في صغره لم تبد عليه أي علامات للتميز أو العبقرية حيث كان طالبا متوسط المستوي، لم يول اهتماما لشيء سوي الصيد والرسم والتلوين . لكن الأمر تغير في كبره فقد كان اهتمامه بالكيمياء ليس فقط سبب تميزه بل إنقاذ الملايين من البشر.. إنه لويس باستور، أحد مؤسسي علم الأحياء الدقيقة في الطب وعالم الكيمياء الفرنسي الشهير، الذي اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا تاريخ مولده 27 ديسمبر ليصبح بدءا من 2020 «اليوم العالمي للاستعداد للوباء»، وذلك من أجل التوعية بالأوبئة والتعلم من الدروس لمواجهة أي أزمات صحية مستقبلية. باستور، الذي شهد عام 1822 مولده، استهل مشواره الأكاديمي بالدراسة الأدبية المتعمقة حيث حصل علي الشهادة الجامعية من كلية الآداب بعدما درس بها الفلسفة، ومن النقيض للنقيض انتقل لدراسة العلوم بل حصل بها علي شهادة الدكتوراه. وبعد الانتهاء من الدراسة الأكاديمية،اهتم باستور كثيرا بدراسة الجراثيم والميكروبات في أثناء عمله كمدرسا في جامعة ستراسبورج الفرنسية، التي شهدت أول لقاء بينه وبين ابنة رئيس الجامعة التي أصبحت زوجته، وأنجبا 5 أطفال. ثم تلقي باستور صدمة قوية كان من الممكن أن تفقده عقله ألا وهي وفاة 3 من أطفاله الخمسة بعد إصابتهم بالتيفويد. قرر باستور ألا يستسلم لآلامه بل حول محنته إلي منحة ليست له وحده بل للملايين حول العالم حيث وهب العالم الفرنسي حياته للعلم بدراسة الجراثيم والفيروسات لإنقاذ الأطفال الآخرين قبل أن يلقوا مصير اطفاله. فكانت الساعات الطويلة التي يقضيها في المعامل سبب اكتشافه اللقاحات الصناعية. فقد شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر العديد من الإسهامات العلمية لباستور، كان أشهرها «عملية البسترة» - التي سميت بهذا الاسم نسبة لمكتشفها والتي تستهدف تنقية السوائل من البكتيريا. وكان لهذا الاكتشاف دور كبير في القضاء علي العديد من الأمراض البكتيرية التي تسببت في تسمم ووفاة كثيرين. وخلال حملة باستور لدراسة الأمراض ركز بشكل واسع علي دراسة الجمرة الخبيثة، كما توجه لدراسة كوليرا الدجاج حيث اكتشف إمكانية الحصول علي لقاحات تعمل علي تخفيف أو إضعاف الكائن الدقيق المسبب للمرض،فكان يقوم بمضاعفة تأثير الفيروس علي الدجاج المصاب مما يزيد من مناعتها للمقاومة ومن هنا انتشرت التطعيمات ضد الكوليرا، كما تم استخدام الأسلوب ذاته في علاج العديد من الأمراض البكتيرية والفيروسية الأخري مثل الجدري. واستكمالا لمحاولاته إنقاذ البشرية، حاول باستور اكتشاف لقاح لمن اصيبوا بالسعار أو «داء الكلب»، حيث إنه آنذاك كان من يتعرض لعضة كلب يترك وحيدا حتي الموت لذا فكانت تجربته الأولي للقاح علي مريضين أصيبا بالداء، فإنه تجربته فشلت بوفاة المريضين. ورغم رفضه وتخوفه من القيام بتجربة جديدة فإنه بعد قيام والدة طفل باستعطافه لإنقاذ طفلها، الذي يبلغ من العمر 9 سنوات، بعد أن قام كلب بعضه 14 مرة في جسده، استسلم العالم الفرنسي أمام إصرار والدة الطفل المصاب، ووافق علي تقديم تطعيم داء الكلب للطفل، حيث قام بحقنه عدة مرات ، ولم تظهر عليه اعراض السعار، وبعد مرور 10 أيام شفي الطفل تماما ليصبح اللقاح مطلبا عالميا. ولأن ملاحظات باستور القوية كانت غالبا ما ينتج عنها إنجاز علمي جديد، ونتيجة لمجمل تجاربه توصل إلي أهمية عملية التعقيم في أثناء العمل الجراحي، بتطهير اليدين والضمادات والمشارط لأنها تحمل ملايين الجراثيم، وكانت النتائج مبهرة منذ البداية حيث انخفضت نسبة الوفيّات في العمليات الجراحية خلال عامين من 90% إلي 15%. وبعد مشوار طويل من التجارب والإنجازات العلمية، التي سطرها في صفحات التاريخ، رحل باستور عن عالمنا في عام 1895 بعدما حصل علي العديد من الأوسمة والتكريمات، وعلي رأسها امتنان البشر له لإنقاذهم من براثن الفيروسات الفتاكة .. وها نحن وبعد مرور أكثر من 125 عاما لايزال العالم يتذكر لويس باستور ويتمني لو كان موجودا لإنقاذ البشرية مرة أخري من براثن فيروس كورونا اللعين.