السياحة تشكل غرفة عمليات لتلقي الشكاوى خلال إجازة عيد الأضحى    الجيش الروسي ينفذ مناورات بحرية وجوية واسعة في بحر البلطيق    محافظ بورسعيد يزور دارا للمسنات وأخرى للأطفال الأيتام في أول أيام عيد الأضحى    بالصور.. روبوتات نواف ونورة ترحب بحجاج ال5 نجوم في مشعر منى    "الوطنية للإعلام" تنعي الإذاعية القديرة هدى العجيمي    رئيس الرعاية الصحية يواصل جولاته لمتابعة تنفيذ خطة التأمين الطبي خلال العيد    سعر كيلو السكر فى السوبر ماركت اليوم الجمعة    المناخ يهدد المواشي.. فهل يصبح الأضحى بلا أضحية؟    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    رسميا.. اعتماد فلسطين عضو مراقب بمنظمة العمل الدولية    نيوم السعودي يستهدف ضم الجزائري رياض محرز فى الميركاتو الصيفى    ناصر.. روبن هود الزمالك الذي حارب النسيان    تحالف الأحزاب عن القائمة الوطنية ل انتخابات مجلس الشيوخ: اجتهادية    محافظ الغربية يستقبل المهنئين ب عيد الأضحى    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    أول أيام العيد.. سعر الذهب اليوم الجمعة 6-6-2025 في مصر الآن    خاف من نظرات عينيه وبكى بسبب أدائه.. هكذا تحدث يوسف شاهين عن المليجى    محافظ الدقهلية يزور دار المساعى للأيتام بالمنصورة: "جئنا نشارككم فرحة العيد"    رسائل تهنئة عيد الأضحى 2025 مكتوبة وجديدة للأهل والأصدقاء    وفاه الملحن الشاب محمد كرارة وحالة من الحزن بين زملائه ومحبيه    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    جبر الخواطر.. محافظ القليوبية يشارك الأيتام فرحة عيد الأضحى ويقدم لهم الهدايا    «لو مبتكلش اللحمة»..طريقة عمل فتة مصرية بالفراخ    حبس المتهم بقتل شاب يوم وقفة عيد الأضحى بقرية قرنفيل في القليوبية    فى أول أيام عيد الأضحى.. إقبال متوسط على شواطئ الإسكندرية    نانسي نور تغني لزوجها تامر عاشور في برنامج "معكم منى الشاذلي"|فيديو    تركي آل الشيخ يطرح البرومو الدعائي لفيلم "The seven Dogs"    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    إيطاليا تلتقي النرويج في مباراة حاسمة بتصفيات كأس العالم 2026    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    ماذا يحث عند تناول الأطفال لحم الضأن؟    «وداعًا للحموضة بعد الفتة».. 6 مكونات في الصلصة تضمن هضمًا مريحًا    مقترح ويتكوف| حماس تبدي مرونة.. وإسرائيل تواصل التصعيد    أحمد العوضى يحتفل بعيد الأضحى مع أهل منطقته في عين شمس ويذبح الأضحية    روسيا: إسقاط 174 مُسيرة أوكرانية فيما يتبادل الجانبان القصف الثقيل    محافظ الشرقية يلتقط صور تذكارية مع الاطفال بمسجد الزراعة بعد أداء صلاة العيد    إقبال ملحوظ على مجازر القاهرة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    80 ألف فلسطيني يؤدون صلاة العيد في المسجد الأقصى    الونش: الزمالك قادر على تحقيق بطولات بأي عناصر موجودة في الملعب    سرايا القدس تعلن تفجير آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة شديدة الانفجار في خان يونس    وسط أجواء احتفالية.. الآلاف يؤدون صلاة العيد في الإسكندرية    خطيب عيد الأضحى من مسجد مصر الكبير: حب الوطن من أعظم مقاصد الإيمان    بالصور.. محافظ الجيزة يقدّم التهنئة لأطفال دار رعاية الأورمان بالجيزة    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    تعرف على سعر الدولار فى البنوك المصرية اليوم الجمعه 6-6-2025    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    فرحة العيد تملأ مسجد عمرو بن العاص.. تكبيرات وبهجة فى قلب القاهرة التاريخية    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    الرئيس السيسي يشهد صلاة عيد الأضحى من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية| صور    الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على الانتقادات    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    «3 لاعبين استكملوا مباراة بيراميدز رغم الإصابة».. طبيب الزمالك يكشف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل لدينا أخلاق؟
نشر في بوابة الأهرام يوم 05 - 01 - 2021

قبل أسابيع قليلة تحدث الكاتب والأكاديمى المرموق د. سليمان عبد المنعم فى مقال ضاف بالأهرام عن قضية الانحدار فى الأخلاق العامة فأبدع فى توصيفها، قبل أن يتساءل عن سرها، داعيا للنقاش حولها. واليوم أدلو برأى فى القضية لأهميتها، فالأخلاق ليست مجرد صفات حميدة يتسم بها الفرد تجعله مقبولا، أو صفات سيئة تجعله منفرا، بل نسق قيمى يحكم علاقته بالمجتمع، يصعب تحقيق النهضة الحضارية دون سلامته وصلاحيته كآلية للتغيير المنشود، نسق فعال لا يكفى معه أن نحب الخير ونكره الشر، بل يفرض علينا أن نحاصر الشر ونسعى إلى قهره، أيا كان مصدره، وأن نجتهد فى طلب الخير بديلا عنه.
ومن ثم تفترض الأخلاق أن نُعرِّف الظلم بأمانة، وأن نقاومه دون هوادة، ولو فقدنا حياتنا فى تلك المغامرة الفاضلة. كما تفرض علينا أن نبكى لألم غيرنا، ونصفق لنجاح المحيطين بنا بدلا من أن نحقد عليهم، أن نحترم الإرادة التى تصنع الأمل بدلا من التشويش عليها. يفتقد مجتمعنا لهذا النسق الأخلاقى رغم استناده إلى دينين عظيمين كالإسلام والمسيحية، فأغلبنا يكره الناجحين ويشوش عليهم، ينافق الشر خوفا ولا ينتصر للخير مادام لن يصيب منه مغنما، مثلما يخذل الحق مرارا لو ناقض مصالحه. أما سر فقرنا الأخلاقى فهو أننا أهدرنا النموذج الدينى الموروث للفضائل، ولم نصنع نموذجا مدنيا حديثا للقيم، فوقعنا فى شراك الفوضى.
يتأسس نموذج الأخلاق الدينية على الضمير، ذلك المفهوم المحورى فى بناء الإنسان الداخلي، حائط الصد الذى يقاوم الشر فى داخل نفسه والعالم حوله. ولكن المشكلة أنه مفهوم ذاتى جدا، يصعب تنميته من خارج الفرد. وعندما تتعرض المجتمعات لاهتزازات شديدة يرتبك هذا الضمير بين ما كان مستقرا ولكنه بات معرضا للزوال، وما هو فى طور التشكل لكنه لم يستقر بعد، ما يدفعه إلى متاهة تخرج منه أسوأ ما فيه لأنه فى كل موقف يتعرض فيه للاختيار بين متشابهات سيختار ما يحقق رغباته الذاتية.
أما النموذج الأخلاقى الحديث فيتأسس على مفهوم الواجب، الذى وضعه كانط معلما للإنسان المستنير، ينهض على مبدأين بسيطين: أن نسلك فى الحياة إزاء الآخرين بالطريقة نفسها التى نتمنى من الغير أن يسلكوا بها نحونا، وأن نتصرف وكأن سلوكنا منوال ينسج عليه الآخرون، ثم ننظر هل ازداد خير العالم أم تناقص.
ببساطة شديدة يفرض المبدآن على كل شخص يهم بإلقاء ورقة صغيرة فى طريق عام أن يتصور وكأن كل فرد فى العالم سيفعل مثله فى اللحظة نفسها، وما يترتب على ذلك من قذارة شاملة. ورغم إن مفهوم الواجب يظل أقل عمقا من مفهوم الضمير، فإن مزيته الكبرى هى القابلية للتقنين والتنظيم.
مشكلتنا اليوم، أن جزءا مهما من مجتمعنا (المتدين بطبعه) ينفق جهده فى هجاء الثقافة الحديثة باعتبارها قرينا لعلمانية الغرب وماديته، والمفاخرة بأسلاف بعيدين من ذوى الضمائر الحية، بينما واقعنا المعيش فقير مجدب. يردد هؤلاء الآيات والأحاديث عن الأخلاق ويسلكون ضدها، يطلق بعضهم اللحى ويكبحون جماح الفضيلة، يرون الظلم ولا يثورون عليه مادام الله شهيدا على الظالم، وكيلا عن المؤمن فى القصاص منه يوم الدين. ومن ثم يتبدى التناقض بين الأخلاق الدينية والأخلاق المدنية فى الموقف من صاحب حق مهضوم، فالشخص المستنير يكره رؤية العدل مهزوما، ولذا يستميت فى الدفاع عنه أملا فى رؤية مشهد انتصاره داخل هذا العالم، بإلهام من فكر منطقي/ عقلاني، يجعل دفاعه منظما وفعالا.
أما الشخص المتدين فيكره هو الآخر رؤية العدل مهزوما، لكنه فى الأغلب يُقصر جهده فى الدعاء له كى ينصره الله، دون القيام بفعل منظم لنصرته، ومن ثم يتأخر مشهد انتصار العدل على هذه الأرض. هذا التناقض يمتد إلى توصيف الشخص المهزوم نفسه، ففى الثقافة المتمدنة يسمى المهزوم بطلا يقاوم الفساد وهى معايير دنيوية تستفز إلى المواجهة داخل التاريخ بغية تحقيق التقدم. أما الشخص المتدين فيسمى المهزوم مظلوما قهرته قوى الشر الشيطانية فى عالم يحيط به الدنس من كل جانب، ولا يستطيع مواجهتها سوى الله، رب القضاء والقدر.
هكذا تحصل الثقافة المدنية من مفهوم الواجب على ما تريده لنفسها من انضباط واتساق، لأنها تمكنت من خلق بنية قانونية تفرض مبادئه، ونظم سياسية حرة تراقب تطبيقه. أما مفهوم الضمير فيزداد عجزه تدريجيا عن تهذيب مجتمع يميل باطراد إلى الأنانية والقسوة، ويقترب تدينه من حافة المظهرية. ورغم أن الثقافة الدينية تنطوى ضمنا على المبدأ المؤسس لمفهوم الواجب الذى يكاد ينطق به الحديث الشريف: حب لأخيك ما تحب لنفسك، فإنها لا تضع قواعد منضبطة لتطبيقه.
نعم يجرى تكراره فى سياق الجدل النصي، لكنه لا يُستدعى إلى حلبة الواقع إلا فيما ندر. المفارقة هنا أن فعالية مفهوم الواجب فى تحقيق أهدافه، ورسوخه فى نفوس المتمدنين أكسبته مزايا مفهوم الضمير، فالشخص الذى يعتاد احترام القوانين، ويتأكد عبر التجربة أنها وضعت لمصلحته، ينسى عبر الزمن أنه يطيع القوانين خشية العقاب، ويتحول سلوكه إلى تقليد ذاتي، يمارسه بتلقائية تكاد تبلغ حد الصوفية، فهو يلزم الصواب حتى لو أمن العقاب، لا يكسر إشارة مرور ولو فى شارع فارغ من المراقبة، وتلك هى نقطة الذروة فى الأخلاق الإنسانية، عندما يتحول القانون إلى تقليد معتاد ثم فضيلة ذاتية.
وحدها الحرية الإنسانية، إذن، المنبثة فى دساتير علمانية ونظم ديمقراطية، تستطيع أن تكسر كهف التدين الشكلي، وتهاجم النفاق الأخلاقي، وتصوغ مثالا أخلاقيا مدنيا معقولا وفعالا. وحدها الحرية قادرة على أن تلهم أبطال الإنسانية، الذين يدافعون عن الحق لأنه فضيلة، ويكرهون الظلم لأنه رذيلة دون تفكير فى عوائد مواقفهم أو تكاليفها، فيا له من أمل: أن نمتلك الحرية ونستعيد الأخلاق معا، كى نتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.