المشروع الطموح لأرشفة وتوثيق ثورة 25 يناير 2011 والذي بدأ العمل تحت راية دار الوثائق المصرية، تعثر ولم يثمر عن المأمول منه بعد أكثر من عام ونصف العام، وتنشر "بوابة الأهرام" أسباب تعثرها والتي سردها د. خالد فهمي في الندوة التي عقدت مساء أمس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ضمن مؤتمر الجماليات والسياسة تحت عنوان "أرشفة الثورة، وحضرها د. عماد أبو غازي". وكان وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي حين كان بالوزارة قد قرر تشكيل لجنة لتوثيق ثورة 25 يناير برئاسة د. خالد فهمي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة للعمل علي المشروع الضخم، وبدأت اللجنة عملها أول مارس من عام 2011. وقال فهمي إن تعثر المشروع يرجع لأسباب تتعلق بالأسئلة النظرية التي تطرحها عملية الأرشفة والتوثيق، ولأسباب أخري تتعلق بالبيروقراطية وغياب الكوادر المدربة والدعاية الكافية إضافة إلي العقلية الأمنية المهيمنة علي أجهزة الدولة ومنها دار الوثائق المصرية، التي يري فهمي أنها تقع تحت قبضة الأمن بأكثر مما تقع أي مؤسسة أخري، إذ تعتبر الأجهزة الأمنية، الوثائق الموجودة بها أرشيفها هي ومستودع ذاكرتها هي، وأما السماح للباحثين بالإطلاع عليها، فهي منة يجب أن توضع تحت عين المراقبة طوال الوقت. واشترط فهمي عدم الحصول علي أي موافقة أمنية قبل البدء في التوثيق أو قبل نشر المواد التي سيقوم بجمعها وإتاحتها للباحثين والجمهور فور الانتهاء من فهرستها وتنظيمها، وحصل علي الموافقة علي شرطه من وزير الثقافة عماد أبو غازي، ورئيس دار الكتب والوثائق القومية صابر عرب الذي يشغل منصب وزير الثقافة الآن. جزء من تحمس خالد فهمي للمشروع الذي تجبر ضخامته علي الاستعانة بمتطوعين لجمع المواد وفهرستها وجمع الشهادات الشفهية، كان جذب هؤلاء المتطوعين لدخول الدار، في خطوة وصفها ب "حصان طروادة" الذي سيكسر الحصار الأمني علي الدار التي تعد واحدة من أغني أرشيفات العالم ويتراوح عدد مرتاديها يومياً من 5 إلي 10 أفراد فقط. لكن خالد الذي كان يحلم بدخول المواطنين العاديين للدار وليس الباحثين فقط، تم استيقافه هو ومن معه من أعضاء اللجنة التي صدر قرار من وزير الثقافة بأسمائهم وتتلقي كل الدعم منه، علي أبواب الدار حتي يحصلوا علي التصاريح الأمنية اللازمة للدخول. لم يكن الأمن فقط هو العائق الوحيدة، بل كانت الأسئلة النظرية التي تطرحها عملية الأرشفة والتوثيق علي مجموعة المؤرخين المجتمعين لهذا السبب. كان قرار اللجنة منذ البداية عدم التورط في كتابة تاريخ لثورة 25 يناير، أو إصدار كتاب يحمل اسم وزارة الثقافة وعنوان "هذا هو ما حدث في ثورة يناير"، فلم يرغب فهمي ومن معه في تكرار الأخطاء التي وقعت فيها الثورات التي حاولت كتابة تاريخها وتزييف التاريخ الذي سبقها. تحدد الهدف في جمع مادة خام ولكن مفهرسة ومنظمة تحفظ للمؤرخين والباحثين المستقبليين للبحث في تلك الثورة وكتابة تاريخها، وعدم تقديم اللجنة لأي تفسير أو تحليل والاكتفاء بجمع المادة الخام، إلا أن ذلك لا يعني أن اللجنة تدعي الحياد فقرار أرشفة شيء دون آخر هو موقف في النهاية. ولكن السؤال الأولي الذي طرح نفسه علي فهمي واللجنة كان من أين نبدأ في جمع المادة، من 25 يناير أم من الإرهاصات السابقة وحركات المعارضة التي ظهرت في العقد الأخير، وهل نبدأ من خالد سعيد في 2010 أم من حركة كفاية في 2004، هل بدأت الثورة في 25 يناير وهل انتهت في 11 فبراير، أم أنها لاتزال مستمر وتتلاحق أحداثها؟ ما الأحداث اللاحقة علي 11 فبراير ويجب تسجيلها؟ هل نسجل كل المظاهرات هل نسجل آراء من عارضوا الثورة وخطابات مبارك؟. بعد الأسئلة النظرية جاءت الأسئلة التقنية، فأين تسجل اللجنة كل تلك المواد الرقمية التي تحتاج لسعات تخزينية ضخمة لا تملكها الدار التي شكلت عائقاً في وجه اللجنة لسمعتها الأمنية ولكونها جزءاً من الدولة وهو ما أدي لخشية البعض بالإدلاء بشهاداتهم الشفهية حول الثورة خشية وصول الأمن لتلك الشهادات. لم تملك دار الوثائق التي رحب رئيسها بالتعاون مع اللجنة وموظيفها كذلك الكوادر البشرية والخبرة والأموال اللازمة لتلك العملية الضخمة، وليس الكوادر غير متوفرة كما يري فهمي بسبب تخلفنا ولكن لأن الأحداث تسبقنا، لم يكن هناك فتور في الحماس من جانب المسئولين ولكن كان فقط من الصعب أن توثق لثورة هي لاتزال مستمرة. يري عماد أبو غازي أن عملية توثيق الثورة المتعثرة، ربما كان يمكن أن تنجح لو سارت الثورة في مسارات أخري غير تلك التي اتخذتها، ويري أنه كان هناك قصور في الرؤية وحسن النوايا، حين ظن هو واللجنة أن مؤسسة عريقة في بيروقراطيتها وأمنيتها بتوثيق الثورة هي ضد النظام والأمن وضد حتي الأرشيف الذي هو سلطة وجزء من بناء السلطة، ويعمل بنظام تعمل الثورة كلياً بخارجه وخارج أي نظام. تركت اللجنة أسئلتها النظرية مطروحة دون إجابة، تركتها مفتوحة علي أكثر من احتمال، ورغم أن المشروع بدأ لحفظ ذاكرة ثورة خشية ضياعها إلا أن فهمي لا يخشي علي تزييف تأريخ تلك الثورة، فاتساع المادة وغنيها وسقوط السرديات التاريخية الكبري، يترك أي سردية كبري سيحاول أي أحد بناءها علي هواه مهددة بالسقوط أمام الفجوات التي سيصنعها المؤرخون في جدرانها.