حظيت بأصوات الديمقراطيين والجمهوريين، فى بادرة نادرة فى الكونجرس، ومن المفارقات أنه فى اليوم التالى لتوقيعه على مشروع القانون، وصف المشروع بأنه «وصمة عار». والغريب تراجعه وتوقيعه دون الحصول على مكاسب من الكونجرس. خاصة فى ظل معركته مع الكونجرس، لاستخدامه حق الفيتو لحجب مشروع قانون سياسات الدفاع ، بقيمة 740 مليار دولار، وقد صوت مجلس النواب الأمريكى بتجاوز حق (الفيتو)، فى خطوة تؤكد الانقسامات داخل الحزب الجمهوري. وبرر ترامب رفضه التشريع، لرغبته فى إلغاء توفير الحماية لشركات التواصل الاجتماعى فى الأمور التى ليست لها علاقة بالأمن القومي. وأضاف أنه يعترض أيضا على بند فى مشروع قانون، يقضى بتغيير أسماء القواعد العسكرية التى تحمل أسماء جنرالات مرحلة الكونفيدرالية فى أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، ويتناول التشريع عددا من قضايا السياسة الدفاعية، ويتضمن زيادة رواتب القوات الأمريكية ويقره الكونجرس سنويا منذ الستينيات. وطالب ترامب برفع قيمة الإعانات للمتضررين من كورونا، وإجراء تصويت عاجل على مشروع قانون، لرفع مبلغ الإعانة إلى 2000 دولار أمريكى بدلا من 600، وذلك ضمن حزمة المساعدات . وصوت مجلس النواب الأسبوع الماضى على زيادة المساعدات، بينما من المتوقع إلا يوافق مجلس الشيوخ، الذى يقوده الجمهوريون على هذه الزيادة، وكتب ترامب على تويتر: «ما لم يكن للجمهوريين رغبة أخيرة، هذا هو الشيء الصحيح الذى ينبغى عمله، يجب أن يوافقوا على مدفوعات 2000 دولار فى أسرع وقت ممكن». «أيضًا، تخلصوا من المادة ال230 - لا تدعوا التكنولوجيا الكبرى تسرق بلادنا، ولا تدعوا الديمقراطيين يسرقون الانتخابات الرئاسية».
ومن القرارات المثيرة للجدل، مد قرارى حظر على الهجرة الوافدة حتى مارس القادم، وكان من المفترض أن ينقضى أجلهما فى 31 ديسمبر، ولم تخل السياسة الخارجية من قرارات ترامب الأخيرة، فتم صياغة اقتراح بإعادة تصنيف كوبا على قائمة الولاياتالمتحدة للدول الراعية للإرهاب، وهناك حالة من الترقب، خشية أن يتخذ ترامب أى قرارات عسكرية تجاه إيران حتى حلول يوم 20 يناير، كما أمر بسحب القوات الأمريكية من الصومال فى مطلع العام الجديد، كما وفرض رسوما جمركية إضافية على منتجات فرنسية وألمانية، وهذا القرار هو الأحدث فى المعركة التجارية المحتدمة بين الطرفين منذ 16 عاما. وعلى الجانب الآخر، أكد بايدن أن فريقه الانتقالى «واجه عقبات» من القيادة السياسية فى وزارة الدفاع ومكتب الإدارة والميزانية، وهناك نقص فى المعلومات نتيجة ضعف التعاون من جانب إدارة ترامب فى عملية تسليم السلطة، قد يؤخر عملية إقرار الميزانية، وأضاف بالنسبة للسياسة الخارجية فإن ترامب حريص على إيجاد طرق لتقييد حركة بايدن، بزيادة الضغط والعقوبات الأمريكية على الصينوإيران. جدير بالذكر، أنه بالرغم من الحالة الاستثنائية التى تمر بها أمريكا، فإن ذلك لم يمنع ترامب، من الاحتفاء بتفوقه، فى استطلاع رأى جديد، حول اختياره الرجل الأكثر إثارة للإعجاب فى الولاياتالمتحدةالأمريكية . ونشره رسالة تهنئة بالعام الجديد، أشاد فيها بإنجازاته فى مواجهة فيروس كورونا، وانتاج لقاح فى وقت قياسي، وتنمية الاقتصاد.