د. طه عبدالعليم لم تكن مصر بمعزل عن أسباب وعواقب الأزمة الاقتصادية العالمية التى دفعت إليها جائحة كورونا، ولم يكن بمقدور مصر أن تكون بمنأى عن خسائر هذه الجائحة، التى زلزلت العالم بأسره فى عام 2020 المُؤلِم. وأسجل، أولا، أن إجراءات الدولة المصرية المبكرة باتخاذ إجراءات الإغلاق وتقييد الانتقال جسدت استيعابا واعيا ومسئولا لحقيقة أن عدم وجود علاج طبى وعدم توافر لقاح يجعل تقييد التنقل والتجمع الخيار الوحيد. وكان قرار الدولة باعتماد مائة مليار جنيه لمواجهة جائحة كورونا وعواقبها الصحية والاقتصادية والاجتماعية استيعابا لحقيقة أن مواجهة الوباء تستلزم ثمنا باهظا، وهو ثمن لا مفر منه وبمقدور الأمة المصرية دفعه بعد أن دفعت تكاليف ومكاسب اصلاح مالى ونقدى جذرى مرير. وبهذه الموازنة بين أولوية حماية صحة وأرواح المصريين وضرورة حماية الاقتصاد من التراجع والانهيار، لم تستجب الدولة المصرية بقيادة السيسى لصيحات زعمت أن خسائر الاقتصاد أفدح من مخاطر الوباء فى حال تقييد تنقل ومنع تجمع المواطنين، لكن الدولة لم تنكر الضرورات الاقتصادية والاجتماعية لتخفيف إجراءات الإغلاق وتقييد الانتقال. وثانيا، أن العمالة غير المنتظمة، التى قدرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بحوالى 5.6 مليون عامل يومية فى مصر، تم تسريح الكثير منها مع الموجة الأولى للوباء مثل العاملين المؤقتين غير المؤمن عليهم، ومن فقدوا وظائفهم من العاملين فى المنشآت السياحية والمطاعم والمقاهى والكافيتريات، والعاملين باليومية، الذين يحصلون على قوتهم يوماً بيوم وعانوا من افتقاد سبل العيش وواجهوا خطر الجوع حرفياً ما لم تتم حمايتهم. وقد تعددت قرارات الدولة بالدعم الاجتماعى لهذه وغيرها من الفئات الاجتماعية الأشد تضررا؛ فساهمت فى رفع العبء عن كاهلها فى ظل الظروف لجائحة كورونا. كما شملت القرارات الوقائية التى نفذتها الدولة: منح السيدات اللاتى يرعين أطفالهن والمرضى بأمراض مزمنة إجازات مدفوعة الأجر للحد من انتشار الوباء، وضم العلاوات الخمس المستحقة لأصحاب المعاشات بتكلفة قدرت بنحو 7 مليارات جنيهات سنويا وهو ما استفاد منه نحو 2.5 مليون مواطن بجانب زيادة العلاوة الدورية السنوية للمعاشات من 10 % إلى 14 % اعتبارا من يوليو 2020، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية من خلال تكافل وكرامة وبرامج الدعم الأخرى المقررة قبل جائحة كورونا، وصرف منحة قدرها 500 جنيه شهريا ولمدة ثلاثة أشهر للعمالة غير المنتظمة المسجلة بمديريات القوى العاملة، وقررت ذات المنحة لجميع العاملين غير المؤمن عليهم المضارين من قرارات فرض حظر التجاول. وثالثا، أن الدولة قررت مخصصات مالية إضافية بنحو 11 مليار جنيه لدعم القطاع الصحى بالدولة لتلبية احتياجاته الملحة والحتمية من الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية، وتمكينه من اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية. وصرفت الدولة مكافآت تشجيعية صافية للأطقم الطبية والعاملين بمنافذ الحجر الصحى ومستشفيات العزل والمعامل المركزية وفروعها وفرق الترصد الوبائى وهيئة الإسعاف. كما عملت الدولة على تحفيز الصناعة الوطنية والمحلية للأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية. واتخذ البنك المركزى المصرى 14 إجراء وقرارا للحد من تداعيات جائحة كورونا، دعما للنشاط الاقتصادى، وتخفيفا من تأثيرها السلبى للوباء على الشركات والمواطنين، وحفاظا على مكتسبات الإصلاح الاقتصادى. ورابعا، أن صندوق النقد الدولى قد توقع انخفاض معدل النمو خلال العامين الماليين 2020/2019 و2021/2020 نتيجة توقف السياحة، وانخفاض التحويلات، وتباطؤ النشاط الاقتصادى المحلى. كما أشاد بإجراءات مصر لمواجهة تداعيات كوفيد-19، وسجل أن الدولة قد تحركت سريعا بتخصيص موارد إضافية للقطاع الصحى، وتقديم دعم للقطاعات الاقتصادية الأكثر تأثرا، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية لحماية الفئات الأضعف. وأشارت بعثة لصندوق النقد الدولى- خلال الفترة من 4 إلى 18 نوفمبر الماضي- الى تعافى الاقتصاد المصرى من آثار الجائحة بشكل فاق التوقعات السابقة لخبرائه. وخامسا، أن صندوق النقد الدولى قد توقع أن الناتج المحلى الإجمالى لمصر قد يعاود النمو إلى مستويات ما قبل الجائحة على المدى المتوسط، وأن صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد يتراجع إلى 7.1 مليار دولار بنهاية العام المالى 2021/2020، لكنه قد ينتعش ليصل إلى 17.1 مليار دولار بحلول 2025/2024، وأن ميزان الحساب الجاري- باستثناء مدفوعات الفائدة- قد يسجل عجزا بنحو 3.1% بنهاية 2020، مقارنة بفائض يبلغ 1.6% فى 2019، قبل أن ينتعش تدريجيا إلى فائض يبلغ 3.7% فى 2025. وفى آخر نسخة من تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمى، توقع صندوق النقد الدولى ارتفاع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى للاقتصاد المصرى فى السنة المالية 2019/2020 إلى نحو 3.5% مقابل 2% توقعها سابقاً. وأختم، فأقول إن الدولة بقيادة السيسى, منذ بداية وصول الموجة الأولى للوباء الى مصر فى مطلع عام 2020, قد راعت ضرورة الموازنة بين أولوية حماية صحة وأرواح المصريين، وضرورة حماية الاقتصاد المصرى من التراجع والانهيار. وهو توجه استراتيجى أثق- دون ريب- فى أن الدولة لن تتراجع عنه مع الموجة الثانية الأشد للوباء مع مطلع عام 2021, مع وعد ملهم حمله ليس فقط اكتساب خبرة حصار وعلاج العدوى وإنما الأهم التوصل الى لقاحات للوباء؛ أعلن الرئيس السيسى إتاحتها بالمجان لكل المصريين فور التمكن من توفيرها.