* «كوفيد 19» كشف زيف مشروع الوحدة الأوروبية .. وقد يعيد نظام القطبية الثنائية أكدت الدكتورة أميرة الشنوانى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية أن جائحة كورونا «هزت عروش» دول العالم، كبيرها وصغيرها، وكشفت على وجه التحديد القوى العظمى التقليدية، وكشفت زيف مشروع الوحدة الأوروبية بشكل أخص، وتوقعت أن يكون عالم ما بعد كورونا مختلفا تماما عما كان عليه الحال قبل الجائحة، مشيرة إلى أن النظام العالمى الجديد فى مرحلة ما بعد كورونا قد يعود إلى نظام القطبية الثنائية من جديد، لأسباب كثيرة. وقالت الدكتورة أميرة الشنوانى فى تصريحات ل«الأهرام» عن نتائج تأثيرات أزمة كورونا على دول العالم، إنه نظرا لأهمية دراسة النظام الدولى فى ضوء المستجدات الأساسية التى حدثت وتحدث فى ظل أزمة الوباء، وأهمية استشراف المستقبل، فلا شك فى أن الأوضاع فى العالم لن تكون كما كانت قبل كورونا، وأضافت: «نحن مقبلون على نظام عالمى جديد، وعلى تحولات جيو سياسية، كما أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية التى ترتبت وستترتب على تلك الأزمة سوف تستمر لعقود قادمة، مما جعل بعض الجهات الرسمية تطالب ب«مشروع مارشال عالمي» جديد، على غرار ما حدث بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقالت أيضا: «إن هذا العدو المجهرى هزّ عروشا، وهزم ملوكا ورؤساء، وحده ودون جيوش ومدرعات وأسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل، وكشف زيف مفهوم الوحدة الأوروبية، وفشل الاتحاد الأوروبى فى أول اختبار له منذ نشأته، بسبب انكفاء دوله عَلى الداخل، واختفاء روح التضامن فيما بينها، وهو ما ينعكس بلا شك على حلم الوحدة الأوروبية، ويهدد استمرارية كيان اقتصادى ضخم بحجم الاتحاد الأوروبي، والأمر لن يقتصر على مجرد خسائر بشرية وأضرار اقتصادية، فالاتحاد الأوروبى مع إيطاليا - صاحبة خامس اكبر أسطول بحرى فى حلف شمال الأطلنطى «الناتو» - التى وجدت نفسها تصارع هذا العدو الخفى بمفردها، فقامت بعض مدنها بنزع علم الاتحاد الأوروبى ورفعت مكانه علم الصين التى وقفت بجانبها، كما لم يقف الاتحاد الأوروبى أيضا مع إسبانيا، وحتى بريطانيا ذات ال 215 رأسا نووى ما زالت تئن تحت وطأة هذا الوباء الخطير، وربما كانت محقة فى مغادرة هذا الاتحاد الذى قيّدها بقوانينه ال Supranational ، والأمر نفسه ينطبق على ألمانياوفرنسا، ولذلك، فمن المتصور أنه - بعد انتهاء عهد كورونا - خاصة بعد التوصل إلى لقاحات، أن يشتد تيار الشعبويين وأنصار الدولة الوطنية ومناهضى العولمة، مما يؤدى إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، وتصبح سياسة العزلة هى الأقرب للتطبيق فى أوروبا ما لم تنجح ألمانياوفرنسا فى معالجة ذلك الصدع الذى حدث، وإعادة هيكلة هذا الاتحاد بما يسمح ببقائه. أما الولاياتالمتحدة، والحديث للدكتورة أميرة الشنواني، والتى قال عنها مارتن لوثر كينج إن الذهنية الأمريكية تقوم على دعائم ثلاث هي: العنصرية والمادية والعسكرة، مما يجعلنا نتفهم الانقياد وراء المحافظين الجدد من مروجى الحروب والتدخلات العسكرية الوحشية وعمليات الخداع والتخريب الاقتصادى ونشر الفوضى الخلاقة وغيرها، فإن النسر الذى حكم و تحكّم فى العالم بغطرسته، بدأ هو الآخر يفقد توازنه فى مواجهة قوة وإصرار هذا العدو الخفى على هزيمته، بل أدى إلى جانب عوامل أخرى إلى سقوط الرئيس دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة، بعد أن بلغ الانكماش أكثر من سبعة فى المائة، وهو المعدل الأسوأ فى تاريخ الولاياتالمتحدة، كما بلغ الدين فى أبريل الماضى طبقا لمكتب الميزانية فى الكونجرس 24 تريليون دولار. وأضافت: «أتصور أن النسر قد يتهاوى قليلا فى عالم ما بعد كورونا، ولكنه سيستعيد توازنه من جديد، ومع ذلك، لن يصبح وحده الذى يحكم العالم، خاصة بعد حدوث شرخ فى التحالف الغربى الذى تقوده الولاياتالمتحدة فى فترة هذا الوباء، بعد أن اتهمت ألمانياالولاياتالمتحدة بالقرصنة على شحنة كمامات طبية فى تايلاند وتحويل مسارها إلى الولاياتالمتحدة، رغم محاولة ترامب تبرير ذلك بأنه تفعيل لقانون يعود إلى حقبة الحرب الكورية، كما اتهمتها فرنسا أيضا بالاستيلاء على شحنة أجهزة طبية كانت واردة إليها من الصين، فضلا عن أن فرنساوألمانيا والمملكة المتحدة باعوا أدوية إلى طهران بنصف مليون يورو، فى صفقة دواء لا يمكن أن تستخدم فى مكافحة الوباء فى إيران طبقا لمصدر دبلوماسى غربي، وإنما تدخل فى نطاق الآلية الأوروبية لمساعدة إيران لإقناعها بعدم التخلى عن الاتفاق النووى التاريخى المبرم معهم عام 2015، وهى أول محاولة أوروبية للالتفاف على العقوبات الأمريكية على طهران بعد انسحاب الولاياتالمتحدة منه». وتابعت: «لذلك، ستجد الولاياتالمتحدة - حتى لو استعاد التحالف الغربى قوته فى ظل إدارة جو بايدن - أن قوى أخرى صعدت لتشاركها، مثل الصين، والتى كانت أكثر الدول تضررا من كورونا، إلا أنها سعت إلى تحويل الأزمة سريعا إلى مكاسب اقتصادية وسياسية، عن طريق تعويض كثير من دول العالم بالمعدات الطبية والكمامات، فكسبت تأييد دول أوروبية». وعن النظام العالمى الجديد بعد كورونا، توقعت الدكتورة أميرة الشنوانى أنه بصعود المارد الصيني، سيعود النظام العالمى مرة أخرى إلى نظام القطبية الثنائية Bipolar International System الذى ساد إبان الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي، ولكن ذلك سيكون لفترة وجيزة فقط، لأنه سرعان ما ستستعيد روسيا قوتها لتصبح قوة عظمى من جديد، ومؤيدة أيضا من بعض حلفاء أمريكا الغربيين مثل إيطاليا التى قدمت لها روسيا المساعدات، ونظرا لوجود قوى أخرى صاعدة بسرعة مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وربما أيضا ألمانيا صاحبة أقوى اقتصاد فى أوروبا، فإن النظام الدولى سيتحول إلى نظام متعدد الأقطاب Multipolar International System، يقوم على وجود أربعة مراكز قوى عالمية أو أكثر، وكأن التاريخ يعيد نفسه.