وزير الأوقاف يعقد اجتماعًا بمديري المديريات لمتابعة الأنشطة الدعوية    لقاء علمي بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    التموين: توريد نحو 1.8 مليون طن قمح محلي حتى الآن والمستحقات خلال 48 ساعة    انطلاق المسابقة الوطنية لشباب المبتكرين من طلاب التعليم ما قبل الجامعي غداً الثلاثاء    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    محافظ المنيا يوجه بتنظيم حملات لتطهير الترع والمجارى المائية بالمراكز    عاجل| مصدر رفيع المستوى: قصف حماس لمنطقة كرم أبو سالم تسبب في تعثر مفاوضات الهدنة    مفوض الأونروا: الهجوم الإسرائيلي على رفح صفحة جديدة من مأساة غزة    الأهلي والهلال.. شاهد بث مباشر مباراة الأهلي ضد الهلال في الدوري السعودي    بعد محاولة مانشستر والهلال.. بايرن ميونخ يتفق مع نجم ميلان    التشكيل - فيستون ماييلي يقود هجوم بيراميدز.. وخماسي وسط ل فيوتشر    محافظ مطروح يشهد النسخة السادسة من برنامج شباب المحافظات الحدودية    لحيازته كمية كبيرة من المخدرات.. حبس إمبراطور الكيف في الساحل    وزير النقل يتابع إجراءات الأمن والسلامة للمراكب النيلية خلال احتفالات شم النسيم    فيلم السرب يحقق إيرادات بلغت 4 ملايين و303 آلاف جنيه ليلة أمس الأحد    المخرج فراس نعنع عضوًا بلجنة تحكيم مهرجان بردية لسينما الومضة    «الأزهر للفتوى» يوضح كيفية قضاء الصلوات الفائتة    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    الصحة: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة الرئيس لإنهاء قوائم الانتظار    ننشر الخريطة الزمنية وجدول امتحانات مدارس القاهرة (صور)    ‫ إزالة الإعلانات المخالفة في حملات بمدينتي دمياط الجديدة والعاشر من رمضان    حدائق ومتنزهات أسوان والجزر النيلية تستقبل المواطنين في أعياد الربيع    «رحلة العمل الدرامي من الفكرة إلى الشاشة».. ورشة لمريم نعوم بأكاديمية الفنون 16 مايو    أبرزهم «السندريلا» وفريد الأطرش .. كيف احتفل نجوم الزمن الجميل بعيد الربيع؟ (تقرير)    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    «الكحول حلال في هذه الحالة».. أمين عام رابطة العالم الإسلامي يثير الجدل (فيديو)    15 يومًا للموظفين.. جدول إجازات شهر يونيو 2024 في مصر    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    6 نصائح من الهلال الأحمر للمواطنين عند تناول الفسيخ والرنجة    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    بعد إصابته بالسرطان.. نانسي عجرم توجه رسالة ل محمد عبده    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مصرع شخصين وإصابة 3 في حادث سيارة ملاكي ودراجة نارية بالوادي الجديد    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    الدفاع الروسية: إسقاط مقاتلة سو-27 وتدمير 5 زوارق مسيرة تابعة للقوات الأوكرانية    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    غدا.. إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء    سعر السكر والزيت والسلع الأساسية بالأسواق الإثنين 6 مايو 2024    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الشرطة الأمريكية تقتل مريضًا نفسيًا بالرصاص    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    وزير فلسطيني: مكافحة الفساد مهمة تشاركية لمختلف قطاعات المجتمع    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    طارق السيد: لا أتوقع انتقال فتوح وزيزو للأهلي    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النموذج المصرى والتطبيع
نشر في بوابة الأهرام يوم 19 - 12 - 2020


د. عبدالعليم محمد
امتلكت مصر عبر تاريخها الممتد، القدرة على صياغة معالم نموذجها الحضارى الخاص بها، والذى تميز بامتصاص موجات الغزو الخارجى ومقاومته تارة برد العدوان، وأخرى بالمقاومة الثقافية والاحتفاظ بالهوية المصرية فى مواجهة الثقافات والحضارات، التى انتمى إليها الغزاة، واقتباس أفضل ما فى هذه الثقافات ودمجه فى نسيجها الثقافى الوطني, وقد تجلت قدرة مصر هذه على نحو خاص، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، والعقود الأولى من القرن الحادى والعشرين، وذلك فى كل المجالات؛ الحداثة والاقتباس عن الحضارة الغربية، والانتقال من نظام سياسى إلى آخر، وكذلك الأمر فيما يتعلق بصنع السلام والاستقرار وبناء الدولة الحديثة، مع بقاء الدين كمرجعية ثقافية وقيمية فى الوعى والأداء وأخيرا وليس آخرا كشف طبيعة الإسلام السياسى ومراميه البعيدة والقريبة، وفى هذه المجالات كافة امتد تأثير النموذج المصرى لما وراء حدود مصر فى الدوائر العربية والإسلامية والإفريقية.
فى مجال الحداثة والاقتباس عن الحضارة الغربية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، يذكر أن اليابان فى أقصى الشرق كانت قد أوفدت إلى مصر بعثة كانت مهمتها استطلاع كيف تتعامل مصر مع القوى الاستعمارية الغربية، وفى الوقت نفسه تأخذ بأسباب النهضة والحداثة فى المجالات المختلفة فى العلوم والفنون والآداب والإدارة بهدف الاسترشاد بالخبرة المصرية.
أما مراحل الانتقال، فيذكر أن الاتحاد السوفيتى السابق وقبل انهياره حاول الاستعانة بتجربة مصر فى الانتقال من نظام الاشتراكية العربية أو اشتراكية الدولة فى العهد الناصري، إلى سياسات الانفتاح الاقتصادى والمزاوجة بين دور القطاع العام والقطاع الخاص فى التنمية والتحديث، واقتباس التكنولوجيا، لأن هذا الانتقال فى مصر قد حدث تدريجياً دون هزات عنيفة تهدد الاستقرار، أو هزات يمكن احتواؤها والسيطرة عليها عبر سياسات وآليات مختلفة لتجنب مضاعفات هذا الانتقال.
أما فى مجال السلام مع إسرائيل ومنذ توقيع اتفاقيات الإطار فى عام 1978 والمعاهدة المصرية الإسرائيلية فى عام 1979 تمكنت مصر منذ البدايات الأولى من وضع أسس نموذج مصرى لمقاومة التطبيع ترسخ عبر الزمن، وغذته دائما الروح العدوانية الإسرائيلية وتنكرها الدائم لحقوق الشعب الفلسطينى فى كل المراحل من ناحية، وفك الارتباط تدريجياً عبر العقود المنصرمة بين مصالح الدول العربية وبين القضية الفلسطينية، وبناء على ذلك فإن مناهضة التطبيع تستهدف تعويض القضية الفلسطينية بالدعم الشعبى كبديل لتآكل الدعم العربى الرسمى والإبقاء على السردية الفلسطينية قائمة فى الوعى والذاكرة العربية باعتبارهما حائط الصد ضد التخلى عن القضية.
حجر الزاوية فى النموذج المصرى لمقاومة التطبيع يتمثل بلا شك فى فض الالتباس القائم فى مفهوم التطبيع، وإزالة وتبديد الغموض الذى يحيط به، حيث إنه بالعودة لنصوص هذه الاتفاقيات لا نجد هذا المفهوم بل نجد مفهوم Normalization أى العلاقات العادية بين الدول الموقعة على هذه المعاهدة والتى لا تلزم الشعب والمواطنين عموماً تبادل العلاقات الشخصية مع الإسرائيليين وكذلك مفهوم التعاون الرسمى بين مصر وإسرائيل.
وهكذا ميز المصريون ومنذ اللحظة الأولى لظهور هذا المفهوم، والتحريف الذى روجته الدعاية المغرضة الإسرائيلية بين التزامات الدولة التى وقعت على المعاهدات، وبين حرية المواطنين فى رفض التطبيع، وربط المصريون خلال منظماتهم النقابية والعمالية والمهنية والشعبية والقوى السياسية المختلفة بين التطبيع وبين التقدم فى حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة فى الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس وكأن الأمر أصبح عقدا غير مكتوب بين الدولة والمواطنين.
أدرك المصريون ومنذ اللحظات الأولى أن هذه الورقة أى العلاقات على المستوى غير الرسمى والشعبى ليست مجانية، وأنها إحدى علامات رفض التوسع الصهيونى والإسرائيلى ونصرة الشعب الفلسطيني، ولا يمكن تقديمها مجانا إلا بمقابل الاعتراف الإسرائيلى بالحق الفلسطينى وتحول إسرائيل إلى مجرد دولة عادية بحدود معترف بها دوليا كما نص على ذلك قرار التقسيم لعام 1947، دولة يمكنها أن تعيش فى سلام مع جيرانها دون استعلاء أو عنصرية أو تهديد وابتزاز الشعوب العربية بالقوة والغطرسة، والمصريون بذلك هم أول الشعوب العربية التى تمسكت بالتطبيع المشروط.
ومنذ ذلك التاريخ يلاحظ أن علاقة التشدد الشعبى فى مواجهة التطبيع والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني، أصبحت علاقة طردية، أى كلما أمعنت إسرائيل فى انتهاك هذه الحقوق، أمعن الشعب المصرى فى رفض ومقاومة التطبيع بمختلف الآليات والأساليب السلمية والقانونية.
على النقيض من الإدراك الإسرائيلى والصهيونى لمسألة التطبيع، والذى ترتكز من وجهة النظر الإسرائيلية على النصر الذى حققته إسرائيل فى عام 1967 وتفوقها العسكرى والعلمي، والذى هو كفيل بحمل الدول العربية على قبول التطبيع المجانى معها، يدرك الشعب المصرى والشعوب العربية أن انتصار إسرائيل ليس نهائياً، ولا يمكنها من إخضاع المحيط العربي، بل رافق هذا الانتصار مضاعفات شتى تحد من قيمته ومن تأثيره وفاعليته؛ فإذا كان انتصارها فى 1967 قد خلق ما يسميه بعض الإسرائيليين جمهورية إسرائيل الثانية، فإن هذا الانتصار ذاته أفضى إلى قيام جمهورية فلسطين الأولى فى إشارة إلى ظهور الكفاح الفلسطينى المسلح ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح ومنظمات المقاومة الفلسطينية وظهور الاتحادات العمالية والنقابية والطلابية الفلسطينية وحركة عمد بلديات الضفة الغربية المنتمين لمنظمة التحرير الفلسطينية واكتساب النضال الفلسطينى المشروعية الإقليمية والعربية والدولية.
كما أن انتصار 1967 الإسرائيلى شهد منذ غداة الانتصار، مقاومة مصرية ضارية من خلال حرب الاستنزاف فى سيناء وخوض حرب أكتوبر عام 1973، وهى الحرب التى تحقق فيها أول انتصار عسكرى مصرى - عربي، وذلك فضلا عن انتفاضات 1987 و2000 ومختلف أشكال المقاومة السلمية والعسكرية المستمرة حتى الآن.
فى السادس والعشرين من فبراير عام 1980 تاريخ تبادل العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل، يبقى فى الذاكرة حملة المليون علم فلسطينى التى أشرفت عليها القوى الوطنية، وبموجبها تم توزيع الأعلام الفلسطينية ورفعها فى كل أنحاء مصر، ردا على رفع العلم الإسرائيلي.
تاريخ المصريين وثقافتهم وعروبتهم يدفعهم إلى إنصاف المظلوم، والشعب الفلسطينى ضحية الظلم التاريخى والتواطؤ الدولي، ولن يقبل المصريون بحال التخلى عنه فى محنته إلى أن يحصل على حقوقه المشروعة المعترف بها دوليا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.