لا توجد حضارة تحظى بهذا الشغف والانبهار الذى يشعر به الملايين حول العالم نحوها كالحضارة المصرية القديمة، وهو إعجاب ممتد منذ القدم، فتاريخ مصر هو تاريخ الحضارة الإنسانية وامتدادا لهذا الولع، وفى سابقة على فيسبوك نظمت صفحة «اينشنت هيستورى بابيروس بوستينج» التى يديرها عدد من الأشخاص المهتمين بالتاريخ من دول مختلفة كألمانيا والدنمارك وليتوانيا والبرتغال وغيرها استطلاعا لاختيار أفضل حضارة قديمة، واستغرق التصويت خمسة عشر يوماً وشهد منافسة كبيرة بين الحضارتين المصرية والرومانية على المركز الأول ليحسم الأمر فى النهاية لصالح الفراعنة، ويتم تتويج الحضارة الفرعونية بلقب”ملكة الحضارات “، وهو ما يجعلنا نزداد زهوا وفخارا بأننا أحفاد هذه الحضارة العظيمة. نتيجة هذا الاستطلاع كانت محل ترحيب من قبل المهتمين بالتاريخ المصرى القديم ومنهم الدكتور وسيم السيسى الذى قال ل«نصف الدنيا»: الحضارة المصرية القديمة أولى الحضارات بأكثر من دليل وأولها بحث جامعة كمبريدچ سنة 2015 وقام به أربعة من علمائها وأجروا الدراسة على الآسيويين والأوروبيين ووجدوا أن فيهم چينات مصرية منذ 55 ألف سنة وقد تكون أقدم من ذلك ولكن هذه النتيجة لأن الكربون 14 والبوتاسيوم المشع لا يعطيان نتائج أقدم من ذلك ونشر هذا البحث فى «المجلة الأمريكية للوراثة البشرية» تحت اسم «المصريون فينا جميعا» ثانيا «چيمس هنري بريستد» ذكر أن الحضارة المصرية هى فجر الضمير وقبل هذه الحضارة كان العالم كله ظلاما فهى الحضارة التى أضاءت العالم بالإضافة إلى أن الدراسات الحديثة جميعها تثبت أن الأسرة الأولى بدأت سنة 5619 قبل الميلاد أضيفي إليها 2020 يصبح الرقم 6262 سنة حتى الآن والمتحف البريطاني يذكر أن الأسرة الأولى منذ 3200 سنة إنما ثبت خطأ هذا وأثبته «أندريه بوشان» وهو عالم مصريات فرنسى فحص عينات لمومياوات الدولة القديمة وأظهر الفحص أنها أقدم مما يقوله المتحف البريطانى ب2400 سنة فإذا أضفنا إليها 3200 سنة بحسب المتحف البريطانى يصبح الرقم أكثر من 5600 وهو ما يقوله «مانيتون» المؤرخ المصرى السمنودى الذى كلفه بطليموس الثانى بكتابة تاريخ مصر وهو الذى قسم مصر إلى الدول المذكورة فى التاريخ القديم وقسم كل دولة إلى أسرات وهكذا ويضيف الدكتور وسيم السيسى أن چيمس هنري بريستد ذكر أن الحضارة البابلية أخذت الكثير من الحضارة المصري. فالمتحف البريطانى لديهم مومياء مصرية أجروا عليها كشفا بالأشعة فوجدوا أنها لمريض كان لديه كسر فى عظمة الفخذ والعظمة بها مسمار داخلي للتثبيت مما دفع جراح عظام بريطانيا إلى القول لو أننا قمنا بعمل هذه الأشعة منذ 50 سنة لوفرت علينا عناء تطوير المسمار الذى توصلنا إليه اليوم فهو مثل المسمار الذى استخدمه المصرى القديم منذ خمسة آلاف سنة ويتابع السيسى: أيضا نيكولا تسلا يقول إن الأهرامات لم تكن مقابر وإنما كانت محطات لتوليد الطاقة والكهرباء التى كانت تنير مصر كلها قديما وما يؤكد صدق كلامه أننا لم نجد مومياء واحدة داخل الهرم، وأكد كلامه أيضا كتاب كريستوفر باونى» التكنولوچيا المتقدمة فى مصر القديمة» وكتاب دوجلاس كينيون «التاريخ المنسى» ودللوا على كلامهم بكثير من الأدلة منها إن سنفرو لديه 4 أهرامات فهى لم تكن مقابر ولكن كانت مصانع لتوليد الطاقة وهذه حقيقة الحضارة الفرعونية فهى حضارة مبهرة . كما يقول المؤرخ وعضو الجمعية التاريخية بسام الشماع: نستطيع أن نذكر عدة أسباب أدت إلى أن تكون الحضارة المصرية القديمة متفردة وأنا شخصيا وضعت مقياسا لطيفا للمقارنة بين الحضارات أسميته «المثلث الحضارى» وبه ثلاث زوايا فأي حضارة أو أى مجتمع سيتقدم كل الحضارات هو الذى سيتحكم فى هذه الزوايا وأسميتها»الثلاثة عين» وهى عقيدة وعمل وعلم وأنا هنا أود الحديث عن العمل والعلم وهو أكثر ما امتازت به الحضارة الفرعونية والعمل قبل العلم لأن من الممكن لعالم كبير ومخترع أن يعمل تحت يده أى عدد من العمال ولا يشترط أن يكونوا علماء مثله أو حتى متعلمين ولكن يمكنهم أخذ المعلومات والتوجيهات وتنفيذها وسبب آخر لتميز الحضارة المصرية القديمة «الإدارة» فهم ملوك الإدارة وكل ذلك بالإثباتات وهى التى أفرزت الطب والفلك والحكمة لأنهم كانوا يمتلكون الفكر الإداري ومن خلال دراساتى التاريخية توصلت إلى شخصية فرعونية ونصبته أميرا للإدارة فى تلك الحضارة واسمه «حم أيونو» فمن بنى الحضارة المصرية القديمة ليس حتشبسوت وبالمناسبة لا بد أن تكتب بالألف لأن «حا» كلمة هيروغليفية بمعنى المقدمة والاسم هنا معناه «المقدمة على الأميرات» أو رمسيس الثانى أو نفرتيتى أو غيرهم من الملوك، وخوفو ليس هو من بنى فوق المليون قطعة فى مبنى حتى الآن يعجز المهندسون أمامه وإنما من بناها هو الشعب إذن فهى حضارة الشعب وللأسف نحن دائما نتحدث عن ملوك الحضارات وننسى الشعب والقادة من حوله فإذا تحدثنا عن أحمس طارد الهكسوس تولى حكم مصر وعمره 10 سنوات ومات فى سن 35 سنة وكان نصف بلده محتلاً من قبل الهكسوس لمدة 108 سنوات وكانوا يتفوقون عنا فى السلاح وهو الحصان والعجلة الحربية ومع هذا استطاع الجيش المصرى والشعب أن يتعلموا هذه الأسلحة ويطوروها وحارب أعداؤه بسلاحهم نفسه. وهنا لابد ألا ننكر دور القواد من حوله وهم والدته الملكة «اياح حتب» المعجونة بماء النيل الذى جعلها تقود مصر وزوجها مقتول فى الحروب وتقدم ابنها كاموس فيقتل ثم من بعده ابنها أحمس الذى يطارد الهكسوس حتى جنوبفلسطين ويضرب حولهم الحصار لسنوات حتى النصر وقام بكل ذلك ومات فى عمر صغير وهذا يؤكد أن هؤلاء العظماء لم يعملوا بمفردهم وهناك ملك آخر هو «ببى الثانى» تولى الحكم وعمره ست سنوات وحكم مصر لمدة 94 سنة، فكيف كان سيحكم بلدا وحضارة عظيمة مثل مصر القديمة إلا إذا كان حوله إدارة ناجحة و«حم أيونو» كان لقبه المسؤول عن كل الأعمال الإنشائية للملك خوفو وقاد آلاف العمال لبناء الهرم إذن فهو مهندس ومقاول وإدارى ومشرف على العمال عبقرى لأنه نجح فى إدارة هذا العمل المعجز الذى استمر أكثر من 27 سنة فهو أرسى قواعد حضارة فيها إدارة منذ أكثر من 4 آلاف سنة ولا توجد حضارة تقوم دون الإدارة الناجحة ولكن نسبة هذه الإدارة ونسبة التزام العامل تختلف من حضارة إلى أخرى والتفوق هنا لصالح الحضارة المصرية ولدينا مثال برج «بيزا المائل»هل هو دليل على الالتزام؟ بالتأكيد لا، ولكن ذكاء الطليان حوَّله إلى مزار سياحى ناجح، وفى سنة 2016 خرجت عالمة المصريات الكبيرة «سارة باركاك» وقالت للعالم إن الذى اكتشف من آثار مصر أقل من %1 حتى الآن. ويتابع الشماع أن كل ما يحدث من كوارث فى عصرنا الحديث يؤكد تفوق الحضارة المصرية القديمة على غيرها من الحضارات، وأضيف أيضا أنها حضارة راقية بمعنى أنها حضارة بها حكمة وعلوم فتجدين مثلا الحكيم «آنى» والحكيم»بتح حتب» ومما نقل عنهما جلوسهما مع الأبناء يعلمانهم كيف يقودون حياتهم سواء فى اختيار الزوجة أو فى الحياة الاجتماعية اليومية وكيف يتعاملون مع الأم، تخيلى هذا الكلام منذ أكثر من 4 آلاف سنة.. وفى الوقت الذى كان الناس فى أماكن أخرى من العالم يعيشون عراة حفاة فى الكهوف كانت المصرية القديمة ترتدى أقدم فستان فى العالم منذ 5 آلاف سنة وهو ما يعرف بفستان «طرخان» وهى منطقة جنوبالقاهرة وهو فستان من نبات الكتان بكم طويل وفتحة سبعة من أعلى، وحاليا خطوط موضة عالمية تبيع موديل فستان باسم «طرخان» وهؤلاء الحكماء كانوا يعلمون أولادهم آداب المائدة وهذا الكلام وجد فى برديات قديمة وذكرت ذلك العالمة الفرنسية «كليرلالوى» فى كتابين من مطبوعات اليونسكو وضعت خلالهما نصوصا رائعة تتحدث عن ذلك، ومن النصائح التى يقولها الحكيم لابنه عن آداب المائدة «لا تضحك إلا إذا ضحك صاحب المائدة» إذن الحضارة المصرية هى التى اخترعت الإتيكيت، فنجد السيدة فى مصر القديمة تجلس على الكرسى وظهرها مفرود بزاوية 90درجة تماما والسيدة المصرية القديمة نالت كل حقوقها فى المجتمع لدرجة أنه كانت به سيدات أعمال ولها وكلاء تجاريون كما ذكرت عالمة المصريات الشهيرة «نبلكور» ويتابع الشماع أن أسباب تميز الحضارة المصرية كثيرة جدا ويذكر أن البروفيسور «نان» وضع كتابا من أعظم ما كتب عن الحضارة المصرية القديمة وترجم للغة العربية واسمه «الطب المصرى القديم»، وعرفنا خلاله عن أثر قديم فى سقارة لسيدة اسمها «بسشت»تعمل طبيبة فى الدولة القديمة، فهل كانت هناك جامعة لتخريج الطبيبات فى ذلك الوقت؟ وهنا تتضح العظمة إذا عرفنا أن «إليزابيث أندرسون» وهى أول امرأة حصلت على شهادة فى الطب فى بريطانيا وتوفيت فى 1917 بينما «بسشت» من الأسرة الخامسة أو السادسة يعنى قبلها بما يزيد على أربعة آلاف سنة. ويضيف الشماع: نحن نتحدث عن حضارة بها «حسى رع» منذ 2650 سنة قبل الميلاد تقريبا وهو رجل شديد التميز وهو بمفرده حضارة وآثاره موجودة فى المتحف المصرى، وأتمنى أن تعرض وزارة الآثار القطع الخاصة به فى متحف خاص للطب المصرى القديم فهو طبيب موثق بآثاره، ومقبرته وجدت شمال هرم سقارة المدرج، والمقبرة تحتوى على ست لوحات خشبية رائعة، وهو أيضا أول طبيب متخصص فى العالم ومكتوب على هذه الألواح أن من ضمن ألقابه طبيب «سونو» «ور» يعنى عظيم «ايبح» يعنى أسنان فهو طبيب أسنان عظيم والطبيب اليونانى «چالينوس» وأبوالطب «أبوقراط» تعلموا من المصريين حيث قال أحدهم عندما جاء إلى مصر «نحن اليونان فقط أطفال عندما نقف أمام هذه الحضارة». وهذه شهادة عظيمة من شخص ينتمى إلى الحضارة اليونانية التى علمت أوروبا، لذلك عندما أصدر «مارتن برنيل» العالم الأبيض كتابه الذى أسماه «أثينا السوداء»قوبل بهجوم شرس فى أوروبا لأنه أثبت فى كتابه هذا أن الحضارة اليونانية أتت من جذور مصرية أفريقية وأيضا اليونانيون عندما دخلوا مصر قالوا عن المصريين: «لديهم طبيب لعلاج آلام الأسنان,لديهم طبيب لعلاج العيون»، فانبهروا من فكرة التخصص لدى الأطباء فى مصر القديمة ومن ضمن تفردات الحضارة المصرية القديمة أنه كان لديهم تأمين صحى للعمال فى الوقت الذى كانت الحضارات الأخرى تقتل المصابين وأصحاب العاهات كما فى الحضارة الإسبرطية التى كانت ترمى الطفل الذى يعرج لتلتهمه الذئاب، ولكن الحضارة المصرية القديمة صححت هذا الفكر وأصبح الإنسان له قيمة، ووجدنا فى البرديات «لا تسخر من أعمى ولا تسخر من أعرج ولا تسخر من قزم لأن الرب خلقنا جميعا من طين وقش»، إذن كل شىء يؤكد أنها حضارة ذات رقى اجتماعي أيضا، فلم تذكر حالة واحدة فى الروشتات فى مصر القديمة تقول إن التقزم تشوه أو مرض بل بالعكس كان الأقزام ينظر إليهم على أنهم لهم علاقة بالسماء لتميزهم وتفردهم بهذا الشكل، وبالتالى كأنهم هدية من السماء وكانت لهم مهن ووظائف ونحن نعلم عن «سنب» القزم الشهير الذى تزوج امرأة عادية جميلة وأنجب منها طفلين وتمثالاهما فى المتحف المصرى، وكان يعمل مع الملك، والأقزام كانوا مسئولين عن تشكيل الذهب فى مصر القديمة. ويستطرد قائلا: عن التأمين الصحى لدينا مقبرة «ايبيوى» فى البر الغربى من الأقصر وجدنا مشهدا لأحد العمال ينحت عمودا فأصاب عينيه بعض التراب والصورة توضح طبيب عيون ومعه أدواته يقوم بعلاج عين العامل ومعه مقلمة ومحبرة لكتابة روشتة العلاج وكل ذلك قبل آلاف السنين، فما كل هذا التطور وهذه الإنسانية فى رعاية العمال وأيضا اكتشفوا عاملا بجوار أبي الهول من عمال الهرم كان قد أصيب بسرطان فى الدماغ وتم إجراء عملية له وعاش بعدها، أى منذ أكثر من أربعة آلاف عام تجرى عملية سرطان فى الدماغ، ويعيش صاحبها فهذا شىء مذهل وفى حضارات أخرى كان مصير هذا العامل هو القتل، ومن المهم أن نعرف أن حضارة قامت بكل هذه الإمكانات لا بد أن تكون الأولى. ويضيف الشماع أن المرأة أيضا كانت لها مكانتها وتميزها وتفردها فى المجتمع المصرى القديم عن بقية الحضارات واكتشف العلماء أن الكحل الذى كانت تستخدمه لتزين به عينيها يحمل مميزات أكثر من مجرد زينة وهو ما كشفته دراسة أجريت فى فرنسا على هذا الكحل ووجد العلماء أن نسبة المكونات الداخلة فى تركيبه بها مادة تقتل الميكروبات، وأيضا وجدوا أن الكحل يعمل ما يسمى «بانعكاس وميض الشمس» إذن هذا الكحل أول نظارة شمس فى التاريخ، أيضا الحقيبة التى نحملها الآن وتصل إلى الخصر كما هى تماما على تمثال لامرأة فرعونية ويظهر داخل الحقيبة أنها تضع بها مرآة بيد صغيرة، إذن الحضارة المصرية زاخرة بالإنجازات والاختراعات التى سبقت بها حضارات العالم، وإذا كانت حضارة معمار عبقرى فهى هندسة المستحيل فهكذا وصف الغرب هرم خوفو، وأتمنى أن توضع هذه الجملة على مدخل الهرم بعد تطويره، إذن فهى حضارة تفوقت وقادت وعلمت ولم تكن لديها مشكلة فى أن تتعلم، وأخيرا لم أرصد خلال 40 سنة قراءة فى تاريخ مصر إلا حالات أقل من أن تعد على أصابع اليد الواحدة لمصريين هاجروا، ولم نجد ابنة ملك مصرى تزوجت ابن ملك أجنبى وعاشت معه خارج مصر، إذن الالتزام والمبادئ والحكمة والآداب والإتيكيت والعلم والطب والصحة واحترام الإنسان هى الحضارة المصرية القديمة.