مصر وروسيا توقعان بروتوكول للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني    مفاوضات إسطنبول.. زيلينسكي يعلن استعداد أوكرانيا لكل صيغ التفاوض    مرموش: صلاح يستحق التواجد في سباق الكرة الذهبية    وزير الرياضة يؤازر منتخب الشباب قبل مواجهة المغرب في نصف نهائي أمم إفريقيا    الأهلي يبدأ تجهيز صفقاته الجديدة ببرنامج تأهيلي خاص    الغربية.. إحالة أوراق محصل غاز مزيف إلى المفتي لقتله ربة منزل في زفتى    مدير التأمين الصحي باالقليوبية تتفقد سير العمل بعيادة طوخ لضمان جودة الخدمات    حالات يحق للمرأة من خلالها إنهاء عقد العمل وفقا للقانون الجديد    مايا دياب تحيي حفلا في البحرين 29 مايو    علي زين يحتفل بالتتويج بالسوبر الأفريقي لليد ويؤكد: هدفنا تحقيق سداسية تاريخية    طريقة عمل المنسف الأردني بالخطوات الأصلية    مصطفى كامل يطرح أحدث أغانيه «قولولي مبروك»|فيديو    أمين الفتوى: صلاة المرأة في المنزل خلف إمام المسجد في المنزل غير صحيحة شرعًا    بتوجيهات رئاسية.. استراتيجية تعليمية متطورة وجيل قادر على مواجهة التحديات    تحويل قصور الثقافة إلى حضانات يُشعل الغضب تحت قبة مجلس النواب    أهمها النوم جيدا.. نصائح طبية ليلة الامتحان لزيادة تركيز الطلاب بمختلف المراحل التعليمية    استمرار حبس محمد غنيم.. وموكله: ننتظر تحديد جلسة محاكمته    التشكيل الرسمي لمواجهة ميلان ضد بولونيا فى نهائى كأس إيطاليا    "البترول": "مودرن جاس" تنتهي من تنفيذ مشروع متكامل للغاز الطبيعي بالإمارات    رامى عاشور: ترامب يسوق لنفسه كرجل سلام وأنه مازال مؤثرا بالمعادلة السياسية    وفد مصري يستعرض خطة تنظيم بطولة العالم للجامعات للسباحة بالزعانف أمام الاتحاد الدولي في لوزان    أمين الفتوى يحذر من استخدام المياه في التحديات على السوشيال ميديا: إسراف وتبذير غير جائز شرعًا    جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 بمحافظة مطروح    خدعة في زجاجة مياه.. حكاية شاب أنهى حياة خالته بقطرة سامة بالجيزة    الإنقاذ النهري يكثف جهوده للعثور على جثمان غريق بالأقصر    هل من حقي أن أطلب من زوجي تعديل مظهره وهيئته؟.. أمين الفتوى: يجوز في هذه الحالة    حملات موسعة على التجار المخالفين في كفر الشيخ    مسئول أممي: منع وصول المساعدات إلى غزة «يُفضي إلى الموت»    بعد رحيله.. من هو أفقر رئيس في العالم خوسيه موخيكا؟    دعم إيجاري وإنهاء العلاقة بعد سنوات.. "الاتحاد" يعلن عن مشروع قانون للإيجار القديم    تفاصيل صادمة في أمر إحالة متهمين بقتل شخص بالجيزة إلى المفتي    «مش هعرف أمد ايدي عليها».. فتحي عبدالوهاب يكشف كواليس ضربه ل ريهام عبدالغفور    5 أبراج يتألق أصحابها في الإبداع والفن.. هل برجك من بينها؟    سيدات الزمالك يتأهلن إلى الدوري الممتاز ب لكرة السلة    لعدم تواجد طبيب.. وكيل صحة الشرقية يجري جراحة لطفل أثناء زيارة مفاجئة ل"أبو حماد المركزي"    عبلة الألفى ل الستات: الدولة نفذت 15 مبادرة صحية منهم 60% للأطفال    حجز محاكمة الطبيب المتهم بالتسبب في وفاة زوجة عبدالله رشدي للحكم    جامعة الجلالة تنظّم أول نموذج محاكاة لجامعة الدول العربية    "الوثائقية" تعرض غدا فيلم "درويش.. شاعر القضية"    استقبالا لضيوف الرحمن فى البيت العتيق.. رفع كسوة الكعبة 3 أمتار عن الأرض    استمرار فعاليات البرنامج التدريبي "إدراك" للعاملين بالديوان العام في كفر الشيخ    "الجبهة الوطنية" تعلن تشكيل أمانة ريادة الأعمال    الجارديان: القصف الإسرائيلي على غزة ينذر بتصعيد خطير يبدد آمال وقف إطلاق النار    البنك المركزي: القطاع المصرفي يهتم كثيراً بالتعاون الخارجي وتبادل الاستثمارات البيني في أفريقيا    مصدر عسكري ليبي: سقوط 3 ضحايا على الأقل من المدنيين جراء الاشتباكات في طرابلس    «زراعة النواب» توافق علي موازنة «الطب البيطرى» للعام المالي الجديد    «أنا عندي نادي في رواندا».. شوبير يعلق على مشاركة المريخ السوداني في الدوري المصري    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    وكيل عمر فايد يكشف ل في الجول حقيقة إبلاغه بالرحيل من فنربخشة    الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء: 107.5 الف قنطار متري كمية الاقطان المستهلكة عام 2024    مسئول أمريكي سابق يصف الاتفاق مع الصين بالهش: مهدد بالانهيار في أي لحظة    إيتيدا تشارك في المؤتمر العربي الأول للقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي    إحالة مخالفات امتحانية بإحدى المدارس الفنية في دمياط للتحقيق    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    السبت ببيت السناري.. انطلاق أمسية شعرية في افتتاح فعاليات ملتقى «القاهرة .. أصوات متناغمة»    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    أدعية يستحب ترديدها وقت وقوع الزلازل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث فى الآثار بسام الشماع يدعوك: تعالى معى إلى البستان
نشر في صباح الخير يوم 20 - 10 - 2015

بستان التاريخ الواسع الشاسع، الذى يمتد طوله لآلاف السنين.. أما عرضه فهو رحب يجرى به نهر خالد، على ضفتيه وقفت أشجار النخيل تطل على معابد شامخة.. توصل إليها طرق مزينة بتماثيل لملوك وحكام وآلهة، تشرف عليها مسلات ضخمة وقاعات وأعمدة.. تروى أحداثا مبهجة ومفجعة.. تبعث رسالة.. تكتب حكمة.. وتسجل موقفا.. شكلت فى النهاية ضمير وثقافة وفلسفة أول حضارة فى التاريخ.. حضارة مصر الفرعونية.
• أول اتحاد فى التاريخ
على باب البستان استقبلنى العالم والباحث بسام الشماع العاشق لتراب مصر بآثارها وشخوصها وأبطالها.. وسألته: كيف قامت هذه الحضارة العظيمة.. وما هى المنظومة الفكرية التى أنتجتها؟
- من الظلم أن نطلق عليها «حضارة» فقط، لأنها ثقافة بدأت قبل عصر الأسرات وقبل توحيد القطرين بأكثر من ألف سنة.. حيث تكونت مجموعات متفرقة من البشر، يحمل كل منها أفكاراً متباينة وثقافات مثل ثقافة «نقادة» وقبلها مدينة «البداري».
وقد سميت «نقادة» نسبة إلى بلدة نقادة القريبة من قوص وقد عثر على الصناعات البدارية فى بلاد النوبة.. وهناك أيضا ثقافة العمري.. والمعادي.. وحلوان و«بنى سلامة» ووادى جراوى التى تبعد عن مجرى نهر النيل وشهدت بناء أول سد فى التاريخ، لتوفير المياه من السيول.. كذلك ثقافة «نبتة» وهو اسم جبل نوبى يقع على بعد مائة كيلو من معبد أبو سنبل، الذى وجد به حجر كبير يشبه ميناء الساعة.. أطلق عليه «مزوله» هذه الدائرة الحجرية كانت تشير إلى الاتجاهات ومنها اتجاه شروق الشمس فى السماء فى أول أيام الصيف.. هؤلاء المصريون العظماء استطاعوا التوصل إلى مواعيد الأمطار، كما أن هناك حجرية فى متحف النوبة تؤكد أن هؤلاء المصريين كانوا يدرسون علم الفلك.. وأنهم أيضا شهدوا أول اتحاد فى التاريخ قبل «مينا» موحد القطرين ومؤسس الأسرة الأولى.
• قبس من نور
ويستكمل الباحث فى الآثار د.بسام الشماع: قبل بداية عصر الأسرات قامت أول مظاهرة فى التاريخ من نقادة وبلاص شمال الأقصر فى الجنوب ضد الشمال.. بسبب فرض سيطرة الشمال على الجنوب.. هذه الثقافة.. ثقافة الاحتجاج ظهرت فى مصر القديمة.. وقت كانت أوروبا تعيش فى غياهب الظلم المعرفي.. كنا نحن فى مصر نثور من أجل الحرية والحقوق الإنسانية والسياسية.. واشتدت الثورة ووصلت إلى معركة عسكرية - كل هذا قبل أن يعرف المصرى القديم القراءة أو الكتابة - إلى أن ظهر الملك «العقرب».. هذا العقرب له أثر منحوت يجسده.. وبجانبه عقرب.. ومن هنا جاءت تسميته.. هذا الملك وقف ممسكا بيده محراثا وتحته «قناة» مياه، فهو إذن يزاول طقس حفر القناة.. وهذا يعنى دخول المياه إلى أراض صحراوية ودخول الحياة إليها أيضا.. وأن شق القنوات والترع والمصارف المائية من مهام الملك أو الحاكم.. وبالمعنى الأكثر اتساعا حالة ترويض لمياه الفيضان وتوفير المياه فى حالة الجفاف التى يحاسب عليها الملك ويساءل عنها.
فى بداية عصر الأسرات كان الملك لا يمكن أن يصبح حاكماً إلا بعد مباركة الكهنة والآلهة الأسطورية.. فيصبح بعدها الملك والإله الخالد فى الأرض والسماء.. فهل كان الشعب المصرى القديم.. ورغم تعلقه الشديد بالدين.. مؤمنا ومصدقا لهذه الفكرة؟
تقول أغنية قديمة منقوشة على جدران أحد المعابد الفرعونية:
هؤلاء الذين بنوا لأنفسهم المقابر..
انظر إلى مقابرهم.. محطمة..
لم يعد إلينا أحد منهم
ليقول لنا ماذا حدث لهم
كيف هم خالدون فى الأرض والسماء
وهم لم يستطيعوا أن يساعدوا أنفسهم أو يحموا حتى مقابرهم
ومازال الكلام لبسام الشماع: هذه الكلمات انقلاب فكرى وتعبير عن ثقافة إعمال العقل.
• رحلة على ضفاف النيل
ويصحبنا الباحث بسام الشماع إلى عمق التاريخ وعلى ضفاف النيل يروي: كانت الجماعات فى البداية فى وادى النيل مثلها مثل البلاد الأخرى على حالتها الفطرية تلتف حول رمز تتخذه إلهاً أسطوريا.. وبدأت الجماعات تتجمع وتكون «مدن»، لكل منها حكومته.. وبعد مرور وقت بدأت المدن تتجمع.. وفى الوقت الذى اتحدت فيه الدلتا فى مملكة واحدة.. تكونت مملكة أخرى فى الوجه القبلي.. ويبدو أن الدلتا كانت أقوى من الصعيد فكان ملوك الدلتا أول من فكروا فى اتحاد مصر تحت سيطرة حاكم واحد.. وأصبحت بلدة «جوصير» هى عاصمة مصر.. ولكن قامت ثورة مرة أخرى وانقسمت البلاد إلى الوجه البحري.. والوجه القبلي.. ولم تعد «جوصير» العاصمة ومرة تالية.. استطاع الوجه البحرى إخضاع الوجه القبلى وقام بتنظيم وحدة البلاد متخذا مدينة «عين شمس» الواقعة على حدود القطرين عاصمة للملك.
• شخصيات ومواقف
ومازلنا فى البستان تنقلنا خطواتنا من ضفاف النيل عبر الطريق المزين بالتماثيل لملوك وحكام وآلهة.. والكلام للباحث بسام الشماع: البستان ليس كله أشجارا وزهورا ونباتات.. ولكن به أشواكاً أيضا.. ولكن كان به أبطال.. به أيضا شخصيات عادية صالحة وأخرى طالحة.. ومواقف مبهجة وأخرى مفجعة.
ويروي: فى عام 1155 قبل الميلاد فى اليوم العاشر من الشهر الثانى من موسم الشتاء.. قام عمال الملك القائمون على زخرفته وتلوينه بالإضراب عن العمل.. ويعد هذا هو أول إضراب فى التاريخ «سلمي».. يعنى مفيش طوبة واحدة.. ألقيت على القصر.. ولكنهم طالبوا بحضور رئيس الشرطة فما كان منه إلا أنه انتقل إليهم ملبيا نداء الشعب.. إذن هذا الرجل عال الشأن استجاب.. وذهب إليهم.. واشتكوا إليه الجوع، فلا يوجد خبز ولاسمك ولا كتان، ونحن نعرف أن المصرى القديم كان يجيد فنون الصيد فهو أول من اخترع الخطاف والقفص - ولكن يبدو أنه وقت لم يكن النيل فيه قد أفاض بخيراته.. وفى هذه اللحظة أمر رئيس الشرطة وعلى الفور بكمية من الشطائر لهم، ولذويهم.. وحدد لهم موعدا فى الصباح الباكر لمواصلة إضرابهم وتكريما لهم وتفهما منه لمطالبهم سوف يفتح لهم المعبد للاعتصام بداخله.. وهو بهذا الذكاء والدهاء يكون قد وطد علاقته بالعمال وكسب ثقتهم.. ووضعهم تحت نظره حتى لا تنفلت الأمور وتعم الفوضى البلاد.. وأشار إلى شعار «الشرطة فى خدمة الشعب».
وتأكيدا لفكرة الشعب والشرطة يد واحدة.. فإن الطريق الموصل إلى المعبد والقصر كانت تتمركز فيه وحدات للشرطة وكركونات.. فكيف عبر هؤلاء العمال.. إلا إذا كانت الشرطة تتفهم مطالبهم وسمحت لهم بالعبور.
• فجر الضمير
ومن بستان التاريخ يلتقط الباحث بسام الشماع إحدى أوراق البردى والتى تقول: إن الملك رمسيس الثالث أوسر ماعت رع تعدت عليه إحدى سيداته بالضرب بسبب رغبتها العارمة فى أن يصبح ابنها حاكما على البلاد.. فذهبا إلى القاضى الذى فوجئ به هو ورفاقه يقيمون حفلاً ماجنا.. فأمر بالقبض عليهم وتمت إحالتهم إلى المحكمة التى أصدرت حكمها بالإعدام.
• سألته: هل صدر هذا الحكم بناء على نص قانوني؟
- أجاب: المجتمع المصرى القديم لم يكن مجتمعا ملائكيا ولكنه مجتمع مثل باقى المجتمعات البشرية، به الصالح والطالح.. ومن هنا جاءت أهمية وثقافة سن التشريعات والقوانين عند المصرى القديم.. أى تحقيق العدالة.. والغريب أنهم وضعوا للعدالة رمزا هى الآلهة الأسطورية «ماعت» وتعنى الحقيقة وتم تجسيدها على هيئة امرأة جميلة ممشوقة القوام يعلو رأسها ريشة.. هذه الثقافة المتراتبة جاءت من ثقافة الثواب والعقاب وتحقيق العدالة الاجتماعية ووضع نظام للمجتمع.
• سألته: أوليس من العجيب أن يضع المصرى القديم كل هذه القيم فى امرأة؟
- أجاب: نعم.. وإن دل هذا على شيء، فيدل على مدى تكريم وتقدير أجدادنا العظماء لهذا الكائن الرائع المسمى المرأة.. ولكن أن تعلمى أنه ومنذ أربعة آلاف عام ونصف العام كانت هناك امرأة مصرية جليلة تدعى «بسشت» هى أول طبيبة معالجة على الأرض.. كما تسجل البرديات والنقوش أنه كان لدينا سيدة أعمال ولها وكلاء تجاريون.
ويتوقف بسام الشماع عن السرد.. ويقول: نعود إلى سن القوانين:
• فى البستان أيضا تحرش!!
أمر رمسيس الثالث بإنشاء حدائق ومتنزهات للعامة.. ولكنه فوجئ بارتفاع أصوات البنات والنساء بالشكوى من التحرش.. فما كان من الملك إلا أنه أمر رجال الشرطة بالتدخل السريع للقضاء على هذه الحالات.. وكان هناك قانون ينص على عدم سقوط الجريمة حتى بعد الموت، بل تقع على من بعد على ابنه.. وطالب بتطبيق القانون.. وبذلك استطاع أن يقضى على الجريمة نهائيا، ليس التحرش فقط، بل والسرقة أيضا.. وإن دل هذا على شيء فيدل على مدى احترام المصرى القديم للمرأة وحريتها وحقها فى الخروج والتمتع والتنزه.. وليس هذا فقط، بل أعطاها الحق فى أن تشتكى زوجها وتطلب منه الطلاق.. وتخلعه أيضا.
بقى فى ذهنى سؤال عن عظمة هؤلاء المصريين القدماء الذين شكلوا هذه الحضارة العريقة وفلسفتها وعلاقاتها بالأديان السماوية؟.. وطرحته على الباحث بسام الشماع.. فقال: أنبياء الله الذين تواجدوا على أرض مصر حقيقة لاجدال.. ولكن فى أى زمن بالتحديد.. لا أحد يستطيع أن يجزم.. ولكن كيف أثروا وتأثروا، فليس لديَّ ما أستند إليه.. ولكن المؤكد هو ما كتب على البرديات والجدران ومن وصايا سجلها حكماء ذلك الزمان، وأشارت إلى فلسفة هذه الحضارة وعلاقاتها بالأديان السماوية.. ومن أشهر هؤلاء الحكماء.. الحكيم «آني» «بتاح حتب» وقد جاء فى وصاياهم فلسفة الشجاعة والإقدام والحذر، هذه ثلاث صفات إنسانية.. فكان يقال: «من يلدغ من الثعبان يحذر الحبل الملفوف»، فهذه الجملة نوع من الفلسفة التى تضعك على الخط الفاصل بين الخوف أو الجبن والتهور.. وتدعوك إلى الحذر للتبين ما أنت مقبل عليه.. فلسفة الأرض والبيئة والتربة «لاتبنى فوق أرض خضراء» ألا تعد هذه الجملة بمثابة أول وزارة للبيئة وأول حملة لتجريف الأرض.. فلسفة «لاتهن رجل من العامة».. كان هناك يدعى «نفر إر كارع» وكان يمارس أحد الطقوس الدينية.. دون قصد منه ارتطم صولجانه بقدم أحد الرجال، فلما انزعج.. اقترب منه الملك وطمأنه واعتذر وقال له: «أنت أحب الرجال لدي»، فطلب الرجل من الملك أن يكتب هذه العبارة على مقبرة كان بناها.. فكتب الملك.. فلسفة التعامل مع البشر، فيقول الحكيم لابنه: «لاتدخل منزلاً حتى يؤذن لك وإن دخلت ضع عينيك فى الأرض ولا تتكلم عما رأيت أو سمعت بداخله».. فلسفة «لاتنظر إلى طبق الذى بجانبك ولاتضحك حتى يضحك صاحب المائدة». ويعلق الباحث بسام الشماع: أليست هذه من قواعد الإيتيكيت.. ويكمل: فلسفة معاملة الأزواج للزوجات «لكى تكون سعيدا لاتصرخ فى وجه زوجتك عندما تأتى متأخرة من السوق.. ولاتأمرها».. فلسفة التعامل مع الأم «احمل امك كما حملتك وضاعف لها الخير، فهى التى وضعت ثديها فى فمك ثلاث سنوات وهى التى لم تتقزز من فضلاتك، وإذا وجدت لنفسك زوجة لاتهجرها».. فلسفة الخطأ والخطيئة «يقول مدرس لأحد تلاميذه: لاحظت أنك تقضى الوقت فى الحانة وقد أهملت دروسك «ألا تحمل لوحا» عظمة هذه العبارة تكمن فى دور المدرس وقيمته لأنه كان يقولها لملك.. فلسفة الحساب.. يقول الحكيم: «لاتقتل، لاتزن، لاتقس على قلب، لاتفشى، لا تلوث مياه النيل، لاتغتصب حق طفل، لاتنظر إلى زوجة جارك، لاترهب أحدا، لاتكن سببا فى دموع أحد»، فلسفة العمل بالحكومة» إن كنت منصبا للتعامل مع الناس، فكن مؤدبا واستمع إلى شكوى الشاكي، ولاتعترض كلماته حتى يخرج كل ما فى قلبه».. فلسفة عمق الشخصية المصرية ورقتها «لاتضرب دوابك».. فلسفة الوطن «عزز حدودك» وشيد قلاعك، وأقم بينها روابط، أعداؤك، ليسوا من الخارج فقط، بل فى الداخل أيضا».
• آثارنا أمن قومي
يا لها من كلمات، رغم بساطتها فإنها عبرت عن عمق أصحابها وقيمهم وفلسفتهم وحبهم لوطنهم.
ومن فلسفة القدماء إلى فلسفة الباحث بسام الشماع وقيمه وإيمانه بأن آثارنا أمن قومي، فهو صاحب فكر ورؤية واعية لتاريخنا ولما نملكه من هذه الآثار.. ومن أجله يخوض العديد من المعارك الفكرية التاريخية والأثرية.
وحول هذه القناعات والمعارك يقول بسام الشماع: أنا فعلا لديَّ العديد من القضايا الخلافية مع بعض الآثاريين ولكن الأهم هو التاريخ نفسه فمثلا منطوق الأسماء الفرعونية فى مجملها ليس صحيحا فهم يقولون «نفرتيتي» والنطق «نفرايتي» ويعنى «الجميلة أنت».. نفرتارى «نفر إري» وتعنى جميلة الجميلات.. أحمس «يعحمس».. وسجلت هذه التصحيحات.. للأسف الأجيال الجديدة لا تعرف شيئا عن هذه الحضارة العظيمة، لذلك تقدمت إلى وزارة التربية والتعليم بفكرة مبسطة تناسب الطفل لتدريسها وفق مناهج الوزارة ولكن وحتى هذه اللحظة لم أتلق ردا.
أنا كذلك- ومازال الكلام لبسام الشماع - ضد عرض الموميات - هل يقبل أحد أن يعرض جثمانه بعد وفاته؟!
خاصة أن هؤلاء المصريين القدماء وصوا بحماية قبورهم بكل ما تحتويه.
قضية أخرى مندهش منها الباحث فى الآثار بسام الشماع وهى أن أكبر علماء الآثار حاصلون على الدكتوراة فى الآثار المصرية القديمة من جامعات أوروبية!! ويتمنى أن يرى مصريا حاصلا على دراسات عليا من مصر أم التاريخ والحضارة.
• سألته وماذا عن معركتك من أجل الآثار؟
- أجاب أنا الآن أخوض معركة عودة آثارنا المنهوبة.. وطالبت بإنشاء هيئة للآثار تابعة لرئيس الجمهورية.. وقلت إنى أعددت ملفا كاملا عن آثار بلدنا الموجودة المنهوبة.
وبعد انتهاء البرنامج فوجئ الباحث فى الآثار بسام الشماع باتصال هاتفى من السيدة الفاضلة الوزيرة فايزة أبوالنجا مستشار الأمن القومى لرئيس الجمهورية.. التى قامت بدعوته إلى قصر الاتحادية للقائها.. وذهب الباحث حاملا على أعناقه ملفا كاملا ومعه اثنان وثلاثون مقترحا.. وعدت معالى المستشارة بدراسة الملف وحددت موعدا قادما.. نحن جميعا فى انتظاره وما سيسفر عنه. •
الفلاح الفصيح وشكواه
تعرض هذا الفلاح المدعو «خو - إن أمبو» الملقب «بالفلاح الفصيح» إلى السرقة والضرب من أجل رجال السلطة فى عهد الملك «خيتي» الأسرة العاشرة.. فما كان من هذا الفلاح إلا أنه أرسل تسع شكاوى إلى الحاكم.. وفى نفس التوقيت ذهب وطالب بإعادة حقه من أمام منزل السارق.. جلس صامتا، لم يرفع صوته ولم يلق حجرا!، فقرأ الملك شكواه وطلب من رئيس الحجاب الذى يعمل عنده السارق بالتحقيق ورد الحق إلى صاحبه، وبعد التحقيق أصدر رئيس الحجاب ثلاثة قرارات.. إرجاع كل بضائع الفلاح.. كل ممتلكات السارق تؤول إلى الفلاح.. يعمل السارق خادما عند الفلاح. •
معلومات تاريخية مغلوطة
«هيكاتيوس» هو صاحب مقولة «مصر هبة النيل» وهو أول من قالها وليس «هيرودوت» المؤرخ الشهير.
عروس النيل أكذوبة تاريخية، فلم يكن هناك أى قرابين أو أضحية آدمية لنهر النيل، ولكن كانوا يزينون التماثيل ويلبسونها بعض الثياب الملونة والمزركشة ويلقونها فى النيل فى وقت الفيضان. •
الشخصية المصرية
الشخصية المصرية تشبه نهر النيل العظيم، فهى رومانسية هادئة ومحبة لأرضها ووطنها ومفيدة لبلدها.. فنهر النيل بمياهه العذبة الغنية بالطمى المخصب المفيد، يجرى ويتقدم بلا توقف متحديا الصخر ويحفر فيه ممرات له لكى يكمل مسيرته التى قدر له الله أن يسير فيها، وهو أيضا يجرى من الجنوب إلى الشمال مختلفا عن أنهار العالم التى تجرى من الشمال صوب الجنوب.. وهو أيضا يغضب ويثور ويفيض فيضانا هادرا ولايروض. •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.